لماذا أراد اينشتاين، ان يعمل صانعاً للأحذية؟

 

بقلم : حيان الخياط

 

 

كتاب “اينشتاين للمبتدئين

 

 

 

 

 

حياة اينشتاين ونظرياته بأبسط ما يمكن … في كتاب “اينشتاين للمبتدئين”

كتاب صغير الحجم من تأليف، جوزيف شوارتز ومايكل ماكينيز، ترجمة  د.غاندي المهتار، يقع

في 169 صفحة من القطع الصغير، طبع بدار الانتشار العربي.

 

الكتاب لا يقدم فكرة او معلومة عن اينشتاين دون صورة توضح الموضوع  فهو شبيه بمجلات

الاطفال المصورة، وهذا يمنحه افضلية على غيره من الكتب التي حاولت تقديم اينشتاين

بصورة مبسطة.

 

ومع افتقاره الى فصول او فهرست لتحديد المواضيع التي ستطرح، لكنه يعالج المواضيع وفق

تدرجها الزمني، والجدير بالذكر ان الكتاب يحتوي على الكثير من الصور التي لا يمكن نقلها او

توضيحها بالكتابة في عرضنا للكتاب هذا، وعليه فإننا سنجعل العرض عبارة عن مقال صغير

عن اينشتاين والنسبية ولكن مرجعه هو هذا الكتاب ،ولهذا سيكون مقالاً يستند الى كتاب اكثر

من كونه عرضاً كاملاً لكتاب.

 

 

قبل ولادة العظيم

 

 

 

يبدأ الكتاب بعرض موجز للخلفية الاقتصادية والحضارية في الفترة التي سبقت ولادة اينشتاين،

مع بعض المعلومات عن حال اليهود وظروفهم.

ثم يتلو ذلك ذكر تجارة والده هيرمان أينشتاين وما يتعلق بمصنعه المختص بصناعة الاجهزة

الكهربائية وعواميد انارة الشوارع، ولكن هذا المشروع سيفشل عدة مرات لاحقاً.

 

طفولة اينشتاين ودراسته

 

في طفولته المبكرة كان اينشتاين بطيء الاستيعاب، وكان يتردد في الكلام حتى التاسعة من

عمره، هذا بالإضافة الى المشاكل التي واجهها في الدراسة، وخصوصاً اشكالية كونه يدرس

في مدرسة كاثوليكية، فهو اليهودي الوحيد في صفه، هذا بالإضافة الى امتعاضه من طريقة

التدريس وما يقوم به الاساتذة من ترديد للتواريخ وفترات حكم الاباطرة وتذكيرهم بوجوب حفظ

كل هذه المعلومات، ما دفع اينشتاين الى القول “يبدو لي أساتذة المدرسة الابتدائية كالرقباء في

الملعب الرياضي، المدربون كالملازمين.” ص 33.

 

 

 

اشخاص أثروا في اينشتاين

 

 

 

بعيداً عن اجواء الدراسة المملة، فقد احب اينشتاين الجبر وتعلمه على يد عمه يعقوب، وكان

هذا العم يخبر اينشتاين بأننا “عندما نعجز عن إصطياد الحيوان الذي نتبعه نسميه (س) مؤقتاً

ونتابع الصيد حتى نوفق الى التقاطه.” (بتصرف) ص 28.

 

من جانب اخر، كانت والدة اينشتاين، بولين كاخ، تعلمه الادب والموسيقى، وعلى الرغم من

حبه للعزف عند قدوم اقربائه لزيارته إلا انه كان يكره دروس الكمان لأنها تذكره بالمدرسة.

 

شخص اخر اثر في اينشتاين عندما كان في الثانية عشر من عمره، وهو طالب الطب في

ميونخ، ماكس تالمي، وذلك عن طريق الكتب العلمية التي حملها الى منزل اينشتاين  ومن بين

الكتب التي قرأها اينشتاين في تلك الفترة،  كتاب في اصول قراءة الهندسة، بالإضافة الى العديد

من الكتب العلمية في مختلف المجالات، وهذا ما دفعه الى رفض جميع انواع السلطة والى

القول لاحقاً ” من خلال قراءاتي للكتب العلمية أدركت في الحال أن معظم القصص في الانجيل

يمكن ان تكون غير صحيحة. النتيجة كانت مجموعة عصبية من الافكار ومعها ادراك بأن الدول

تخيب آمال الناس من خلال أكاذيبها. وأسفر عن كل هذا تشكيك في كل انواع السلطة وموقف

مشكك رافقني طويلاً بسبب نظرة افضل الى الصلات السببية.” ص31.

