الأحلام هي عبارة عن عمليات مادية ليس لها أي صلة بالحقيقة، وطبقاً لمعظم الأطباء فإن هذه العمليات تنشأ إستجابةً لمُحفزات فسيولوجية مركزها قشرة المخ. لكن رغم ذلك، مازالت هناك شعبية كبيرة لما يعرف ب “الرمزية والمعنى” للأحلام، وعلاقتها بمستقبل الشخص وتجربته في الحياة. رغم الطبيعة الخاصة بالأحلام واختلافها من شخص لآخر، فإن التحليل العلمي لها أصبح الآن مُمكناً وذلك بفضل التطورات العلمية الحاصلة في علم النفس وعلم الأعصاب والعلوم الإدراكية الأخرى، فعلم الأعصاب الإدراكي أصبح الآن لديه القدرة على تقديم بيانات عصبية تصويرية للعمليات الإدراكية، وتُستخدم هذه البيانات لاحقاً للتمييز بين المُستويات المنخفضة والعالية للإدراك الحسي.

أعمال سيجموند فرويد (sigmund freud)

عمل فرويد بشكل مُكثف على الأفكار والمعاني الكامنة الخاصة بالأحلام وذلك باستخدام طرق التحليل النفسي (psychoanalysis)، ثم حدث تحسن كبير في البحث العلمي حول الأحلام في أواسط القرن العشرين وذلك بعد اكتشاف ارتباط الأحلام بنشاط القشرة المخية أثناء النوم.

منذ اللحظة التي ابتكر فيها فرويد الأعمال المنهجية الرائدة حول تحليل الأحلام، تم تصنيف دراسات الأحلام إلى دراسات ما قبل فرويد وما بعده، لكن مع اكتشاف دورة النوم (Sleep Cycle) في عام 1950، إنهار تأثير فرويد تماماً على هذه الدراسات، وأصبح الطريق مُمهداً للمنهج النفسي في تحليل الأحلام.

المنهج النفسي في تحليل الأحلام

في المنهج النفسي يُنظر إلى الأحلام على أنها نتيجة لعمليات فسيولوجية والتي تُنشئ بدورها دورة النوم، لكن ثبت محدودية هذه النظرة بعد إكتشاف أن الأحلام لا تحدث فقط في مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM Sleep) بل تحدث أيضاً في مرحلة نوم حركة العين غير السريعة (Non REM Sleep). لذلك يُنظر الآن للأحلام على كونها عمليات مُستقلة غير متأثرة بدورة النوم.

يرتبط النصف الأيمن من المخ مُباشرة بتكوين الأحلام، ولكون النصف الأيمن يُعتبر هو المولد الرئيسي للأفكار المُحددة أو الملموسة، فإن هذا يجعل من تمثيل الأشياء الحقيقية في أي حلم أمراً غير ممكن. كذلك فإن الرمزية (Symbolism) تتكون من مجموعة من الأفكار المُجردة والتي تنشأ من النصف الأيسر من المخ، وبالتالي يعني ذلك أنها لن تُمثل في أي أحلام يُكونها النصف الأيمن. معظم علماء النفس يعتقدون أن النصف الأيمن للمخ يعمل باستخدام الأحداث الملموسة التي حدثت في حياة الشخص أي أنه يستعمل في طريقة توليده للأحلام أحداثاً مؤكدة حدثت في الماضي. هذه الخاصية للنصف الأيمن تجعله بالتالي غير قادر على ممارسة المنطق الاستدلالي أو توليد مفاهيم مُجردة. على الناحية الأخرى، نجد أن النصف الأيسر يعمل عن طريق عمليات استدلالية أي أنه يستعمل استدلالات مُولدة سواء من الأحداث الإيجابية أو السلبية. نفهم من ذلك أن النصف الأيمن لا يُمكنه توليد أفكار كاذبة لأن ذلك سيتطلب عمليات استدلالية منطقية وهو ما لا يستطيع النصف الأيمن فعله.

