ربما الاجابة تكمن في فهمنا لماهية السموم. تصادفنا احيانا بعض الافكار القدیمة من خلطات الطب القديم أو من العلوم الزائفة الحديثة التي تضم نوعا من التلاعب بالكلمات العلمية و التسلسل المنطقي و لكن من منطلق خاطيء احدى هذه الافكار التي ربما تتكرر على مسامع العديدين منا هي خلطات ازالة السموم و بعض العلاجات التي لا تعتبر تطبيقات علاجية معتمدة في الطب الحديث، فيما يستمر الناس في تصديق  العديد مما يقال على شاشات التلفاز وما يصلهم على هواتفهم الذكية  من دعايات  لمنتجات  و علاجات خارقة.

يقول الطبيب (parcelse) “ليس هناك سموم  كل شئٍ سم، الجرعة هي ما يصنع السم” . من هذا المنطلق يمكننا تعريف السم بانه كل مادة توجد في مجرى  الدم بتركيز اعلى من عتبة معينة، تسبب بظهور اعراض لها علاقة بسمية هذه المادة و مرتبطة اما بعضو  مستهدف او اكثر، تختلف  نوعية السموم من معادن و مركبات صناعية و ادوية و مواد حيوانية او نباتية معينة، و تختلف معها طريقة التقاطها و امتصاصها فمنها المستنشقة و منها ما يخترق الجلد و أخرى تستلزم البلع. المتعلقة بهذا المقال هي تلك القادمة من نظامنا الغذائي الحالي و من محيطنا الملوث  بدرجة اولى الهواء و المياه، و التي تستخدم كوسيلة تخويف لتحفيز الناس على شراء منتجات وتطبيق علاجات في أغلب الأحيان بلا فائدة، و احيانا بمضاعفات لا تقل خطورة عن السموم التي تبقى غير واضحة في خطابات المروجين لهذه الفكرة.

الجسم البشري بتعقيده واختلاف أنظمته مزود بنظام تصفية فعال متمثل في عدة أعضاء نذكر منها الرئتين الكبد الكليتين الجلد الامعاء و القولون.  كمثال بسيط على دور الرئة نذكر غاز ثنائي اكسيد الكربون -الذي لايصنف ضمن الغازات السامة حسب النظام العالمي لتصنيف المواد الكيميائية-  و لكن اي زيادة في تركيزه في الدم تسبب اضطرابات في توازن العضوية مما يستدعي زيادة في عمل الرئة والكلية والقلب لتحقيق توازن في تركيز ثاني اكسيد الكربون و حموضة الدم  او ما يدعى بالـ (Homeostasis). اما فيما يخص الكبد  فهو يعتبر عضو مهم في ما يعرف بعملية الأيض وخصوصاً الأيض لما نتناوله من أدوية  و التي تضم مرحلة اولى تضم التمييه او الاكسدة او الارجاع وتتم بعدها اضافة جدور كبريتية او سكرية او حتى كحولية   لتسهيل عملية تنقية الدم من بقايا الادوية او السموم و تعتبر احد المحطات الاساسية في الحركية الدوائية (Pharmacokinetics) (القواميس العربية لا تفرق بين الحركية الدوائية الفارماكوديناميك والتغيرات الدوائية الفارماكوكينتكس، الحركية الدوائية تلخص كيفية تأثير الدواء وحركته في الجسم، بينما المقصود هنا هو التغييرات الدوائية) الهدف من هذه العملية هو جعل المواد أكثر قابلية للانحلال في الدم (hydrosoluble) واكثر استقطابا و الكل بهدف التخلص منها او التخفيض من سمية المادة وقد يحدث احيانا العكس أي تزيد هذه العملية من سميتها كما يحدث مع النفتيلامين naphtylamine المؤكسد الى النفتيلهيدروكيلامين naphtylhydroxylamine الذي يعتبر مسرطناً المثانة .

تعتبر الكلية محطة التنقية الرئيسية في الجسم و معبر رئيسي لخروج العديد من المواد التي قد تضر زيادتها بالعضوية و منها نواتج عملية ال biotransformation  و بعض  الاملاح و المعادن و بعض نواتج الايض التي قد تكون سامة خاصة للجهاز العصبي كالامونيوم NH4 .

بعد الحديث عن اجهزة تنقية السموم الطبيعية سنتحدث قليلا عن الطرق التي يروج لها من المجتمع غير الطبي و التي تضم بعض الانظمة الغذائية التي قد تكون مشددة احيانا مما يسبب اعراض نقص لمغذي ما في غياب تحاليل طبية دورية للمراقبة، يلجأ المروجون لفكرة ازالة السموم ايضا الى ما يعرف  بتنظيف القولون و الذي يتم عبر ضخ كميات معتبرة من المياه و احيانا خليط من المياه و مواد اخرى و الذي قد يسبب ضررا لعمل القولون الطبيعي بما يحتويه من بكتيريا نافعة مهمة و كل هذا من شائعة تقول بان الفضلات بعد تراكمها في القولون تسبب نمو بكتيريا ضارة و تكتلات من البراز على جدران القولون و هو ما لا تذكره المناهج التعليمية من أدناها لأعلاها فمن أين يأتي الناس بمثل هذه الافكار ؟

اسلوب شائع اخر في الشرق الاوسط و اسيا عموما و هو الحجامة يدعي ممارسوه و مجربوه بأنه طريقة فعالة لازالة السموم  بعد سبري لبعض اراء من جربوها كانت إجابتهم كالتالي : انها وسيلة للتخلص من الدم الفاسد ( كلمة فاسد يلفها الغموض هنا ) و هذه مغالطة واضحة  فالدم الفاسد او كريات الدم الحمراء العجوزة ان امكن القول تتحلل في الطحال ليعاد تدويرها فهي مصدر مهم للحديد الذي سيدخل مجددا في تكوين كريات دم اخرى هذا بغض النظر عن فوائد الحجامة و تأثير الوهم (placebo)  المصاحب لها .

