يقول فريق من الباحثين في تأثير اللغة أن الأشخاص المتحدثون بلغة أجنبية يميلون أكثر إلى اتخاذ قرارات نفعية عندما يواجهون مشكلة أخلاقية.

الفريق بقيادة الطبيب النفساني البرت كوستا من جامعة (Universitat Pompeu Fabra) في برشلونة، أعلن نتائج التجربتين في شهر ابريل 2014، ونُشرت في مجلة (PLoS ONE) العلمية.

في التجربة الأولى، كان هناك أكثر من 300 مشترك من الولايات المتحدة الأميركية، كوريا، فرنسا، وإسرائيل حيث كان القطار هو أساس المشكلة الأخلاقية في التجربة وجسر المشاة هو الأساس في نسخة أخرى من التجربة.

تتضمن التجربة قطار صغير على وشك الاصطدام بخمسة أشخاص، الطريقة الوحيدة لإنقاذهم هي دفع رجل ضخم وثقيل إلى الجسر المطل على الطريق، سيقع الرجل أمام القطار ويوقف حركة تقدمة، وبالتالي إنقاذ حياة الأشخاص الخمسة. ما هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله؟ دفع الرجل إلى الجسر أو عدم التدخل؟ الدراسات السابقة أظهرت أن الناس يفضلون عدم التدخل.

في تجربة كوستا، نصف المشتركين قرأوا السيناريو واتخذوا القرار بلغتهم الأم، المشتركون الآخرون فعلوا نفس الإجراء ولكن باستخدام لغة أجنبية. وكل المشتركين يتقن اللغة بما فيه الكفاية لفهم السيناريو والأسئلة. كما تبين من فحص الفهم.

اختيار دفع الرجل إلى أمام القطار هو القرار النفعي لأن التضحية بشخص واحد من أجل خمسة أشخاص، تنتج فائدة أكبر لعدد أكثر من الأشخاص. في تجربة كوستا، فقط 20% من المشتركين اختاروا القرار النفعي عند استخدامهم اللغة الأم، ولكن النسبة زادت أكثر من النصف (33%) عند استخدام لغة أجنبية.

لشرح هذه النتيجة المثيرة للاستغراب، كوستا وزملاءه يقولون أن فكرة دفع رجل إلى الموت هي فكرة بغيضة عاطفياً، حتى لو كانت ستحفظ حياة خمسة أشخاص. هذا هو سبب اختيار معظم الناس ألا يفعلوا شيئاً. أما اللغات الأجنبية فإنها تفتقر إلى التأثير العاطفي أكثر من اللغة الأم. على سبيل المثال، الكلمات البذيئة لا تؤثر كثيراً عندما نسمعها بلغة أجنبية. والإثارة  الجسدية بعبارات عاطفية باللغة الأجنبية لا تثير نفس رد الفعل باللغة الأم. باختصار، إن فكرة التضحية بالحياة هي فكرة مرعبة، ولكنها ستبدو بقدرٍ اقل عندما نفكر بلغة أجنبية.

لاختبار هذه الفرضية، أجرى كوستا وزملاؤه التجربة الثانية، فسألوا مئات الأشخاص من المتحدثين الأصليين باللغة الأسبانية (وممن يستطيعون التحدث بالانجليزية أيضا) وكذلك المتحدثين الأصليين باللغة الانجليزية (ممن يستطيعون التحدث باللغة الأسبانية)، للنظر إلى النسختين من معضلة القطار،والنسخة الاخرى من المعضلة “جسر المشاة” ونسخة “مفتاح تحويل السكة الحديدية”. في نسخة ” مفتاح تحويل السكة الحديدية” القطار يتجه نحو خمسة أشخاص في السكة، ولكنك تستطيع تحويل السكة لتتجه نحو شخص واحد لكي يموت هو فقط. هل ستقوم بالتحويل؟

تحويل السكة أسهل عاطفياً من دفع رجل إلى الموت، إذاً سيكون الناس أكثر استعداداً لتحويل السكة أكثر من الدفع بالرجل. في الواقع، 81% من المشاركين في نسخة “مفتاح تحويل السكة الحديدية” اختاروا تحويل السكة. أما في نسخة “جسر المشاة” كان النمط معاكساً، حيث اختار 18% فقط رمي الرجل إلى الموت لإنقاذ حياة الأشخاص الباقين.

ولكن ماذا عن اللغة المستخدمة؟ إذا كان تحويل مسار القطار في السكة أسهل عاطفياً، ثم أن اللغة لها اثارة عاطفية أكثر في نسخة جسر المشاة من نسخة تحويل مسار القطار في السكة، فأن اللغة ليس لها أي تأثير في نسخة “تحويل السكة”.  أما في نسخة “جسر المشاة”، اللغة أحدثت فارقاً كبيراً، 44% من المشاركين المتحدثين بلغة أجنبية اتخذوا القرار النفعي (دفع الرجل إلى الموت)، وفقط 18% اتخذوا نفس القرار باستخدامهم اللغة الأم.

عند اتخاذ قرارات أخلاقية فان اللغة لا تهم، القرارات الأخلاقية يجب أن تستند على عوامل أكثر أهمية. في المجتمع العالمي اليوم، ملايين من البشر يتخذون قرارات أخلاقية بلغة ليست لغتهم الأم. البعض منهم يعمل في الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي، قوات حفظ السلام، أو في شركات استثمارية متعددة الجنسيات.  بحسب كوستا وزملاءه، فهم أكثر ميولاً لاتخاذ قرارات نفعية، نأمل أن تكون هذه القرارات النفعية هي الصحيحة.