المُحتوى والأفكار الخاصة بالحلم

التفسير العلمي للأحلام هو أمر صعب ويرجع ذلك لكون خصائص كل حلم تُحدد عن طريق تجارب الحياة الحقيقية والعمليات الإدراكية الخاصة بالشخص الحالم. بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلافات بين الناس في قابليتهم لتذكر تفاصيل أحلامهم، عدم الترابط بين مشاهد الحلم المختلفة وعدم وجود رواية دقيقة لهذه المشاهد يجعل من التناول المنهجي للحلم أمراً بالغ الصعوبة. كل ذلك يُوضح لماذا يعتمد التفسير العلمي للأحلام أساساً على “النسبية” وليس حقائق محددة.

في العادة يبدأ الحلم كحالة من “عدم التوازن” بينما يحدث “التعويض أو التوازن” وإنتهاء الحدث الإدراكي السلبي في نهاية الحلم. يرجع تفسير حدوث حالة “عدم التوازن” المليئة بالمشاعر السلبية إلى عوامل خارجية والتي تنقل في النهاية إما مشاعر إيجابية أو متعادلة، بينما تحدث حالة “التعويض” دائماً بمشاعر إيجابية والتي تُمثل إرضاءاً لرغبة ما أو حلاً مُناسباً  لما حدث في المرحلة الأولى “عدم التوازن”.

نوم حركة العين السريعة (REM Sleep) والأحلام

أثبتت الدراسات العلمية أن الحلم يحدث عادة في مرحلة نوم حركة العين السريعة، لكنه قد يحدث أيضاً في مراحل النوم الأخرى لكن باحتمالية أقل. نوم حركة العين السريعة هو المرحلة مُفرطة النشاط من مراحل النوم، حيث تتميز بموجات ألفا وبيتا في المسح الكهربائي للدماغ تُماثل تلك الملحوظة خلال الوعي، ويتميز أيضاً بشلل تام للنشاط العضلي، وبحركة العينين السريعة. أوضحت الدراسات التجريبية على الأحلام أن الأشخاص الذين تم إفاقتهم خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة، أوضحوا أنهم كانوا يحلمون ووصفوا تفاصيل أحلامهم هذه بصورة أكثر تفصيلاً ودراماتيكية من الأشخاص الذين تم إفاقتهم أثناء مراحل النوم الأخرى.

دائماً ما تكون حركة الجسم مشلولة تماماً خلال هذه المرحلة من النوم (باستثناء حركة العينين)، لكن هناك بعض الاضطرابات أو الأمراض التي يمكن أن تُسبب ضرراً في هذا التأثير المُثبط على حركة الجسم، مما ينتج عنه نشاط عضلي للشخص أثناء اختباره للحلم (يُعرف ذلك بالسير نائماً).

بالإضافة لذلك، نشأت حالة من الجدل حول ما إذا كانت الحيوانات تختبر أحلاماً أثناء نوم حركة العين السريعة أم لا، ونشأ هذا الجدل بسبب أن العمليات العقلية للحيوانات أثناء نومها يُمكن بالكاد مُلاحظتها. لكن رغم ذلك، لوحظت نوبات من الفزع وتصرفات مُثارة بالتهديد أو الخطر في بعض الحيوانات خلال نوم حركة العين السريعة، ورُبطت هذه التصرفات بكونها مُتعلقة بالإدراكات الحسية المخزنة في عقول هذه الحيوانات والتي ترتبط بالتصرف المعين الذي تتم إثارته (يقصد أن إستجابة الفزع هذه لدى الحيوانات اثناء نومها مُستمدة من تجربتها في الحياة الحقيقية). لإثبات ذلك، اُجريت دراسة على الخلايا الحصينية (Hippocampal Cells) للفئران باستخدام المسح الكهربائي للمخ ووُجد أن بعض هذه الخلايا أظهرت نشاطاً أثناء النوم، والمُفارقة أن نفس هذه الخلايا كانت نشطة خلال فترة نشاط أو وعي هذه الفئران.

نظرية التعويض

تحدث الأحلام عندما يقوم نوم حركة العين السريعة  بتمثيل الحقيقة ظاهرياً وذلك ليُنهي حالة عدم التوازن التي تضر بالحالة العقلية. عناصر الأفكار الخاصة الموجودة في أي حلم هي:

  • عدم التوازن أو الأحداث الإدراكية السلبية.
  • التفسير المحتمل لعدم التوازن هذا.
  • وأخيراً الوسائل الممكنة للتعويض أو التخلص من هذه الأفكار السلبية.

