التطرف: قضية صحة عقلية وليست قضية دينية كان هناك الكثير من القلق عندما ظهر محمد الموازي، الرجل المقنع الذي ظهر في عدد من مقاطع الفديو المنتجة من قبل تنظيم الدولة الاسلامية والتي احتوت على مشاهد قطع رؤوس لرهائن في سوريا. كما هو معروف فان محمد الموازي هذا تعلم ونشأ في المملكة المتحدة. ردة الفعل تلك كانت مشابهة لما حدث بعد احداث تفجيرات ٧/٧ عام ٢٠٠٥ وجريمة قتل الجندي لي رگبي في لندن عام ٢٠١٣.

التطرف: قضية صحة عقلية وليست قضية دينية

كل تلك الأحداث ساهمت بظهور عاصفة من التكهنات عن الأسباب التي أدت بأولئك للمخاطرة بحياتهم، ارتكاب تلك الجرائم وكيف اداروا ظهورهم لعوائلهم، أصدقائهم وللحياة المريحة نسبياً في المملكة المتحدة- حيث سهولة الحصول على التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية الجيدة. ان أولئك المتطرفون يثيرون القلق عند الأفراد الآخرين  في مجتمعاتهم بانقلابهم على تلك المجتمعات، وبقتلهم لمواطن من نفس البلد أحياناً او من خارج البلد.

بالرغم من كثرة الجهود التي تبذل للحد من التطرّف، لا يزال هنالك تدفق مستمر للشباب الى سوريا للانظمام الى الجهاديين. قدر عدد الذين انظموا من حول العالم الى الجهاديين بأكثر من ٢٠٠٠٠، منهم اكثر من ٥٠٠ بريطاني الجنسية وعلى الأقل ٣٠٠ من باقي أوربا. من بين أولئك نساء وبنات البعض منهن لم يتجاوز الخمسة عشر سنة (The International Centre for the Study of Radicalisation).

احد تلك المحاولات لتفسير سبب اختيار الشباب لخيار الجهاد اقترحت ان ذلك يعود الى الاعتقاد بفكرة تأسيس دولة إسلامية، تلغي الحدود بين الدول عن طريق القيام بحملة ذات غطاء حرب دينية. الولاء لتلك الدولة الخيالية يمهد الطريق لخيانة الدولة التي ينتمي لها ذلك الفرد.

بينما اقترح اخرون ان سبب التطرّف هو ان أولئك المتطرفون يشعرون بالغضب ازاء ظروفهم، التمييز العنصري، الفقر والبطالة، او ربما بسبب عدم الرضا عن السياسة الخارجية للبلد الام. حسب تلك الرؤيا فان التحول للارهاب يكون كفعل من افعال الاحتجاج.

هذه مجمل التفسيرات السائدة اليوم لتوضيح تلك المسألة، لكن تنقصها الأدلة. انا وزملائي قمنا باستخدام منهاج رخاء الشعوب (public health approach) للحصول على فهم أفضل للاسباب التي تجعل الأشخاص يضعون انفسهم في مخاطر التطرّف.

ان علم رخاء الشعوب يسمح لنا بتقييم ماذا يحدث عند تعرض المجتمعات لتهديدات الخطر، وايضاً لتحديد عوامل الخطر وعوامل الصمود. ليكون لنا القدرة بعد ذلك على استهداف تلك العوامل لتحسين الظروف. ذلك المنهج تم اثباته كطريق قوي للوصول الى عالم أمن، وأظهر بعض النجاح منذ ان تم تطبيقه لمنع الانتحار، العنف والامراض العقلية. هل يمكن ان نفعل الشيء نفسه مع التطرّف؟.

عدد من الأبحاث التي اجريت في امريكا بعد احداث ٩/١١ اقترحت ان وجود التعاطف مع الأفعال الإرهابية والاحتجاجات العنيفة عند الأشخاص تعتبر علامة بان أولئك الأشخاص سيكون عرضة للوقوع تحت تاثيرات متطرفة في المستقبل. تم اعتماد هذا التصريح كنقطة بداية وقمنا بدراسة تلك الأنواع من التعاطف بين رجال ونساء باكستانيين وبنغلادشيين الأصل يعيشون في المملكة المتحدة.