 

 

 

مفارقات في شبابه

 

 

 

لقد برع اينشتاين في الرياضيات ولكنه رسب في أكثر المواد الدراسية كالفرنسية، الانجليزية،

علم الحيوان وعلم النبات. وهذا ما منعه من دخول الجامعة، ولكنه عدل عنها الى المدرسة

التقنية العالية في زوريخ، وقد رسب في امتحان الدخول بادئ الامر، ولكنه اعاد المحاولة مرة

اخرى، ونجح في نهاية المطاف. والجدير بالذكر انه في هذه المرحلة تمت الموافقة على طلب

اينشتاين لسحب الجنسية الالمانية منه، وبهذا اضحى بلا جنسية، ولكنه سيحصل على الجنسية

السويسرية لاحقاً.

 

 

 

الفيزياء قبل اينشتاين

 

 

 

بشكل عام كانت قوانين نيوتن الميكانيكية في الفيزياء هي الحاكمة لمدة 200 عام تقريباً،

يضاف اليها الفيزياء الكهرومغناطيسية التي عمل عليها كل من ماكسويل وفاراداي.

 

تم اكتشاف المغناطيس الطبيعي او حجر المغناطيس في الصين عام 2600 ق.م، وقد استخدمه

الصينيون في دفن الموتى والملاحة. وبعد ذلك تم استخدام الابر الممغنطة لتحديد الاتجاهات

قرابة العام 900 ق.م، وقد كتب لوكريتيوس عام 55  ق.م “المعدن يتحرك بحثاً عن الحجر

صعوداً أو نزولاً أو من أي اتجاه” ص 54.

 

اما بالنسبة للكهرباء فقد اردك الاغريق قبل الميلاد بأربعمائة عام ان احتكاك الكهرمان يجذب

الشوفان.

 

ولقرون عدة بقي الحال على ما هو عليه، ولكن في القرن التاسع عشر، تطور الامر فتم تحويل

التيار الكهربائي الى مجال مغناطيسي على يد كل من اورستيد وامبير، وهذا ما ادى الى امكانية

استخدام التلغراف وذلك بفضل التيارات الكهربائية القادرة على نقل الرسائل مغناطيسياً.

 

ثم أتى فاراداي الذي اثبت امكانية الحصول على تيار كهربائي من المجال المغناطيسي ما ادى

الى ظهور مولدات الطاقة الكهربائية. ثم جاء دور ماكسويل الذي قدم معادلات فيزيائية تربط

الحقل المغناطيسي بالحقول الكهربائية معاً.

 

 

 

اينشتاين وسرعة الضوء

 

 

 

من اعظم العقول التي ساهمت في خدمة البشرية

 

كان اينشتاين يميل الى الصور البسيطة والأمثلة التي تشرح الموضوع دون الحاجة الى الارقام

والمعادلات، وعندما اراد معرفة ماذا يحصل عند انتقال الضوء بدأ بالتساؤل قائلاً “اتساءل ما

قد يحصل للضوء إن كنت أنتقل بسرعة الضوء نفسها؟” ص 71.

 

وطرح مثالاً اخر هو “افترض أني احمل مرآة … واتحرك بسرعة الضوء” ص73، “ان كنت

انتقل بسرعة الضوء ، فلن يصل ضوء وجهي الى المرآة !!!” ص74. وذلك لان المرآة تنتقل

بسرعة الضوء ايضاً.

 

لقد بقيت هذه المسألة هاجساً يؤرق اينشتاين زمناً طويلاً حتى انه تحاور مع صحبه في هذا

الموضوع مدة عشر سنوات في زوريخ، وقال عن هذا الموضوع “واجب علي الاعتراف في

البداية : عندما شرعت النظرية الخاصة بالنسبية تنمو في داخلي، أصابتني كل أنواع

الصراعات العصبية. في شبابي، كنت أتوه في الارتباك أسابيع عديدة وكأني أود تجاوز حالة

الخبل التي سيطرت علي بفعل المواجهة الاولى مع هذه الاسئلة.” ص82.

 

 

 

مولد النسبية الخاصة

 

 

عن طريق النسبية توصل اينشتاين الى انه سيرى صورته في المرآة حتى وان تحرك بسرعة

الضوء وذلك يعود لسبب بسيط، ان الضوء ينتقل بسرعة ثابتة بغض النظر عن الجسم الباعث

او المستلم للضوء، واينشتاين يقول في هذا الصدد “الضوء ينتشر دوماً في الفراغ بسرعة

ثابتة (س) مستقلة عن وضع حركة الجسم المرسل او المستقبل للضوء.” ص98.

