كان للموسيقى ومازال أثرها في المجتمعات البشرية على مر الزمن وعلى اختلاف بيئاتهم ولغاتهم وأعراقهم. لكن ليس الإنسان وحده من لديه موسيقاه الخاصة به، فكل شيء حولنا له صوت وموسيقى خاصة به؛ ألحان العصافير وصوت الأنهار والجداول والأمواج والمطر، وهناك أصوات الحيوانات التي تصدرها كتعبير عن فرح أو اضطراب أو كسلوك من أجل التودد.

سنتعرف في هذا المقال على أصوات خاصة بالحيوانات والتي تم توظيفها في موسيقى خاصة لكل نوع. أظهرت هذه الموسيقى استجابات متنوعة عند استماع الحيوانات لها. وسنتعرف أيضاً على تفاعل الحيوانات مع موسيقى الانسان. هناك علم يختص بموسيقى الحيوان والجوانب الموسيقية للصوت أو الاتصالات التي تنتجها وتستقبلها الحيوانات وهو علم الموسيقى الحيوانية (Zoomusicology)، ويعتبر منفصلاً عن علم موسيقى الشعوب التي تدرس موسيقى البشر Ethnomusicology (1).

الكثير من مربي الحيوانات الأليفة يتركون موسيقاهم المفضّلة تصدح في أجواء المنزل عند مغادرتهم، ظناً منهم أن حيواناتهم المنزلية ستستمتع بما يحبون سماعه. لا تدرك معظم الحيوانات موسيقى البشر لأنهم لا يقدّرون الموسيقى المضبوطة لآذاننا، فهم يختلفون عنا بطبقات الصوت ومعدل دقات القلب. لذلك قام كل من من تشارلز سنودون (Charles Snowdon) وهو عالم نفس في جامعة ويسكونسن – ماديسون (Wisconsin- Madison University) والمؤلف الموسيقي في جامعة ماريلاند (Maryland University) ديفيد تي (David Teie) والطالب السابق في جامعة ويسكونسن – ماديسون، ميغان سافاج (Megan Savage) والذي هو الآن طالب دكتوراه في جامعة بينهامتون (Binghamton) بتأليف موسيقى خاصة لكل نوع من الحيوانات واسموها بالموسيقى الخاصة بالنوع (species-Specific music). على سبيل المثال، قاموا بتأليف موسيقى تحتوي على ترددات وسرعة إيقاع مشابهة للتي تستخدمها الهررة أثناء التواصل. ثم ذهبوا إلى سبعة وأربعين مأوى للهررة وقاموا بتشغيل بعض مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية بالإضافة إلى الموسيقى الخاصة بالهررة.  وعندما قاموا بتشغيل الموسيقى الخاصة بهم أصبحت تتحرك باتجاه مصدر الصوت معبّرة على استجابتها الكبيرة لها. الشيء المثير في هذه الدراسة أن الهررة الصغيرة والمسنة قد استجابت لتلك الموسيقى بينما لم تكترث لها الهررة التي هي في المتوسط من عمرها (2).

لم تكن الهررة هي أول الحيوانات التي قام كل من سنودون وسافاج وتي بتأليف موسيقى خاصة بها، ففي عام 2009 قاموا بتأليف ألحان تعكس إيقاع يحاكي صوت القردة. في هذه الدراسة التي نشرت في صحيفة رسائل الأحياء (Biology Letters) قام العلماء بتشغيل الموسيقى لنوع من القردة يدعى طمارين. وقد أدت تلك الموسيقى التي اُستوحيت من الأصوات المريحة التي تصدرها القردة إلى استرخائها، كما أنها أكلت بكثرة أثناء استماعها للموسيقى تلك. لكن عندما قاموا بتشغيل الموسيقى التي تحتوي على أصوات مشابهة للأصوات التي تصدرها القردة عند الشعور بالخوف، أصبحت القردة أكثر قلقاً واهتياجاً (2).