الأحلام التي تحدث خلال نوم حركة العين السريعة تسعى بالأساس لإنهاء حالة عدم التوازن الضارة، لذا فإن منع نوم حركة العين السريعة يؤدي إلى مزيد من القلق والعدوانية. الأكثر من ذلك أن مُقاطعة الأحلام الحادثة في هذه المرحلة من النوم سيؤدي إلى مُضاعفة المشاعر السلبية وذلك بسبب عدم إكتمال مُعالجتها عن طريق الحلم (أي عدم إكتمال التعويض).

فرضية التنشيط والخلق

تنص هذه الفرضية أن الأحلام تتكون عن طريق استجابة الدماغ الأمامي للنشاط العصبي العشوائي القادم من جذع الدماغ ويدل على ذلك وجود الموجات العصبية الناشئة من منطقة الجسر (Pons) في جذع الدماغ والتي تنتقل بعد ذلك للمهاد (Thalamus) ومن هناك تنتقل إلى منطقة المعالجة البصرية في الفص القذالي (Occipital Lobe).

بينما يرتبط التصوير الذهني بالأداء الممتاز للأفراد في الموسيقى وغيرها من الأنشطة الإبداعية، فإنه طبقاً لهذه الفرضية، يوجد أيضاً إرتباط بين الأحلام والتمثيل الإبداعي للمعلومات الحسية في عقل الشخص الحالم، فالكوابيس مثلاً تدل على قدرة فائقة للتصوير الذهني للمخ وذلك لقدرتها على إثارة الاستجابات الإدراكية والفسيولوجية لدرجة تجعل الشخص الحالم يستيقظ من نومه.

رغم ذلك، هناك عوائق كثيرة بهذه النظرية، منها مثلاً أنها تنص على أن الأحلام هي نتيجة استجابة لنشاط عشوائي في المخ، لكن ما أثبتته الدراسات العلمية هو أن الأحلام ترتبط مُباشرة بتجارب الشخص الحياتية وليست نشاط عشوائي. تنص الفرضية أيضاً أن مصدر النشاط العشوائي المُولد للأحلام هو جذع الدماغ، لكن التحليل النفسي والعصبي للأحلام يُثبت أن جذع الدماغ ليس له أي دور في حدوث الأحلام.

فرضية مُحاكاة الخطر

يقضي المخ وقتاً طويلاً في التدريب الإدراكي على كل حدث مُمكن وذلك ليضمن تكيفاً مرناً مع البيئة المُحيطة. يُبين التصوير العصبي باستخدام تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (Positron Emission Tomography) أن مجرد “تخيل” المحفز العصبي سيقوم بتنشيط منطقة المعالجة البصرية بالفص القذالي، وكذلك فإن مجرد تخيل أي مهمة حركية سيقوم بتنشيط منطقة المُعالجة الحركية في الفص الجبهي. تنص الفرضية على أن هذه العمليات تحدث في الأحلام أيضاً وتُحسن من قدرة الشخص على التصرف في المواقف الحقيقية (أي خارج الحلم).

البحث العلمي على الأحلام

في الدراسات المختبرية التي اُجريت على نوم حركة العين السريعة، تم ملاحظة الأفراد أثناء نومهم، وكان لكل شخص أنظمة لتسجيل العمليات الفسيولوجية المختلفة وتخطيط موجات الدماغ وأيضاً لتسجيل حركة عضلات العين. عن طريق هذه الأنظمة، كان يسهل التحكم في مرحلة نوم حركة العين السريعة، ولذا فإنه عند استيقاظ هؤلاء الأشخاص، كان يتم أخذ تقارير عن الأحلام التي مروا بها ثم يتم تحليلها على الفور.

استُخدِمت هذه الدراسات أيضاً لدراسة التغيرات الفسيولوجية الحادثة في كل منطقة في المخ أثناء الحلم. الأكثر من ذلك أن عدة تجارب نفسية وعصبية مختلفة أظهرت بوضوح العلاقة بين محتوى الحلم والحالة العاطفية للشخص، وبالتالي أصبح بإمكاننا الآن أن نقول أن المشاعر والذاكرة لدى كل منهما تأثير مُباشر على طبيعة الأحلام.

إعداد: محمد أحمد نعمان.

المصدر:

Recent Developments in the Scientific Study of Dreams“, graduateway.com