ظهرت مؤخراً دراسة قام بها باحثان قدما نموذجاً حاسوبياً يقولان وفقه أن فيروس كورونا يتحد مع كريات الدم الحمراء ويُضعف قابليتها على حمل الاوكسجين مما يتسبب بالتدهور المستمر في الصحة. غير أننا سنناقش تفاصيل مهمة حول هذه الدراسة فضلاً عن تلك الحقيقية المهمة حول طبيعة كريات الدم الحمراء.

ينسى هؤلاء أن كريات الدم الحمراء هي خلايا لا تمتلك نواة مما يجعل استخدامها من قبل الفيروسات محالاً، حيث لا يُمكن للفيروس أن يتكاثر في خلية لا تمتلك حمضاً نووياً، حيث يشبه الأمر الانتحار بالنسبة للفيروسات. حتى أن هنالك ابحاث تقوم على مبدأ البحث عن طرق لجعل الفايروسات تقوم بمهاجمة خلايا الدم الحمراء بدلا عن الخلايا المعنية التي تقوم بمهاجمتها، كطريقة للقضاء على تلك الفيروسات.

والدراسة هي في الواقع فرضية غير مكتملة فحسب. فالورقة البحثية ليست مبنية على تجارب مختبرية وبالتأكيد ليست مبنية على دراسات سريرية. إنما هي دراسة حاسوبية، يقومون فيها باستخدام برامج وقواعد بيانات لإنتاج نموذج! افترض الباحثان هنا فقط انه الفايروس يهاجم الحديد في كريات الدم الحمراء.

أساس الدراسة هو دراسات النمذجة التركيبية (structural modelling studies) وهذه الطريقة من الدراسة تتم عبر انشاء نماذج افتراضية لتراكيب البروتينات بالاستناد الى بروتينات مشابهة والغرض من هذا العمل (الافتراضي) في صناعة الأدوية والأبحاث البيولوجية هو فهم العملية الكيميائية والمساعدة في التوصل لتراكيب الادوية المطلوبة للتعامل مع الحالة. وفي هذه الحالة فإن النمذجة تمت على الفيروس نفسه مع بروتينات الجسم المختلفة والمواد الكيميائية فيه، وهذه الطريقة لا تستخدم مع هذا النوع من الابحاث في الأعمال البحثية ذات الصلة!.

في هذه الدراسة تم استخدام عينات معينة من أجل القيام بعملية الالتحام الجزيئي (docking) فقط. والالتحام الجزيئي هو المرحلة الأخرى من دراسات النمذجة التركيبية في علم الادوية، حيث يتم فحص اقتران جزيئات معينة من البروتينات (كالتي في الفيروس) مع مواد مختلفة.

الباحثان استخدما في عملية الالتحام الجزيئي (docking) فقط ٣ بروتينات متعلقة بالحديد و الهيموجلوبين. من المتعارف عليه هو استخدام ١٠٠ او أكثر من المركبات في هذا النوع من الدراسات لأنها دراسات افتراضية (virtual screening) وليست قائمة على عمليات كيميائية حقيقية، حيث تستخدم عمليات الالتحام الجزيئي في مسح عدد كبير من المركبات فقط لايجاد علاج محتمل ليتم اختباره لاحقاً ضمن عمليات الاكتشاف والتطوير في الصناعات الدوائية. إذاً ينتج عن الدراسات الافتراضية احتماليات فقط وليس شيئاً مؤكداً. والأكثر من هذا فإن الباحثان لم يقوما بإجراء تحاليل للنتائج بعد نتائج الالتحام الجزيئي. ويعد هذا عملاً رديئاً في معايير العمل البحثي وبالمقارنة مع الطريقة المعتادة في البحوث ذات الصلة. كما يبدو من العمل عدم وجود اطلاع كافي لدى الباحثين حول العمل البحثي البيولوجي.

لذا لا يجب اخذ هذه الدراسة على محمل الجد. فهي مجرد فرضية مثيرة للاهتمام لا أكثر. إذا استطاع باحثون مختصون بالبيولوجية الجزيئية (structural biology) من إجراء تجارب لإثبات انه الفايروس يلتحم (binds) مع الحديد عن طريق تجربتي (ELISA, FRET ) او تجارب تكوين الكريستالات  (والتي توضح بالضبط كيفية اجراء الالتحام بين الجزيئات)،  عندها فقط يُمكن القول أن هذه هي طريقة عمل الفيروس. هذه التجارب هي تجارب بيولوجية تفحص بشكل مباشر كيفية عمل الفيروس وتفاعله مع الجزيئات المختلفة وترصد الدليل الصلب للعملية الكيميائية التي حدثت لتؤكدها. أما ما قدمته الدراسة التي ربطت عمل الفيروس بتأثيره على الهيموغلوبين فلم تكن سوى نمذجة حاسوبية لا تتضمن أي عمل كيميائي مثلما يحدث مع تجارب تكوين الكرستالات على سبيل المثال.

إجراء تجارب مثل تجارب تكوين الكرستالات ليس بالأمر السهل، لأن الفايروس خطر وإنتاجه و دراسته في المختبرات الأكاديمية هو بالغ الصعوبة وربما نادر حاليا بسبب مخاطر الفايروس. وهذه دعوة لعدم الترويج لأي دراسة فقط لأنها “أكاديمية”، فلكل تخصص درجات مختلفة من الاثبات ومن جودة العمل المختبري. غير أن تفاعل البعض مع هذه الدراسة قاد البعض إلى بناء المزيد من الفرضيات حول الأمر وإعادة النظر والتفكير في عمل الادوية التي نفعت مع كوفيد 19 وغير ذلك من الاسهاب فيما لم يستند إلى دليل راسخ. ولحسن الحظ فإن الجمهور الذي تلاقف هذه الدراسة لم يكن بموضع القرار ولا بموضع الحكم على حالة المرضى ومسار العمل ضد المرض.