لماذا تعودُ الأحلام الناتجة عن التوتر بعد فترة طويلة؟

فجأة تُدرك بأن امتحانك النهائي يبدأ بعد خمس دقائق، ولكنك لم تبدأ بالدراسة له، ناهيك عن مكان الامتحان الذي يحدث في الجانب الآخر من الحرم الجامعي! فتُسرع لجمع كل موادك وتبدأ بالجري بين الممرات، ولكن كل الممرات مزدحمة بالطلاب، والساعة تدق، والأبواب تُغلق!  وبالطبع سوف تفشل في الامتحان.

هذا مثال شائع لحلم متكرر قد يواجهه الفرد، ربما أثناء أوقات التوتر أو التغيير، أو حتى طوال حياته. الأحلام المتكررة غالبًا تتضمن أفكارًا رئيسية لأحلام نموذجية. والذي يختلف بشأن الأحلام المتكررة هو أنها تجربة تتكرر كثيرًا في حياة الشخص، حيث أن مواضيع الحلم النموذجية تشير إلى الشمولية أو شيوعها بين الأفراد.

تحدث الأحلام المتكررة بين 60% إلى 75% من الأشخاص البالغين، وغالبًا عند النساء أكثر من الرجال (Zadra، 1996). تتضمن المواضيع المشتركة للأحلام مايلي: يكون الشخص متعرضًا لهجوم، مطاردًا، ساقطًا ، عالقًا، متأخرًا، مفوِّتًا لامتحان أو مخفقًا فيه، وحتى فاقدًا السيطرة على السيارة.

نظريًا، الأحلام المتكررة تفترض الكشف عن وجود صراعات قائمة أو ضغوطات في حياة الفرد. هذا ما تؤيده النتائج التي تؤكد أن الأحلام المتكررة يرافقها عادة محتوى أحلام سلبية، وأنها ترتبط بانخفاض الراحة النفسية (Zadra وآخرون، 1996). مع ذلك حتى الأحلام السلبية المتكررة ليست بالضرورة سيئة التهيؤ، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الفشل في الامتحان لدى الطلاب في الأحلام يمكن أن يكون مرتبطًا بأداءٍ أفضل في الواقع.

جمع الباحثون تقارير أحلام من طلاب الطب لعدة ليالٍ تسبق الامتحان الرئيسي ووجدوا أن الأحلام التي تتعلق بالامتحان والتي تحدث قبل ليلة واحدة أو عدة ليالٍ تتنبأ نسبيًا بتحقيق أعلى الدرجات حتى لو كانت هذه الأحلام سلبية أو انتهت بشكل سيء (Arnulf وآخرون، 2014). كما سبق، يمكن تفسير هذه النتائج بأن رؤية الامتحان في الحلم، حتى لو كان الامتحان سلبيًا، تعكس رغبةً قوية وحافزًا لتحقيق النجاح. علاوة على ذلك يمكن للحلم أن يعمل من أجل تعزيز أو تقوية أثر الذاكرة المتعلق بالمواد التعليمية، وعلى  ضوء النتائج السابقة يمكن القول بأن الأحلام المتعلقة بمهام التعلم تكون مرتبطة بتطوير الأداء (Wamsley وآخرون 2010)، وبالتالي فإن الأحلام السلبية المتكررة تعمل على مهمة التكيف أو التأقلم.

غالبًا ما تبدأ المواضيع المتكررة في الحلم في سن مبكرة لكنها يمكن أن تبدأ في أي وقت وتستمر لبقية الحياة. موضوع تفويت الامتحان لنأخذه مثالًا، يبدأ عادة خلال سنوات الدراسة الجامعية عندما يكون ضغط (الأداء الجيد) أكثر شدة من أي وقت مضى، مع ذلك قد يستمر هذا الموضوع كحلم متكرر لعدة سنوات، وقد يتكرر مرة أخرى في الليلة التي تسبق مقابلة عمل مهمة أو تقييم عمل. قد تتغير الظروف لكن مشاعر التوتر نفسها والرغبة في الأداء الجيد يمكن أن تؤدي إلى تكرار الحلم.

