اضطراب الشخصية الفصامية هو مرض عقلي يمثل درجة شديدة من الانفصام، والانفصام هو عملية عقلية تمثل فقدان في الترابط بين أفكار الشخص، ذكرياته، مشاعره، أفعاله وإحساسه بهويته.

يحدث اضطراب الشخصية الفصامية كنتيجة لمجموعة من العوامل، ومن أهم هذه العوامل هو تعرض الشخص لصدمة نفسية في مرحلة الطفولة. عملية الإنفصام في هذه الحالة تُمثل آلية للتكيف مع هذه الصدمة، حيث يقوم الشخص حرفياً بفصل نفسه عن الموقف أو التجربة العنيفة التي يمر بها والتي يكون من الصعب عليه تحملها بشخصيته الأصلية.

وُجد أن تشخيص هذا المرض في النساء أسهل منه في الرجال، ويرجع ذلك لكون النساء يُظهرن تغيرات عاطفية دراماتيكية عند تحولهن من شخصية لأخرى، بينما تكون هذه التغيرات العاطفية أقل وضوحاً في الرجال.

أثبتت الدراسات النفسية في السنوات الأخيرة أن هناك عاملين رئيسيين يُمهدان للإصابة باضطراب الشخصية الفصامية وهما:

  1. قابلية الشخص الفطرية للانفصام.
  2. التعرض لصدمة نفسية كبيرة في مرحلة الطفولة كالتعرض للإيذاء الجسدي أو الجنسي.

أثبتت الدراسات أنه لابد لكلا العاملين أن يجتمعا سويةً للتمهيد للإصابة بهذا المرض، وأن كل عامل منهما غير كاف بمفرده لظهور المرض. سنتحدث في السطور التالية عن كل عامل منهما بشيء من التفصيل.

أولاً: قابلية الشخص الفطرية للانفصام

اُقترح سابقاً أن قابلية الشخص للإنفصام لها أسباب بيولوجية وجينية وحديثاً ظهرت إحدى الدراسات التوأمية بعنوان: دراسات التوائم للخبرات الفصامية (Twin Study of Dissociative Experience) والتي نُشرت بدورية الأمراض النفسية والعصبية (Journal of Nervous & Mental Disease)، وأثبتت هذه الدراسة أن هناك عوامل وراثية وجينية تتحكم في قابلية الشخص للإصابة بالانفصام.

أظهرت هذه الدراسة أن القابلية للإنفصام يمكن أن تكون سمة وراثية، وأنها أيضاً تمثل مُكوناً وظيفيا في تركيب الشخصية. هذه السمة بالطبع ليست سمة أساسية بل الإحتمال الأكبر أنها سمة خاصة والتي ترتبط أثارها أكثر بتحديد الشخصية غير الطبيعية من تلك الطبيعية. بهذه النتائج، تقترح الدراسة أن إختبارات تحليل الشخصية على أسس علمية يمكن أن تكون ذات فائدة في تحديد هؤلاء الأكثر قابلية للإنفصام.

الذاكرة، الذكاء والإبداع

معظم الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الفصامية لديهم أيضاً عدة عوامل تساهم أيضاً في قابلية الشخص للإنفصام. الذاكرة الجيدة تمثل واحدة من العوامل الهامة في تكون هذا المرض، وذلك لأن المعرفة المتراكمة عن طريق الشخصيات المختلفة يجب أن تبقى مُخزنة بصورة منفصلة عن الأخرى في الذاكرة.

شيرلي ماسون في طفولتها

شيرلي ماسون في طفولتها

أيضاً معظم المصابين باضطراب الشخصية الفصامية لديهم معدل ذكاء أعلى من المتوسط، لكن رغم ذلك، وُجد أن ذلك لا يُصاحبه إحراز نتائج مُذهلة في اختبارات معدل الذكاء IQ التقليدية، فأعراض هذا المرض تتعارض مع استخدام القياسات التقليدية لتقييم مستوى ذكاء هؤلاء الأشخاص المُصابين به، حيث أنه من المحتمل بشدة أن تستحوذ إحدى الشخصيات على جسد الشخص عند إجراء الاختبار وتُظهر نتيجة الإختبار مثلاً أداءاً ضعيفاً لهذا الشخص حتى درجة التخلف العقلي، لكن عند إجراء الاختبار مرة أخرى لنفس الشخص، يمكن أن تستحوذ شخصية أخرى على الجسم وتُظهر نتيجة الإختبار تحسناً في معدل الذكاء بمقدار 40 إلى 50 نقطة دفعة واحدة.

