الفضيلة هل تؤدي الى سلطة سياسية اكبر؟  دراسة حول مجلس الشيوخ الامريكي. تحليل الساسة يشير إلى أن هناك حدودا للقسوة.

فرانك اندروود ، الشخصية المخادعة الرئيسية لمسلسلات نت فليكس House of Cards يستخدم تركيبة من الغش والتلاعب وحتى العنف لينقل نفسه من عضوية مجلس الشيوخ الأمريكي للمنافسة على البيت الأبيض، في كل حلقة من المسلسل اندروود يقوم بتلخيص خطته للحصول على السلطة في جانب الشاشة. في إحدى حلقاته أخبرنا “بالنسبة لأولئك الذين يصعدون على قمة السلسة الغذائية،لا يكون هناك أي رحمة.ولا يوجد سوى قاعدة واحدة : إصْطد أو سيتم إصطيادك.”

الفضيلة هل تؤدي الى سلطة سياسية اكبر

فلسفة اندروود للوصول للسلطة قديمة وبالتقصي نجدها على الأقل ترجع لنيكولا ميكافيللي، الذي حذر من أن التعاطف فقط يؤدي للضعف، في العصر الحديث بعض البحوث تشير أن الناس ذوي الميول النرجسية هم الأكثر قدرة على الوصول لأعلى مناصب المنظمات. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم قادة أكِفّاء. حينما يتعلق الأمر بالسلطة السياسية، كيف ترتبط القضية بالنجاح؟

ليان تن برنكي (Leanne ten Brinke) في جامعة كاليفورنيا ببركلي (University of California, Berkeley) وزملائها حاولت الإجابة على هذا السؤال من خلال دراسة العلاقة بين السمات الأخلاقية لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وتأثيرهم السياسي بإستخدام مقاطع تسجيلية متاحة للجمهور من شبكة سي سبان التليفزيونية، الباحثون إختاروا 151 مقطع لكل ال 152 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي الذين تولوا منصب الرئيس خلال الفترة من يناير  1989إلى ديسمبر 1998. وكان أعضاء مجلس الشيوخ ينقسمون بالتساوي تقريبا بين الجمهوريين والديموقراطيين وأغلبهم رجال. الباحثون إختاروا مقطعا واحدا عشوائيا لكل عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ في الكونجرس وتلقى مجموعة من المتدرِّبين على تشفير المقاطع عرضا لأول دقيقة من كل فيديو. وقد أظهرت دراسات سابقة أن عرض مقاطع مسجلة مدة ثلاثين ثانية يمكن أن يوفر معلومات كافية للحكم بدقة على سمات الشخص الأساسية. أظهرت التقنية المعروفة ب “بالتقطيع النحيف” “thin-slicing” على سبيل المثال، أن المراقبين غير المدرَّبين يمكنهم تحديد الأفراد الذين لديهم اضطرابات الشخصية بشكل صحيح . وطُلب من المدرَّبين الذين سيقومون بالتشفير معرفة الصفات الشخصية لكل عضو في مجلس الشيوخ، وغيرها من السمات باستخدام دقيقة واحدة من لقطات الفيديو. من خلال الدقيقة الأولى فقط أعطت الدراسة تناسقا لأن كل الخطاب بدأ بالضبط بنفس الطريقة : مع أعضاء مجلس الشيوخ تم التقدم بطلب رسمي بأن يتم إدخال خطاب صغير في سجل الكونجرس وبعده وصفا للمشروع أو القضية التي ستناقش.

ومن أجل تشفير المقاطع، جاء الباحثون بمجموعة من الصفات والسلوكيات التي يُعتقد بأنها مرتبطة إما بالفضيلة أو العكس.

