هل فعلا تتكلم النساء أكثر من الرجال؟ عندما يتعلق الأمر بالمحاورات، هل تميل النساء فعلاً إلى أن تكن متكلمات أكثر من الرجال؟

تستعمل النساء معدل 20,000 كلمة في اليوم، مقارنةً بمجرد 7,000 كلمة ينطقها الرجال. على الأقل هذه فقط فرضية من كتب المساعدة الذاتية و كتب علمية رائجة. غير انها نقلت من خبراء موثوقين على ما يبدو و ذكرت على نطاق واسع، إنها جملة تسند للصورة النمطية التي تقول بأن الجنس اللطيف يقضي وقته بالقشبة و النميمة، في حين يتحمل الرجل الصبور ذلك، مهما كان، بدون الحاجة إلى الثرثرة [أمثلة لمصطلح الصورة النمطية: الأفارقة هم مجرمين و لصوص؛ العرب و المسلمون إرهابيون؛ الهنود خدم؛ الإيطالي زعيم عصابة مافيا وإلخ]. ولكن هل هذا صحيح بالفعل؟

من الممكن قياس الثرثرة بعدة طرق. تستطيع جلب ناس إلى المختبر، و تُعطيهم موضوع للنقاش و تقوم بتسجيل حوارِهم. أو بإمكانك أن تجعلهم يُسجِلون حواراتهم اليومية في البيت. تستطيع حساب مجموع الكلمات المتكلمة، الوقت الذي يمضيه كل شخص بالتكلم، عدد المرات التي يُغير فيها الشخص موضوع الحوار، أو معدل عدد الكلمات المنطوقة في كل تغيير للموضوع.

من خلال جمع نتائج 73 دراسة عن الأطفال، وجد الباحثون الأمريكيون بأن الفتيات تتكلمن كلمات أكثر من الصبيان، ولكن فقط بمقدار ضئيل. هذا الإختلاف الصغير كان ملحوظاً فقط عندما كانوا يتحدثون إلى والديهم، ولم يكن موجوداً عندما كانوا يتكلمون مع أصدقائهم. لعل الأمر الأهم أنه كان ملحوظاً فقط حتى سن الثانية والنصف من العمر، بمعنى أن من الممكن أن يكون هذا الإختلاف الصغير هو ببساطة يعكس السرع المختلفة التي يُطوِر فيها الفتيات و الصبيان مهاراتهم اللغوية.

إذن لايوجد إختلاف فعلي بين الأطفال، ولكن ماذا عن البالغين؟ كامبيل ليبر (Campbell Leaper) من جامعة كليفورنيا (University of California)، عالم النفس الذي وجد الأختلاف الصغير جداً بين الأطفال الصغار، قام بعمل بحث تلوي (meta-analysis) حول الموضوع و وجد بأن الرجال يتكلمون أكثر، و ليس النساء [البحث التلوي هو تحليل إحصائي لنتائج مجموعة كبيرة من الدراسات المختلفة عن شيء معين وهو يُستخدم لمعرفة سواء إن كانت نتيجة معينة فعلية أم محتملة]. ولكن مرة أخرى، كان الإختلاف صغيراً. الملفت للنظر أيضاً أن الدراسات المختبرية التي تضمنت إعطاء مواضيع معينة للحوار لأزواج أو مجاميع وجدت إختلاف أكبر من ما وجدته الدراسات في محيط أكثر ميلاً للحياة الطبيعية. يشير هذا إلى أن الرجال كانوا مرتاحين أكثر في محيط مختبري غير إعتيادي.

نتائج ليبر تدعم دراسة مراجعة (review) شملت 56 دراسة أجرتها باحثة علم اللغات ديبرا جيمز (Deborah James) و عالم النفس الإجتماعي جانيس دراكيتش (Janice Drakich) منشورة في كتاب نُشِر عام 1993 حول أساليب حوار الذكور و الإناث [دراسة مراجعة هي دراسة نقدية تتضمن البحث في مصادر أولية عدة بهيئة مقالات علمية حول تجارب مختبرية أُجريت حول موضوع معين]. دراستين فقط وجدت بأن النساء يتكلمن أكثر من الرجال، في حين وجدت ال 34 دراسة الأخرى بأن الرجال يتكلمون أكثر من النساء، على الأقل في ظل بعض الظروف، على الرغم من كون الطرق المختلفة المتبعة في تلك الدراسات تجعلها صعبة للمقارنة.