 

وعليه فإن سرعة الضوء هي الثابت الوحيد في الكون، ولكن تبقى مشكلة صغيرة، هل يرى

المراقب الثابت والمراقب المتحرك الضوء في الوقت نفسه؟

 

حالياً يجب ان نتذكر ان السرعة = المسافة/الزمن. وهذا يعني ان ثبات السرعة سيؤدي الى

اختلاف المسافة والزمن.

“هكذا يمكن للشخص المتنقل أن يلاحظ الإنتقال طوال مسافة (م) في زمن ما (ز) ليخرج أخيراً

بسرعة الضوء (س).

بينما المراقب الثابت يستطيع أن يشاهد الضوء مرتحلاً مسافة مختلفة في زمان مختلف لتكون

السرعة هي سرعة انتقال الضوء نفسها.” ص 107.

لتوضيح الفكرة نقتبس المثال التالي من الكتاب “ويقترح ألبرت أن نجرب قناعاته التي يمثلها

كقطار … هو الاطار المرجعي المتحرك والسكة الحديدية الاطار المرجعي الثابت.

الان يمكننا وضعها سوية. ودعنا نحصل ايضاً على قاطرة ركاب ، والآن تخيل أن ثمة شخصاً

في مقطورة الركاب يحمل آلة ترسل شعاعين ضوئيين في آن واحد ، الأول الى الامام والثاني

الى الخلف.

كما سنتخيل في وقت لاحق أن الباب الامامي والباب الخلفي ينفتحان تلقائياً عندما تبلغهما هذه

الاشعة الضوئية.

 

بالنسبة لحامل هذه الآلة ينفتح البابان في الوقت نفسه. أما بالنسبة الى مراقب خارج القطار ،

يقول ألبرت أنه سيرى الباب الخلفي ينفتح قبل الامامي!

أتفهم؟ فالمراقب الثابت يرى الباب الخلفي يتحرك الى الأمام ليلتقي بالضوء الآتي اليه ، أما

الأمامي فيبتعد عن هذا الضوء الذي يلاحقه.

وبما ان سرعة الضوء واحدة في الاطارين ، يجادل ألبيرت قائلاَ ان : الحوادث غير المتزامنة

نسبة الى الهضبة الواقفة قرب السكة ، والعكس صحيح ايضاً.” (بتصرف) ص 109 و

ص110 وص 111 وص 112 وص 113.

 

ولم تقتصر النسبية على تبديل مفهوم الزمان ، بل اجتاحت بقية المفاهيم الاخرى وقامت

بتغييرها ، مثل ، الطول ، الوزن ، المكان …الخ

 

 

 

تاريخ الرياضيات

 

 

 

وبسبب حاجة اينشتاين للرياضيات كي يدوّن افكاره بلغة العلم ، فقد قام الكتاب بجولة موجزة

في تاريخ الارقام والمعادلات ، ابتداءً من الرياضيات البسيطة التي استخدمها المصريون

القدماء في حساب قيمة الضرائب ، مروراً بالبابليين الذين وضعوا الجبر ومعادلاته على

الالواح الطينية ، ثم تم التعريج على الاغريق والهندوس وتطويرهم للرياضيات والهندسة ،

وانتهاءً بالقرون الوسطى وعصر النهضة ومساهمات الكثير من العباقرة مثل ، ديكارت،

باسكال، نيوتن وغيرهم.

 

وعلى الرغم من حاجة اينشتاين للرياضيات والقوانين لإيجاد معادلته الشهيرة E = m c²

(الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء) ، فإنه قال “منذ بدأ الرياضيون العمل في النسبية ، ما

عدت قادراً على فهمها.” ص 135.

 

 

 

النسبية والقنبلة الذرية

 

 

 

اشهر وابسط معادلة فيزيائية

 

 

 

ان معادلة الطاقة (E = m c²) لا علاقة لها بالقنبلة الذرية ، فهذه المعادلة وضعت عام

1905 اما القنبلة الذرية فقد بدأ العمل بها عام 1939 على يد علماء مثل جوليو كوري

وأنريكو فيرمي وليو سزيلارد ، وسزيلارد هو صاحب فكرة “التفاعل التسلسلي”. ما  يدل على

بعد اينشتاين عن القنبلة الذرية.

 

وقد قال اينشتاين بعد القاء القنبلة الذرية على هيروشيما “لو عرفت أن هذا سيحصل ، لكنت

عملت صانعاً للأحذية.” ص166.

في الختام يجب ان نشير الى وجود قصور في الكتاب ، وهو عدم تناوله للنسبية العامة

ومواضيع الزمكان ، وقد يكون السبب هو عدم الرغبة في ارهاق عقل القارئ بمعلومات معقدة

ومكثفة تحتاج الى اطلاع مسبق.