على سبيل المثال، المتوقع من أعضاء مجلس الشيوخ الفضلاء إظهار صفات مثل التواضع، والامتنان، واللطف. وهذه الصفات ستظهر من خلال تعابير الوجه الإيجابية و تصريحاتهم حول حلول توفيقية، ومظهر أقل فخامة. وبالمقابل فإن الأعضاء الغير فضلاء قد يُظهِرون الإفتقار لتعابير الوجه العاطفية، وسيبالغون في المواقف أكثر، ويبدون كتومين ويستخدمون كلمة “أنا” بكثرة وغيرها من الضمائر اللغوية التي تخص شخوصهم فقط. وبهذه الطريقة تم تشفير الإشارات اللفظية وغير اللفظية من أجل تقييم إلى أي مدى سيقوم كل عضو بإظهار السمات الفاضلة أو الميكافيللية (السمات غير الفاضلة).

لقياس التأثير السياسي لكل عضو، درس الباحثون مدى نجاح كل عضو في الحصول على رعاية أو إشراف من الزملاء على مشاريعه التي اقترحها في خطابه. وُجد في الدراسة أن القدرة على الحصول على الإشراف مرتبط بشكل كبير مع عدد المشاريع التي نجح العضو بتمريرها قانونيا، تم تقديم إشراف أو رعاية بطريقة غير مباشرة لقياس تأثيرها السياسي. كشفت نتائج تقديم الرعاية أو الإشراف بأن الأعضاء الذين أظهروا السمات الفاضلة كانوا الأكثر تأثيرا سياسيا. وفيما يتعلق بمن أظهروا سلوكيات غير فاضلة فإن تأثيرهم السياسي ضعيف بإستثناء واحد : الأعضاء الذين أظهروا سلوكيات سايكوباتية كانوا أقل الاعضاء في الحصول على الإشراف أو الرعاية من الزملاء.
على الرغم من أن الدراسة تشير بقوة وجود علاقة بين الفضيلة والتأثير السياسي، إلى أن العلاقة محدودة. لا يمكننا التأكد من أن فضيلة الأعضاء التي قسناها هي لديهم بالفعل. وبالمثل تم قياس التأثير السياسي من خلال وكيل غير مباشر وهو الرعاية او الإشراف من الزملاء في الكونجرس، ولا يمكننا التأكد من درجة التأثير السياسي للعضو. في النهاية، كانت دراسة على مجلس تشريعي محدد، وليس من الواضح إن كان يمكن تعميم النتائج على سياقات أو أنواع من المناصب القيادية الأخرى.
وعلى الرغم من هذه القيود، تقدم الدراسة بعض الأدلة العلمية على أن السياسيين المكيافيلليين قد تنقصهم الفعالية.  وهذا له آثار على السمات التي تجذب الناخبين عند الإختيار بين المرشحين . السياسيين الذين لا يهتمون بالآخرين قد يفشلون في كسب احترام ورضا زملائهم. يعتمد النظام السياسي الأمريكي على التعاون في السراء أوالضراء –  وحقيقةً فذلك يجعله في كثير من الأحيان يبدو بطيئا وغير كُفء ولكنه يوفر التوازن والحماية من أي شخص له قوة كبيرة جدا. إذا يبدو أن القادة الفضلاء قليلون ومتباعدون فيما بينهم ، قد يكون هناك سبب وجيه لذلك. أظهرت الابحاث أن الفضلاء الذين لديهم شعور قوي بالمسؤولية أقل عرضة لنشاط الأدوار القيادية. ومع ذلك عندما يتولون مناصب السلطة ينتهي الأمر بهم لأن يكونوا قادة بارعين ويُعجب بهم الآخرون. وتشير البحوث أيضا الى أن القادة الذين يظهِرون إستقامة أكثر قد يكافَئون مع الموظفين الأكثر ولاءاً والعاملين بجدية.
ونظرا لهذا، قد نشجع الفضلاء بيننا على الوصول لأعلى المناصب القيادية. في مرة قادمة سيكون لديك الفرصة لإنتخاب شخص لقيادة ما. إن الموضوع يستحق كل هذا الجهد لتشجع بفعالية شخصا تراه فاضلا، فعلى الأقل قد يجعل مؤسستك أكثر فعالية ، فضلا عن أن المكان سيكون أكثر بهجة.

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/which-leads-to-greater-political-power-virtue-or-vice/