نعيش في عالم ما بعد الحقيقة، عالم يعادي العقل والفكر ويفضل فيه الناس، في كثير من الأحيان، الحدس و”الفطرة السليمة” والأخبار الزائفة على الأدلة العلمية، عالم غالبا ما تقدم فيه العلوم الزائفة باعتبارها علوم صحيحة. إذا افترضنا أن الحقيقة موجودة وتستحق البحث عنها، وأن العلم هو أنجع أداة توظف في هذا البحث، فكيف يمكننا تمييز العلوم الزائفة ومكافحتها بفعالية؟

 لدراسة هذه المسألة، حرر كل من أليسون وجيمس كوفمان مجموعة من المقالات في كتاب يحمل عنوان (Pseudoscience: The Conspiracy Against Science)، أسهم فيه خبراء من مختلف المجالات، تعرضوا لهذا الموضوع باستخدام أساليب متنوعة، والنتيجة كانت كتاب قيم وثمين، يفحص التحيزات المعرفية التي تؤدي إلى تصديق العلوم الزائفة، ويعرض تاريخ هذه العلوم وأسباب قبولها على نطاق واسع، ويوضح كيف أنها تعرض المجتمع للخطر، إضافة إلى بيان كيفية تمييزها والحد من تأثيرها.

 في الفصل الأول من الكتاب، يجادل ديفيد هيشت بأن فهم آليات عمل العلوم الزائفة لا يقل أهمية عن فضح زيفها. فمع أن العلم والعلم الزائف نقيضان، ويمكن بسهولة التعرف على كل طرف على حدة، لكن لا يوجد خط واضح يفصل بينهما. فالمعتقدات العلمية الزائفة ليست عشوائية وغير قابلة للتبرير كما قد يبدو، والعلوم، أيضا، ليست موضوعية وغير متحيزة كما نود أن نفكر. العلوم فعالة لكنها ناقصة، وإلى أن نفهم حدودها، لا ينبغي أن ندين أولئك الذين يختارون عدم الوثوق بها، إذ يجب أن نتجنب الدوغمائية وأن نتذكر أن المعرفة العلمية هي دوما معرفة مؤقتة قابلة للتحديث.

 في فصل بعنوان “سيكولوجية العلوم الزائفة: العوامل المعرفية والاجتماعية والثقافية،” يوضح إميليو لوباتو وكورين زيمرمان أن المعتقدات العلمية الزائفة والمعتقدات العلمية الصحيحة تتشكل أساسا بنفس الطريقة، وتخضع لنفس التحيزات المعرفية والاجتماعية. ويشرح فرناندو بلانكو وهيلينا ماتوت، في فصل بعنوان “وهم السببية: التحيز المعرفي المضمر في العلوم الزائفة،” سيكولوجية الأوهام السببية – أوهام تنشأ عندما يعتقد الناس أن هناك علاقة سببية بين حدثين غير مرتبطين في الواقع – ويزعمون أنها واحدة من المشاكل المركزية التي تتضمنها العلوم الزائفة. وتناقش فصول أخرى تكلفة العلم الزائف على المجتمع، والعوامل المؤثرة على السلامة العلمية، والعلوم الزائفة في مجرى التفكير السائد، والنضال في سبيل نشر العلم الصحيح.

 ويشرح ديفيد غورسكي كيف أن المفهوم المضلل للطب “التكاملي” سمح بتسلل الدجل إلى الأوساط الأكاديمية، بالاستفادة من النقطة العمياء في مجال الطب القائم على الأدلة، وهي المعقولية البيولوجية – اقتراح وجود رابطة سببية، علاقة بين سبب مفترض ونتيجة معينة، تتسق مع المعرفة البيولوجية والطبية الراهنة.

 أما بريت ماري هيرميز، وهي معالجة طبيعية سابقة، فتقوم بتفكيك المبادئ الأساسية للعلاج الطبيعي، بينما ينظر كيفن فولتا في التكتيكات المستعملة في الحرب المعلنة على التكنولوجيا الأحيائية لإنتاج المحاصيل، في حين يجادل تشاد أورزل أن الإخفاقات العلمية، مثل الاندماج البارد والتقارير عن اكتشاف نيوترينوات تتحرك أسرع من الضوء، شيء جيد، فهي تُظهر كيف يستجيب العلم للنقد ويصحح أخطاءه، على النقيض من العلم الزائف الذي يفشل في الانخراط في أي نقد جدي. وتبحث فصول أخرى المنهجيات العلمية والافتراضات العلمية الزائفة التي تقف وراء الحركات المضادة للتطعيم، واختبارات الذكاء، والتنويم المغناطيسي، والتخاطر، وإنكار الإيدز، والإفراط في حماية الأطفال، وكذا التحديات التي تقف حائلا أمام تغيير عقليات مصدقي العلوم الزائفة.

 من جهتها، توضح إندري فيسكونتاس كيف تؤثر ظواهر الانحياز التأكيدي وتمييز الأنماط على البحث عن المعنى، كما تشرح مسألة المقارنات المتعددة عند القيام بالتصوير العصبي، إذ إنه “من خلال تحديد عتبة إحصائية منخفضة إلى حد ما وعدم تصحيحها بالاعتماد على مقارنات عديدة، يمكن للمرء أن يلاحظ حدوث تنشيط في أي جزء من الدماغ في أثناء تنفيذه مهمة ما، كيفما كانت هذه المهمة.”

 في الفصل الأخير، الذي يحمل عنوان “الحقيقة تسود،” يؤكد بول جوزيف بارنيت وجيمس كوفمان أن العلماء يبحثون عن الحقيقة، وأحيانا بتكلفة شخصية كبيرة، ويصرحان بأن “التواضع والتحفظ في إطلاق الأحكام المطلقة هو الفارق الذي يميز أصحاب العلوم القائمة على الأدلة عن أولئك المشتغلين بالعلوم الزائفة.” ويضيفان أن “مجابهة العلم الزائف له تبعات جسيمة على العلماء، فهم يشعرون بالإحباط عندما يضطرون إلى تكرار الحقائق ذاتها ودحض الحجج المضللة نفسها، وينتهي بهم المطاف في مواقف دفاعية نظرا لأن مجابهيهم من متبني العلوم الزائفة غير ملزمين بنفس القواعد، فمن النادر أن يشاركوا في النقاشات العلمية من أجل الفوز، إذ الهدف ببساطة هو تجنب الخسارة. إن مجرد جعل الناس يشكون في صحة العلم يعد بحد ذاته انتصارا.”

 ويلخص سكوت ليلينفيلد الدروس القيمة المستقاة من الكتاب في المقولات التالية:

  • كلنا معرضون للوقوع ضحية التحيزات المعرفية.
  • نحن لا ندرك التحيزات التي تقود تفكيرنا.
  • العلم يوفر مجموعة من الضمانات الوقائية ضد هذا التحيز.
  • التفكير العلمي لا يأتي بصورة طبيعية للبشر.
  • التفكير العلمي يشترط التخصص في مجال معين.
  • العلوم الزائفة يغيب عنها مبدأ التصحيح الذاتي.
  • العلوم الزائفة تفرط في استخدام المناورات لتحصين نفسها ضد النقد الموجه إليها وتلجأ إلى لغة علمية فارغة.
  • تختلف الادعاءات العلمية الزائفة عن الادعاءات الخاطئة في كونها تبدو علمية، لكنها ليست كذلك.

ويختم بقوله: “يجب أن تُذكر هذه الدروس القراء بأننا، جميعا، عرضة لتصديق الادعاءات المشكوك فيها، وبأن العلم، الذي بالكاد يعد ترياقا شافيا، هو في النهاية أفضل حصن ضد الميول الشخصية تجاه اللاعقلانية.”

 هذا الكتاب عمل بارع، يحتوي على تنويعة من المعلومات الضرورية عن العلوم والعلوم الزائفة، خاصة في ما يتعلق بالمواضيع الراهنة التي تشغل الرأي العام، وعن القوى التي تتآمر ضد المنهج العلمي الصحيح. نحن جميعا بحاجة إلى معرفة هذه الأمور، إذ إن تجاهلها سيكلفنا غاليا، وهذا الكتاب ترياق ممتاز ضد الزيف المنتشر ومرجع مفيد لكل مهتم.

 

المصدر:

Harriet Hall, “Pseudoscience: The Conspiracy Against Science“, sciencebasedmedicine.org, April 3, 2018