أجرى أحد كتَّاب العلوم الحقيقية حديثًا دراسة لتحديد انتشار اضطراب الرهاب الاجتماعي Social anxiety disorder بين طلاب الجامعة (جامعة جازان، جنوب السعودية). على عينة عشوائية من 500 طالبا وطالبة، قام رمزي الحكمي وزملاؤه من كلية الطب بسؤال الطلاب عن أعراض الرهاب الاجتماعي وشدَّتها وتأثيرها على أداء الوظائف الطبيعية في العمل والمنزل والمجتمع، وكذلك تأثيرها على جودة الحياة.

معدل الانتشار: كانت النتائج مثيرة للانتباه، حيث بلغت نسبة انتشار الرهاب الاجتماعي بين طلاب الجامعة 25.8% (أي قرابة 1 من كل أربعة طلاب)، وذلك بحسب مقياس Social Phobia Inventory المكون من 19 سؤالا حول مختلف أعراض هذا الاضطراب النفسي الشائع، مثل “الخوف من التحدُّث إلى الجمهور” و”مقابلة الغرباء”. ذكر الباحث الرئيس في المؤتمر العلمي الذي انعقد منذ ثلاثة أيام في جامعته أن “نسبة انتشار الرهاب الاجتماعي بين الطلاب عالية، وهذا تقريبا ما وجدته معظم الدراسات على نفس الفئة العمرية من جامعات مختلفة حول العالم.”

شدة الأعراض: مع أن 47.2% من الطلاب ذكروا أعراضا طفيفة، إلا أن شدة أعراض الرهاب الاجتماعي كانت تتراوح بين المتوسطة والملحوظة في 42.3% من الطلاب.

التأثير على الأداء الطبيعي: تم قياس جودة أداء الطلاب في كل من الجانب العملي والعائلي والاجتماعي. الجدير بالذكر أن الطلاب الذين عانوا من الرهاب الاجتماعي ذكروا أن أعراض الاضطراب أثرت بشكل كبير على أدائهم في هذه الجوانب من الحياة، وكان الفرق ملحوظا بينهم وبين الطلاب الذين لم يعانوا من الرهاب الاجتماعي.

التأثير على جودة الحياة: لا يمكن أن يكون الاضطراب النفسي اضطرابا حقيقيا حتى يؤثر على جودة حياة المصابين به. وهنا تأتي أكثر نتائج الدراسة إدهاشا، إذ وجد الباحثون أن الرهاب الاجتماعي تعارض مع جودة حياة الطلاب المصابين به في حين ذكر الطلاب غير المصابين بأن جودة حياتهم أفضل. ذكر الطلاب المصابون أن جودة حياتهم أقل في كل من الجانب النفسي، البيئي، الاجتماعي، والجسدي.

الخلاصة: في استعراضه لنتائج الدراسة، ذكر رمزي الحكمي أن نتائج دراسته “تشير إلى شيوع اضطراب الرهاب الاجتماعي وتؤكد نتائج الدراسات السابقة.” وأن “هناك حاجة إلى الملاحظة المبكرة والعلاج الفعال لأعراض هذا الاضطراب الشائع، خصوصا في فئة الشباب، إذ يمكن أن تؤثر في أدائهم الأكاديمي وحياتهم بشكل عام، هذا بالإضافة إلى أنها قد تكون مصحوبة باضطرابات أخرى كالاكتئاب والقلق.”

نظرة تطورية إلى الرهاب الاجتماعي: تكيُّفٌ أم خلل؟

كمعظم الرئيسيات، تطوَّر البشر في جماعات اجتماعية كانت، ولم تزل، مهمة في توفير الحماية ورعاية الأطفال ومشاركة الطعام. ونظرا إلى أن الجماعات الاجتماعية هرمَية بطبيعتها، يمكن تقسيم سلوكات الأفراد فيها إلى سلوكات عدائية agonistic behaviors وسلوكات ودِّيةhedonic behaviors. تؤدي السلوكات العدائية دورا مهما في الحفاظ على المكانة الاجتماعية، حيث يستعرض الأفراد الأعلى مكانةً علامات العنف والتهديد التي تُقابَل بالخضوع والاستسلام من قِبل الأفراد الأدنى مكانة، وبهذه الطريقة يستطيع الأفراد التعايُش في ظل جماعتهم. في المجتمعات الهرمية كالمجتمعات البشرية، يجب على الأفراد الأدنى مكانةً أن ينصاعوا لعادات ومُثُل مجتمعاتهم المتمثلة في اللغة والزي والأعراف والمعتقدات، وإلا قوبلوا بالرفض من الأفراد الأعلى مكانة وحُرموا من الوصول إلى مختلف الموارد كالطعام والأرض.

في كتابه الحديث (المعتقدات الدينية والطب النفسي التطوري والصحة النفسية في أميركا)(1)، يرى بروفيسور علم النفس (Flannelly, Kevin J) أن الخجل، أي السمة البارزة في الرهاب الاجتماعي، “يساعد الفرد عموما على كسب ود بقية الأفراد في جماعته” (ص 96) لأنه يجنِّبه ارتكاب أي نوع من السلوك الذي قد يجعله يبدو أقل جاذبية لمجتمعه وأكثرعرضة للرفض والحرمان من الموارد.

يجب التنويه هنا إلى أن هذا التفسير التطوري لم يزل تفسيرا افتراضيا لمحاولة فهم الآليات النفسية والعصبية وراء اضطراب الرهاب الاجتماعي وأنه لا يعني بالضرورة أن هذا الاضطراب لم يزل تكيُّفا كما كان بالنسبة لأسلافنا الذين عاشوا في بيئة مغايرة لبيئتنا الحديثة حيث العلاقات الاجتماعية أكثر تعقيدا وأوسع مما كانت عليه.

 

المراجع:

Flannelly, K. J. Religious Beliefs, Evolutionary Psychiatry, and Mental Health in America.