حوارات الحياة الحقيقية كانت الأكثر صعوبة للدراسة تقليدياً بسبب الحاجة لأن يقوم المتطوعون بتسجيل جميع حواراتهم. ولكن عالم النفس جيمز بينبيكر (James Pennebaker) من جامعة تكساس (University of Texas) قام بتطوير جهاز يستطيع تسجيل 30 ثانية من القصاصات الصوتية كل 12،5 دقيقة. ليس بإستطاعة الناس إطفاء جهاز بينبيكر، المسجل المُفعل ألكترونياً (Electronically Activated Recorder (EAR))، لذا فأنه يُعطي نموذجاً موثوقاً أكثر عن حقيقة ما يحدث. في بحث نُشِر في مجلة العلم (Science journal) في 2007، وجد بينبيكر أنه خلال ساعات إستيقاضهم ال17، قامت النساء اللواتي أُختبرن في الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك بلفظ ما معدله 16,215 كلمة في حين تكلم الرجال 15,669 كلمة. مرة أخرى، الفرق ضئيل.

ليست كل أنواع المحادثات متشابهة طبعاً. ربما مايهم هو من يستمع. تحليل لمئة إجتماع عام أجرته جانيت هولمز (Janet Holmes) من جامعة فيكتوريا (Victoria University) في نيوزلندا، بيّن أن الرجال، كمعدل، سألوا ثلاثة أرباع الأسئلة، في حين كانوا يشكلون ثلثي الحضور فقط. حتى عندما قُسِم الحضور بالمناصفة حسب الجنس، سأل الرجال ثُلثي الأسئلة رغم ذلك.

ولكن بالرغم من أن كل الأدلة التي تُشير إلى العكس، نبدو و كأننا متزوجون لفكرة أن النساء يتكلمن أكثر. في الحقيقة إنها واحدة من مناطق الحياة العدة التي نتوقع فيها إختلافات ذات أهمية بين الجنسين، ولكن عند أخذ قاعدة الأبحاث بأكملها في نظر الأعتبار، غالباً ما يكونون الرجال و النساء أكثر تشابهاً مما يعتقد به عامةً.

عندما ذكر الباحثون سابقاً خلال هذه السنة [2013] بأن الفتيات البالغات من العمر أربع سنوات لديهن 30% زيادة في بروتين يُعتقد بأنه مهم لإكتساب اللغات و الحديث في منطقة معينة من الدماغ، بعض أقسام الإعلام المشهورة سارعوا في تفسير ذلك كدليل على أن النساء لا تستطعن التوقف عن الكلام. في الحقيقة الدراسة تقول لنا لاشيء عن النساء، أو الرجال. المشاركون الرئيسيون في تلك الدراسة كانوا الجرذان الحديثي الولادة، ولكن تمت دراسة عشرة صبيان و فتيات كذلك. حتى الكُتّاب أنفسهم كانوا حذرين ضد التعمق الزائد في نتائج هذه الدراسة، قائلين بأن سواء كانت الأختلافات في كمية هذا البروتين في الإنسان قادرة على شرح الإختلافات في المهارات اللغوية أم لا هو سؤال لأبحاث مستقبلية.

إذن من أين تأتي فكرة أن الرجال يثرثون 7,000 كلمة في اليوم ضد 20,000 من النساء؟ ظهرت هذه الأرقام على غلاف دماغ المرأة (The Female Brain)، كتاب للوان بريزيندين (Louann Brizendine) نُشِر عام 2006، طبيبة نفسية و عصبية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسسيكو، وكانت قد نقلت على نطاق واسع على سبيل النقد. عندما سأل مارك ليبرمان (Mark Liebermann)، برفسور علم اللغات في جامعة بينسيلفانيا (Univeristy of Pennsylvania)، حول إستخدام هذه الأرقام، التي أتضح بأنها مبنية على أرقام مذكورة في كتاب مساعدة ذاتية، بريزيندين أتفقت معه و وعدته بحذف تلك الأرقام من الطبعات المستقبلية للكتاب. ليبرمان حاول أن يقتفي أثر مصدر هذه الأحصائيات أكثر، كان لديه القليل من الحظ بإستثناء إدعاء مشابه في كتيب إرشادات عن الزواج نُشِر عام 1993. وهو بالتأكيد ليس مقياسا للدليل العلمي.

 

المصدر

http://www.bbc.com/future/story/20131112-do-women-talk-more-than-men