يشير العلماء النظريون إلى أن هذه المواضيع يمكن أن تعتبر سيناريوهات  (Spoormaker، 2008)  أو ربما عُقَد (Freud، 1950). حالما يلمس حلمك أي جانب من جوانب الموضوع يظهر النص الكامل في اكتمال. يتفق العلماء النظريون على أن الأحلام المتكررة ترتبط بالمشاكل التي لم تـُحل في حياة الحالِم. وضحنا في السطور السابقة أن الأحلام غالبًا ما تصف صورة رئيسية، صورة الحلم القوية تقترن بعاطفة معينة أو صراع الحالِم. وأن حلم موجة المد والجزر Tidal wave dream هو مثال للصورة المركزية التي تمثل العواطف الكاسحة مثل العجز والخوف، وهو حلم مشترك لتجربة ناجمة عن عنف أو سوء معاملة وغالبًا ما يصبح موضوعًا متكررًا يعكس كفاح الشخص مع دمج وقبول الصدمة أو الأذى.

اختفاء هذا الموضوع عبر الزمن هو علامة جيدة على أن الصدمة أو العنف قد تمَّت مواجهتهما وصارا متَّحدين مع النفس. وقد دعمت البحوث التجريبية أيضًا النتائج التي تشير إلى أن تحليل الأحلام المتكررة مرتبط بتطوير الخير (أو الشعور بالتحسن) كما ذكر من قبل (Zadra، 1996) وهذا هو أحد السبل للمحافظة على مسار أحلامك حيث يمكن أن تكون مفيدة جدًا ومساعِدة في العملية العلاجية أو حتى في الاعتماد على الذات.

مع ذلك حتى لو كانت الأحلام المتكررة مختفية لفترة معينة من الزمن، قد تعود أحيانًا مرة أخرى خلال فترة جديدة من التوتر. أحد الأشخاص في مختبرنا أشار إلى عدم القدرة على الكلام في حلم متكرر، وهذه صورة شائعة تتضمن غالبًا سقوط الأسنان أو انغلاق الشفاه بلاصق. تلتقط الصورة الرئيسية في هذا الحلم إحساس عدم القدرة على الكلام وربما تعكس حياءًا أو صعوبة في التعبير عن النفس. في هذه الحالة، تكرر موضوع الحلم عدة مرات في فترة المراهقة ولكنه بدأ يختفي في مرحلة الدراسة الجامعية، ربما بعد التغلب على هذا التحدي. ولكن بعد الانتقال إلى بلد آخر والحاجة إلى تعلم لغة جديدة عاد هذا الحلم من جديد. وعلى الرغم من أن الصراع الرئيسي مع الخجل تم التغلب عليه فإن التواصل الجديد بلغة أجنبية سيثير نفس سيناريو عدم القدرة على الكلام في الحلم، وهكذا يتجدد سيناريو الأحلام القديمة في أوقات جديدة ومختلفة من التوتر.

بصورة عامة، تشير الأحلام المتكررة إلى وجود صراع مستمر في حياة الفرد ولم يُحسم بعدُ، وموضوع الصورة الرئيسية للحلم يزود هذا الصراع بالمنصة اللازمة لكي يلعب دوره، و قد يشير التوقف عن الحلم المتكرر إلى أن يتم حل النزاع القائم، وهكذا نكون مدركين بأن حل مسألة الحلم المتكرر في حياتنا الشخصية أو في مرحلة العلاج تكون أداة مفيدة لحل النزاعات وتحسين الشعور بالخير.

تدقيق: رمزي الحكمي

المصدر:

https://www.psychologytoday.com/blog/dream-factory/201411/whats-behind-your-recurring-dreams