لكن كيف يكون الأمر مع الكلاب؟ في دراسة نُشرت عام 2012 في صحيفة السلوك البيطري (Veterinary Behavior)، راقب الباحثون من جامعة ولاية كولورادو (Colorado State University) سلوك 117 من الكلاب المحجوزة، تتضمن معدل نشاطهم، التعبير الصوتي، تحريك أجسامهم. قام الباحثون بتشغيل عدة أنماط من الموسيقى من بينها موسيقى كلاسيكية، موسيقى الميتال، وبعض الموسيقى الكلاسيك المعدّلة. كما قاموا بمراقبة سلوك الكلاب عند عدم تشغيل الموسيقى بتاتاً. اكتشفوا بأن معظم الكلاب قد نامت خلال سماعها للموسيقى الكلاسيك مهما كان نمطها. مما يدل أنها تشعرها بالاسترخاء. بينما أبدت الكلاب رد فعل مغايرة عند سماعها موسيقى الميتال التي أثارتهم أكثر وزادت من حركة أجسادهم مما يدل على الاضطراب (2).

هناك نوع من الكلاب الكبيرة مثل اللابرادور (Labradors) يمتلكون طبقات صوتية مشابهة لتلك الموجودة عند الرجال البالغين ولذلك من المفترض أن تكون أكثر استجابة لموسيقى البشر من الكلاب الصغيرة مثل (Chihuahua). في دراسة أجراها (Debrorah Wells) وهو عالم نفس في جامعة الملكة في بلفاست (Queen’s University Belfast)، قال بأن الكلاب تستطيع أن تفرق بين أنواع الموسيقى البشرية وبذلك يصل إلى نفس نتيجة سنودون وتي بأن الكلاب تميل للاسترخاء عند سماعها الموسيقى الكلاسيك بينما تضطرب عند سماعها موسيقى الميتال الصاخبة (3).

ذكر الحوت الأحدب (Humpback wale) قادر على اصدار أصوات تعتبر الأطول من بين الحيوانات، ومن المفترض أن تكون تلك الأصوات جزءاً من عملية الانتخاب الجنسي وسلوكاً يعبر عن التودد الحيواني على الرغم من كونه سلوكاً قد يكون مكلفاً لأنه سيجذب بالإضافة إلى الاناث، الذكور المنافسين له (1).

اللابرادور

للموسيقى تأثير أيضاً على الأبقار وانتاجها من الحليب، ففي عام 2001 قام باحثون في جامعة ليستر (Leicester) بتشغيل ألحان متنوعة لقرابة 1000 بقرة هولندية لمدة تتجاوز التسعة أسابيع. كان الباحثون يبدّلون بين الموسيقى السريعة والموسيقى البطيئة وبين ساعات السكون الخالية من الموسيقى لمدّة 12 ساعة باليوم الواحد. فاكتشفوا أن الموسيقى الهادئة قد جعلت الأبقار تنتج نسبة 3% زيادة من الحليب أي 0.73 ليتر لكل بقرة يومياً.

أخبر أحد قادة الأبحاث الدكتور أدريان نورث (Adrian North) وكالة الإذاعة البريطانية (BBC) أنه يمكن للموسيقى الهادئة أن تحسن مجال الحليب ومن المحتمل أنها تخفف التوتر” (2).

من المحتمل أن تكون الطيور من أفضل المغنين المعروفين في مملكة الحيوان. منذ سنوات مضت بدأ باحثون في جامعة ايموري (Emory) بتفحص أدمغة كل من ذكر وأنثى عصفور الدوري ذو الذيل الأبيض عند سماعهم لأصوات الطيور الذكور. عند استماع الإنسان للموسيقى فإن اللوزة الدماغية غالباً تضيء كاستجابة على ذلك. تم اكتشاف أن أنثى عصفور الدوري ذو الذيل الأبيض تستجيب لأصوات الطيور والجزء من دماغهم الذي يقابل عندنا اللوزة الدماغية يضيء عند الاستماع للحن الطائر الذكر. من جهة أخرى تستجيب أدمغة الذكور منها بشكل مشابه لاستجابة الإنسان عند سماعه لموسيقا لا يحبها. قالت قائدة الدراسة والباحثة سارة ايراب:” لقد اكتشفنا بأن نظام المكافأة ينشط عند الطيور الإناث في موسم التناسل عند الاستماع لللحن الصادر عن الطيور الذكور بشكل يماثل البشر عند استماعهم للموسيقى التي يحبونها” (2).