وجدنا ان كل وجهات النظر التي ذكرت في الأعلى غير شائعة- فقط انطبقت على ٢,٥ من عينة الدراسة- ولم تكن أسباب التطرّف مرتبطة مع الفقر، الاّراء السياسية او التمييز العنصري. لكن، وجدنا ان هناك ترابط بين التعاطف مع التطرف مع كل من الشباب، التعليم بدوام كامل، انعزال اجتماعي و وجود اعراض كآبة.

في المقابل، وجدنا ان هناك ترابط بين الاعتدال مع كلا من الولادة خارج المملكة المتحدة، اعتلال عام بالصحة وامتلاك شبكة علاقات اجتماعية كبيرة. ولقد وجدنا ايضا ان المرأة على الأرجح تحتفظ بتعاطف مع التطرّف مثل الرجل، مع ان ذلك كان الامر مرتبطا بالكآبة عند الرجل بشكل اكبر من المرأة. كما ان التكرار من الممارسات الدينية والحضور لمكان العبادة لم يكن له علاقة مع الميل للتطرف.

ان تلك النتائج تمثل تحدي للأفكار السائدة سابقا والتي تحاول ان تفسر مالذي يحرك المعتقدات المتطرفة، وبضمنها مفهوم العقيدة الدينية التي تدعم هذا التطرّف.

اعراض الكابة تقع تماما ضمن موضوع الصحة والرخاء. نحن نعرف بان اي شكل من أشكال الكابة يرتبط مع المشاعر السلبية والتي تتضمن فقدان الأمل، فقدان القيمة والعجز. مثل تلك المشاعر ممكن ان تدعم فكرة ان الانتحار هو الحل. ممكن الكابة ايضا ان تجعل من الشخص الكئيب متعكر المزاج وعدواني.

كما اننا نعرف ايضا بان الأمراض العقلية طويلة الأجل تتطور عند سن الأربعة عشر. هل نحن نهمل الضغوطات النفسية الخفية، هل لا نزال ندمر تعليم الشباب وعلاقاتهم ونتركهم عرضة للتطرف؟ يجب علينا ان نحدد أولئك الشباب وان نفهم بشكل أفضل الى اي مدى تعمل أمراض الكابة، التشائم والانعزال الاجتماعي على رفع خطر التحول الى التطرّف.

على افتراض اننا نمتلك معرفة واضحة عن اندفاع الشباب عند اتخاذهم القرار والصعوبات التي يواجهونها في تقدير عواقب مثل تلك القرارات، ان أولئك الشباب يبحثون عن الحلول التي يعتقدون خاطئين انها سوف تساعدهم. على سبيل المثال، البحث عن المعنى المقدس ربما يقودهم الى ارتكاب جرائم ارهابية، كما فعل البعض منهم بالانتماء الى العصابات لدعم احترام الذات وللحصول على الحماية.

انها قضية معقدة، وبالتاكيد ان لضغط الأقران دور على تأرجح الخيارات، كذلك الحال بالنسبة للمعلومات على النت والشبكة الاجتماعية المحيطة بالفرد. المصادر الصحية لاحترام الذات، التعليم الديني الأصيل والدعم الاجتماعي كلها عوامل معروفة بأنها توقِف مخاطر الانتماء للعصابات، وقد تكون مهمة أيضاً في محاربة التطرّف.

انه لمن المهم تشجيع الشباب على تعلم المخاطر والمزالق الخطرة التي قد تواجههم، وعن الأخلاق والقيم الروحية وطرق النشوء بشكل جيد، والتي أشير اليها في القانون المضاد للارهاب في المملكة المتحدة لعام ٢٠١٥.

اعادة صياغة الحوار عن التطرّف، والانتقال من التفكير به فقط كجريمة جنائية الى التركيز على رخاء الشباب وازدهارهم، قد يساهم في معالجة بعض التناقض للستراتيحيات الموجودة.

نحن نأمل بان هذا النموذج سيوفر طريقة لإيجاد لماذا البعضمن  الناس يتحولون للتطرف بسهولة، وهذا سوف يساعد على ايقاف التحاق الناس بهذا المسار المدمر.

https://www.newscientist.com/article/mg22630160-200-radicalisation-a-mental-health-issue-not-a-religious-one/