السمة الثالثة هي الإبداع وقد لا يبدو ذلك غريبا نظراً لقدرة عقل الشخص المُصاب بالمرض على خلق عدة شخصيات مختلفة عن بعضها إختلافاً كلياً. يُمكن أن يتمثل ذلك الإبداع في صورة موهبة فنية أو أدبية في المريض. مثال على ذلك، يعتقد الكثير من النقاد الفنيين أن رسومات سيبيل شيرلي ماسون المعروفة بسيبيل (Sybil) (إحدى الشخصيات الشهيرة المصابة بالمرض) كانت على درجة كبيرة من الجودة بحيث يمكن عرضها في المتاحف الفنية ذائعة الصيت.

يتمثل تأثير هذه العوامل مجتمعة في إحصائيات انتشار المرض بين الطبقات والمجموعات البشرية المختلفة، حيث أثبتت الدراسات أن اضطراب الشخصية الفصامية يكون أكثر شيوعاً وأكثر حدة في المجموعات التالية:

  • الأشخاص ذوي المؤهلات التعليمية العالية.
  • الأشخاص غريبي الأطوار كالفنانين والأساتذة الجامعيون والممثلون.
  • الأشخاص الساعين للسلطة والشهرة.
  • الأشخاص المتدينين.
  • أخصائيو الصحة النفسية.
  • الأشخاص العاملون في الصناعة الجنسية.
  • المقاتلون كلاعبي الملاكمة ومصارعي الثيران والجنود.
  • المجرمين، المغتصبين والقتلة المتسلسلين.
  • القضاة والمحامون والسياسيون.

ثانياً: إساءة المُعاملة في مرحلة الطفولة

العامل الثاني بجانب قابلية الشخص للإنفصام هو تعرض الطفل للإيذاء الجسدي أو النفسي. عادة ما يبدأ هذا الإيذاء في مراحل الطفولة المبكرة ويمتد حتى مرحلة المراهقة. هناك عدة أنواع لإساءة المُعاملة منها الإهمال، العقاب الجسدي، الإهانة النفسية والإعتداء الجنسي. يلزم لإساءة المعاملة حتى تكون سبباً لاضطراب الشخصية الفصامية أن تكون ذات طابع متكرر وغير متوقع بالنسبة للطفل. إساءة المعاملة بشكل غير متكرر يمكنه أن يتسبب بنوبات فصامية قصيرة المدة ولكنها لا تسبب الإصابة باضطراب الشخصية الفصامية. الإعتداء المتكرر يحفز نوبات انفصامية عدة والتي تتحد في النهاية لتكوين شخصية ذات هوية وسلوكيات مختلفة عن الشخصية الحقيقية.

يتأثر تكون المرض أيضاً بنوع الإعتداء الذي يتعرض له الطفل، حيث وُجد أن الأطفال الذين عانوا من إساءة المعاملة ولكنهم لم يصابوا بالمرض، كانوا يتعرضون أكثر لأنواع من الإعتداء تتمثل في عدوانية تفاعلية شديدة من جانب والديهم، بينما وُجد في الأطفال المصابين باضطراب الشخصية الفصامية، أنهم تعرضوا لاعتداءات سادية وغريبة سواء مع وجود العدوانية التفاعلية كجزء من هذا الإعتداء أو عدم وجودها.

تتحدث بعض الدراسات عن أن الصدمة النفسية في مرحلة الطفولة كسبب رئيسي للإصابة بالمرض ليست بالضرورة أن تكون في صورة اعتداء أو إساءة معاملة، فمن المُحتمل أن تكون الصدمة النفسية في صورة التعرض لحادث أو مُشاهدة جريمة قتل أو إغتصاب أو حتى التعرض لكارثة طبيعية كالزلازل على سبيل المثال. في الغالب تُسبب هذه الصدمات النفسية مرضاً يُعرف باضطراب ما بعد الصدمة (Posttraumatic stress disorder)، وليس اضطراب الشخصية الفصامية بالتحديد، لذا فإن دور هذه الصدمات النفسية في تكون المرض ما زال محل تساؤل وبحث.

إعداد: محمد أحمد نعمان

المصادر:

  • Journal of Nervous & Mental Disease: Twin Study of Dissociative Experience
  • Jang, Kerry L., et al. “Twin study of dissociative experience.” The Journal of nervous and mental disease 186.6 (1998): 345-351.
  • Childhood antecedents of multiple personality (Book by Richard P.Kluft, M.D)