حتى الحشرات تصدر ألحاناً متنوعة لا يقدر الانسان على سماعها بسبب انخفاضها. هذه الألحان مرتبطة أيضاً بالسلوك وأحد الأمثلة هو عث العشب أو ما يُسمى بحفار الذرة الآسيوي (Ostrinia Furnacails)، حيث تصدر الذكور منه أصواتاً ناعمة كمبادرة للتودد السلوكي ويجب على الاناث حينها أن تكون على بعد عدة سنتيمترات حتى تتمكن من سماعها. عند سماع الاناث لتلك الأصوات تبقى في مكانها ثابتة. لكن يجب لفت الانتباه هنا إلى أن سبب بقاء الاناث ثابتة وهادئة عند سماعها لتلك الأصوات، قد يكون الخوف من الخفاش الذي يقوم بإصدار صوت مشابه تماماً لأصوات ذكور حفار الذرة الأسيوي (1).

لم يتوقف الأمر عند دراسة استجابة الحيوانات لموسيقى البشر أو الموسيقى الخاصة بنوعها، بل أيضاً تدريبها إما على العزف أو التمييز بين المؤلفين الموسيقيين. على سبيل المثال تدريب الفيلة على العزف في أوركسترا خاصة بها؛ ففي شمال تايلاند قام ريتشارد لاير (Richard Lair) الناشط في المحافظة على البيئة بتشكيل أوركسترا للفيلة التايلندية تضم ستة عشرة فيلاً يعزفون على آلات مطوّرة مثل الطبل النحاسي والهارمونيكا (آلة نفخ موسيقية). علماء الأعصاب الذين درسوا موسيقا أوركسترا الفيلة قد استنتجوا أن الحيوانات قادرة على أن تحافظ على سرعة إيقاع ثابتة على الطبل الكبير أكثر مما يستطيع الإنسان (2).

أما بالنسبة للتمييز بين المؤلفين الموسيقيين، فقد تم تدريب نوع من الأسماك يدعى السمك الذهبي على ذلك. وقد نشر هذا البحث عام 2013 في دورية العمليات السلوكية (Behavior Process). استخدم باحثون في جامعة كيئو (Keio) مقطوعات موسيقية لمؤلفين اثنين في الدراسة وهما: إيغور سترافينسكي (Igor Stravinsky) ويوهان سباستيان باخ (Bach). تم تدريب الأسماك الذهبية على قضم كرة مملوءة بالطعام عند تشغيل الموسيقى. أحد مجموعات الأسماك تم تدريبهم على موسيقى سترافينسكي والمجموعة الأخرى على موسيقى باخ.

وعندما سمعت الأسماك الموسيقى، ذهبت لقضم الكرات وتمت مكافأتها بالطعام. ما إن ربطت الأسماك موسيقى مؤلف ما مع المكافأة، قام الباحثون بتشغيل موسيقى المؤلف الآخر، عندها لم تأكل الأسماك كرات الطعام. في هذه الحالة يمكن الاستنتاج بأنهم كانوا على علم بشكل كاف بنغمة المؤلف وبطابعه الموسيقي على أنها غير مرتبطة بموسيقى الطعام (2).

المصادر

 

المصادر:

(1) Wikipedia, Zoomusicology,

(2) Meredith Danko, 7 Scientific Studies About How Animals React to Music, November 2015, Mental Floss

(3) Natalie Wolchover, What Type of Music Do Pets Like?, March 2012, Live science,