بمعرفتنا لفيزيولوجيا التخلص من السموم  المبرمجين عليها، و بمعرفة بعض الوسائل التي  يعتبرها البعض بديلة -لكن تبقى دون توضيحات فيما يخص آليات عملها وفوائدها الفعلية-  هل يوجد حقا وسيلة علاجية معتمدة لازالة السموم في الطب الحديث ؟

اولا علينا معرفة ان تراكم المواد ذات السمية يعود اما لزيادة في التعرض لها او خلل في احد انظمة الجسم التي تعمل على تنقيته.

في حالات مثل الفشل الكلوي سواء الحاد او المزمن تتراكم السموم بسبب تضاؤل قدرة الكلية على فلترة الدم بشكل فعال مما يستدعي تدخل عن طريق اجهزة تصفية الدم، و تعتبر هذه الطريقة الاكثر فعالية في التخلص مما يدعى السموم.  قد تستعمل هذه التقنية في حالات مثل التسمم بسبب جرعات زائدة من الدواء او تراكم لبعضها بسبب الخلل في الكليتين، كمثال على هذا الميتفورمين metformine  الذي قد يتسبب في حالات اللاكتين اسيدوس acidose lactique( ارتفاع حموضة الدم مرتبط بحمض اللاكتيك )   لدى المصابين بالسكري.

مثال آخر على طرق التخلص من الفائض في المعادن التي تصبح مضرة عند تراكمها هو الاستخلاب، و كمثال عنها خالب الحديد (chelateur de fer)  كدواء الديفيريبرون (deferiprone)، و الذي يمكن استخدامه ضمن المخطط العلاجي لحالات البيتا ثالاسيميا beta thalassemie  الذين يخضعون دوريا لعمليات نقل دم .

ادوية الاستخلاب عديدة و تخص معادن اخرى بخلاف الحديد، يمكن ان نجد أدوية لأستخلاب الرصاص  على سبيل المثال.

احد السموم التي تزايدت بشكل كبير بعد الثورة الصناعية، هي البنزين (benzene)  الذي يعد من اكثر المواد المسرطنة مسببا حالات عديدة من سرطان الدم (leukemia).  اعتمادا على احصائيات اجريت في كندا يتعرض الشخص العادي الغير المدخن  يوميا لقدر يتراوح بين 116 و 122 ميكروغرام .  يشكل البنزين  المستنشق  نسبة تعادل اربع و خمسين بالمائة، انطلاقا من هذه الاحصائيات يمكننا تخيل عدم جدية تلك الخلطات السحرية التي يروج لها . فالمواد التي توجد حولنا في البيئة لا يمكن تجنبها بمجرد الصوم ( بمعنى الأمتناع )   او بمجرد الاعتماد على مادة غذائية لان السموم في هذه الحالة متطايرة . ببساطة بعض السموم لا يمكننا التهرب منها بسبب تعرضنا المستمر و الدوري لها و قد تصبح الوقاية و الاستهلاك الرشيد للمنتجات عاملا يخفض نسبة ضررها  فمثلا و في نفس الاحصائيات السابقة وجد ان المدخنين معرضون  لقدر اكبر من البنزين فالتدخين بحد ذاته يعتبر احد مصادر السموم.

الخلاصة من هذا المقال ان العلوم الطبية تطورت بشكل مبهر لترسم خرائط دقيقة و صارمة لاغلب الامراض التي تنتج عن تراكمات لبعض السموم  المحددة، و ليست مجهولة كما يشاع في الطرق الملتوية الاخرى. تختلف العلاجات من ادوية الى حميات معينة او قواعد للوقاية، و احيانا اللجوء لبعض الاجهزة و تتم هذه الطرق تحت مراقبة كلينيكية  دورية بالاستعانة بتحاليل طبية من قبل   مختصين عكس ما نلاحظه في باقي الطرق، التي تهدف الى نشر علوم زائفة تؤدي في اغلب الاحيان الى استهلاك لميزانية الفرد وأرباح تدر على مروجيها.

المصادر :

Benzène“, INSPQ, 1 Norme en vigueur à compter du 8 mars 2013

Mariangela Ventresca, Daniel Teta, Michel Burnier, Sébastien Kissling, “L’hémodialyse intermittente, irremplaçable dans certains cas d’intoxications sévères“, Rev Med Suisse 2015; volume 11. 499-504

Agents chélateurs du fer“, CISMeF

Biotransformation des toxiques“, analyticaltoxicology.com

تدقيق : علي البهادلي