“الكيمياء بين شخصين” .. اتضح أنه عندما يتعلق الأمر باختيار شريك، فإن هناك العديد من العوامل تؤثر على اختياراتنا، فنحن ننجذب إلى أشخاص معينين ليس فقط لأسباب ثقافية مثل الذكاء والقيم او بسبب الحالة المادية، ولكن أيضًا هناك أسباب بيولوجية كما تقول الدكتورة هيلين فيشر عالمة الأنثروبولوجيا من جامعة روتجرز ومؤلفة كتاب لماذا هو لماذا هي.

في عام 1994 قام عالم الحيوانات السويسري كلاوس فيدكيند بتحليل جزء معين من الحمض النووي لمجموعة من الطلاب  حيث يبحث هذا التحليل تحديدا في جينات معقد التوافق النسيجي MHC  “ويعتبر MHC منطقة جينية كبيرة تقع على الكروموسوم السادس ويوجد في معظم الفقاريات وتلعب دورا هاما في جهاز المناعة وأيضا في النجاح الإنجابي”، ثم تم تقسيم الطلاب إلى 49 من الإناث و 44 من الذكور، وطلب من الذكور ارتداء قمصان قطنية عادية لليلتين مع تجنب أي شيء (الكحول والمعطرات كالكولونيا وغيرها مما  قد يغير من روائحهم الطبيعية)، وبعد يومين وضعت القمصان في صناديق مثقبة من الورق المقوى، وطُلب من الإناث ترتيب الصناديق بحسب رائحتها وفقا لثلاثة معايير: الشدة، اللطف والجاذبية الجنسية، وقد أظهرت نتائج فيدكيند أن الإناث فضلن القمصان التي يرتديها الذكور الذين لديهم جينات معقد التوافق النسيجي مختلفة من أنفسهم، مما يرفع من إمكانية اختيارنا من غير وعي لشركائنا الذين يضعون أبنائنا مع بعض الميزات الوراثية المثالية، لقد كانت التجربة حقا مثيرة للجدل، لكنها غيرت التفكير العلمي حول جينات معقد التوافق النسيجي (Major- MHC Histocompatibility Complex).

الهورمونات والحب

هناك جانب مهم جدا من الكيمياء المسؤولة عن شعورنا بالجاذبية، الفيرومونات، وهي إشارات كيميائية يتم تحريرها من قبل  غدد معينة في الجسم وغالبا ما تكون ممزوجة برائحة التعرق تستخدم لجذب أو صد الشريك المحتمل، وفي حين أنه يوجد بعض الجدل المتعلق في تحديد ما تفعله الفيرومونات”الجاذبات الجنسية” فعلا في الجسم، ولكن لا يوجد أي خلاف حول حقيقة وجودها، وفي الآونة الأخيرة عرف أن الفيرمونات تعمل على إيصال الهوية الجينية للشخص وتؤدي إلى ظهور الدافع الجنسي وذلك عن طريق السفر من الأنف إلى منطقة معين في الدماغ تسمى ما تحت المهاد والتي تقوم بدورها بإطلاق هرمونات جنسية وتزيد من مشاعر وأحاسيس الإثارة الجنسية  ويتم كل ذلك في المستوى تحت الواعي”وهذا قد يفسر أن الحضن او حتى ان القبلة هي وسيلة للأقتراب من الشخص لشم رائحته بشكل جيد وذلك بسبب ضعف حاسة الشم عند البشر مقارنة بها عند الحيوانات، إن الاستنشاق التقييمي الذي تشترك فيه الثدييات أثناء المغازلة هو دليل على أن الرائحة هي المكافئ الكيميائي لريش الطاووس أو أغنية العندليب – التي تجذب الشركاء” وبعد التأكد من رسالة الفيرمونات تتشكل مرحلة الشهوة عن طريق زيادة أفراز هرمون الأستروجين عن الأناث وهرمون التستسترون عند الذكور وهي المرحلة الأولى من المراحل الثلاثة لتشكل الحب!

يتم في الكثير من الأحيان عدم فهم صحيح لهذه الأشارات الكيميائية من قبل الأناث اللواتي يتناولن حبوب منع الحمل حيث تتسبب هذه الحبوب في إساءة تفسير رسائل الرائحة التي تتلقاها وأيضا تشوه قنوات الاتصال الشمية مما يشوه الإشارات التي ترسلها ايضا ويجعلها تبدو أقل جاذبية للرجال، وهي مفارقة بالنظر إلى أن النساء عادةً ما يأخذن حبوب منع الحمل لتعزيز جاذبيتهن عند الشريك. إن الكثير من النساء عندما تقرر الأنجاب وتتوقف عن تناول حبوب منع الحمل فإنها تعدل عن فكرتها في الأنجاب، لأن الية التعرف على معقد التوافق النسيجي للشريك قد عادت للعمل لديها، وعندها تعود عن فكرتها في التكاثر مع ذات الشخص (حبوب منع الحمل تؤثر على طعم المرأة عند الرجال، مجلة Scientific American).

بعد تشكل مرحلة الشهوة التي حدثت على المستوى تحت الواعي تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة التعلق والهوس بالشريك المحتمل “الحبيب” وتتم عندما يبدأ الدماغ بإفراز ثلاثة هرمونات هي نوربينيفرين، دوبامين والسيروتونين.

النوربينيفرين هو المسؤول عن زيادة الطاقة في الجسم، الدوبامين هو المسؤول عن الأحساس بالمتعة والسعادة والأمان والسيروتونين مسؤول عن تنظيم المزاج والرغبة الجنسية كما يسمى ايضا بهرمون السعادة.

تبدأ المرحلة الثالثة مهي مرحلة الأرتباط “إذا كانت الأمور تسير على ما يرام” عندما يخف أفراز الدماغ لهرمونات النوربينيفرين والدوبامين والسيروتونين وتنخفض ​​الجاذبية ويتم افراز هوموني الأوكسيتوسين والفاسوبريسين، مما يخلق الرغبة في الارتباط وتعزيز مكانة الشريك والحاجة للاحتضان والقرب وتبادل أعمق الأسرار والتخطيط للمستقبل.

وفي النهاية يمكن القول أن الجذب هو معجزة لمعظمنا، يبدو أنه لا يوجد رفيق مثالي لنا، ولكن يوجد شريك مثالي وهذا يعتمد على مباريات MHC!

المصادر: