—————–
بقلم: رعد طالب
تصميم بوستر: بهاء محمد
——————————لا يوجد شعور صداقة افضل من الصداقة مع رجل يمتلك عقلا متفتحا فبدون ذلك فأن الحياة تبدو لي فارغة” هذا ما كتب اينشتاين، لكن المستغرب ان الفيزيائي الشهير، والذي يتم الاحتفال به بانه “عبقري الحداثة العلمية بامتياز “،يحدس بفطرته شيئا اساسيا حول البُنية الداخلية للإنسان ،وكأن عمل العقل البشري وروحه الطويلة قبل العلم، حاولت تجسيد ذلك مع الادلة التجريبية………

في العلوم الاجتماعية لماذا ترتبط ادمغتنا كمكتبة عامة؟ ، عالم الاعصاب ماثيو ليبرمان مدير مختبر علم الاعصاب الادراكي في جامعة كاليفورنيا، يحاول الاجابة عن سؤال “من نحن “كمخلوقات اجتماعية، ويحاول الكشف عن فهم أكثر دقة للطبيعة الاجتماعية لدينا وكيف يمكن ان نُحسّن حياتنا ومجتمعنا في هذا الكتاب …

ليبرمان الذي امضى العقدين الماضيين مستخدما ادوات مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي لدراسة كيفية استجابة الدماغ البشري للسياق الاجتماعي ،وقد وجد ،مرارا وتكرارا ان ادمغتنا ليست مجرد آليات مبسطة تستجيب فقط للالم والمتعة ،مثلما يدّعي الفيلسوف جيرمي بنثام”هو عالم قانون وفيلسوف إنكليزي، ومصلح قانوني واجتماعي، وكان المنظر الرائد في فلسفة القانون الأنجلو-أمريكي. ويشتهر بدعواته إلى النفعية”، ولكن بدلا من ذلك له قابلية الاتصال.

فليبرمان لديه سؤال في الصميم ،وهو سؤال بسيط:

لماذا نشعر بالعذاب الشديد عندما نفقد احد افراد الاسرة؟يجادل ليبرمان ،”ان ذلك بعيدا عن كونه عيبا تصميميا في الهندسة العصبية المعمارية لدينا فقدرتنا على الحزن الكبير هي ميزة حيوية ودستور تطوري لدينا:فالبحث الذي عملته مع زوجتي على مدى العقد الماضي اعطانا تلك الاجابة،ان الالم هو ليس مجرد حادث،بل هو مهم للغاية لبقائنا .لقد تطورت ادمغتنا لتواجه تجربة التهديدات الاجتماعية لدينا بنفس الطريقة التي واجهت الالم الجسدي ،ومن خلال تفعيل نفس الدوائر العصبية التي تسبب لنا ان نشعر الالم الجسدي ،ان تجربتنا مع الالام الاجتماعية تساعد على ضمان بقاء اطفالنا من خلال المساعدة على الاحتفاظ بهم على مقربة من والديهم.”

ان الرابط العصبي بين الالم الفيزيائي والاجتماعي يضمن لنا ان البقاء متصلين اجتماعيا ستكون حاجة مدى الحياة ،مثل الغذاء والدفئ .يطرح السؤال هنا:

نظرا لحقيقة ان ادمغتنا تتعامل مع الالام الاجتماعية والمادية على نحو مماثل،هل يتعيّن علينا علاج الالم الاجتماعي بشكل مختلف عمّا نفعل الان؟

البحوث التي اجريتها مع اخرون “يقول ليبرمان” قد كانت باستخدام الرنين المغناطيسي ،وهي توضّح كيف ان خبرة الالام الاجتماعية على خلاف تصورنا لانفسنا.،فنحن نعتقد بصورة حدسية ان الالام الاجتماعية والمادية “مثل كسر الرِجل” هي انواع مختلفة جذريا من الخبرات،ولكن طريق ادمغتنا في تعاملها معهما توحي بانها اكثر تماثلا مما نتصور..وينقل ليبرمان عن ابحاثه ،ان البناء الاجتماعي يعتمد على الفردية ويلاحظ ايضا ان “احاسيسنا الاجتماعية طيعة تجاه الذات”..

ان الاساس العصبي للمعتقدات الشخصية لدينا تتداخل بشكل كبير مع واحدة من مناطق الدماغ المسؤولة في المقام الاول عن السماح لمعتقدات الاخرين للتأثير على نفس منطقتنا الشخصية.

الذات هو بمثابة”طرق سريعة” للنفوذ الاجتماعي اكثر مما هو عليه ان يمثّل قلعة خاصة باعتقاداتنا لا يمكن اختراقها كما كنا نعتقد…

السياق التطوري الصحيح والوجيز ،يقول ان السلوك الاجتماعي قد تناضح من الفردانية ،ومثّل ذلك مساعدة ضرورية في تطورنا بدلا ان يكون عيبا وشذوذا فيه ..

مجتمعنا تم نسجه عبر سلسلة من الرهانات التي تطوّر وضعها مرارا وتكرارا على مر تاريخ الثدييات ،هذه الرهانات جاءت على شكل تعديلات تم تحديدها لانها تعزز البقاء والتكاثر.هذه التكيفات هي لتكثيف أواصر القريبين منا ولزيادة المشاعر مع من حولنا وزيادة قدرتنا على التنبؤ بما يدور في أذهان الآخرين حتى نتمكن من التنسيق والتعاون معهم بشكل أفضل.ان الم الخسارة الاجتماعية ،او الضحك مع جمهور معين على حادث في مسرحية ما ،يمكن ان يؤثر فينا بنفس الدرجة.وهذا هو الترابط ما بين ادمغتنا عن طريق التواصل والتفاعل مع الاخرين ،وهذه هي سمة من سمات التصميم ،وليس احد العيوب فيه،حيث ان هذه التكيفات الاجتماعية هي المحور الذي جعلنا النوع الاكثر نجاحا على الارض.

ان لهذا اثارا مترتبة عبر كل شيء ،من الحميمية في العلاقات الشخصية لدينا الى تعقيد الادارة التنظيمية والعمل الجماعي ..

تماما كما أن هناك شبكات اجتماعية متعددة على شبكة الإنترنت مثل الفيسبوك وتويتر، ولكل منها نقاط قوتها الخاصة، فان هناك أيضا شبكات اجتماعية متعددة في أدمغتنا، ومجموعات من مناطق الدماغ التي تعمل معا لتعزيز موقعنا على خارطة الرفاه الاجتماعي. كل هذه الشبكات لديها نقاط القوة الخاصة بها ،وانها ظهرت في نقاط مختلفة من تاريخنا التطوري ،حيث الانتقال من الفقاريات الى الثدييات الى الرئيسيات الينا نحن الهوموسابينس”الانسان العاقل”،ان هذا النظام يلخّص نفسه خلال مرحلة الطفولة لدينا بوضوح..

ان ليبرمان يمضي لاستكشاف ثلاث تعديلات رئيسية هي التي جعلتنا نمتلك استجابات وثيقة مع العالم الاجتماعي:

1-الاتصال:قبل فترة طويلة وجدت الرئيسيات التي تمتلك القشرة المخية الحديثة ،حيث تطورت لديها القدرة على استشعار الالام الاجتماعية والملذات ،وربطت الى الابد رفاهيتنا مع الترابط الاجتماعي لدينا.فالاطفال الرضع يجسدون هذه الحاجة العميقة للبقاء على اتصال بمن حولهم،والذي سيستمر على مدى حياتنا كلها.

2-قراءة العقول:طورت الرئيسيات قدرة لا مثيل لها لفهم الاحداث والافكار من حولهم ،وتعزيز قدرتهم على البقاء متصلين والتفاعل استراتيجيا فيما بينهم.

في السنوات الاولى للطفل البشري الصغير،فان اشكال التفكير الاجتماعي قد تطورت لديه بشكل يفوق البالغين في اي نوع من الانواع الاخرى ،وهذا سمح للبشر لانشاء مجموعات تمكنها من تنفيذ اي فكرة تقريبا وتوقّع الاحتياجات والرغبات من حولنا ،وحفظ مجموعاتنا تتحرك بسلاسة.

3-التنسيق:ان الشعور بالذات هو واحد من احدث الهدايا التطورية التي تلقيناها .فعلى الرغم من ان الاحساس بالذات قد ظهر ليكون آلية للتمييز بيننا وبين الاخرين ،بل وربما ابراز انانيتنا ،فان تلك الذاتية تعمل في الواقع كقوة كبيرة للتماسك الاجتماعي .فخلال مرحلة ماقبل المراهقة والمراهقة ،فان هناك اشارات الى التعديلات العصبية لدينا والتي تسمح لمعتقدات وقيم المجموعة للتاثير على مناطقنا الذاتية في الدماغ.الرابط:http://www.amazon.com/exec/obidos/ASIN/0307889092/braipick-20