بقلم : جيم الخليلي

ترجمة: حسن مازن

المقال منشور في صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 14-10-2013

بورتسموث إنكلترا – بحلول العقد الأخير من القرن التاسع عشر كان العلماء واثقين بأن المعارف العلمية بلغت نهايتها وإن الطبيعة أباحت بكل اسرارها، فقد تم الكشف عن قوانين الميكانيكا، الديناميكا الحرارية، و الكهرومغناطيسية، وهذا يعد بتفسير كل الظواهر الطبيعية، لم يكن متبقي سوى عملية تجميع قطع الأحجية ورصفها بشكلها الصحيح. لكن وبظرف عقد من الزمن بين عامي 1895 و 1905 كان المجتمع العلمي على موعد مع اكتشافات قلبت الفيزياء رأساً على عقب: إكتشاف الأشعة السينية، النشاط الإشعاعي، نظرية الكم والنسبية الخاصة لأينشتاين.

بعد قرابة القرن ها نحن نتوصل لنفس رؤية العلماء في القرن التاسع عشر، فها هو ستيفن هوكنج (أشهر فيزائي نظري على قيد الحياة وأستاذ كرسي لوكس للرياضيات في جامعة كامبردج) يصرح باقترابنا من التوصل لـ “نظرية كل شيء” وهي مجموعة معادلات رياضية تشرح البنية الكاملة وراء كل ظواهر الكون.

أشعر بالإمتنان لأننا بعيدون جداً عن إيجاد جميع الأجوبة لجميع ما لدينا من أسئلة – لا لأنني سافقد وظيفتي عندها وحسب، إنما لأن الوضع سيكون رتيب وممل.

الأسرار الكونية لا تزال كثيرة، والمشاكل العالمية مثل تغير المناخ لاتزال تراوغ الحل، والتقدم التكنلوجي لا يرحم فهو عندما يقدم حلول لمشاكل قديمة يخلق في كثير من الأحيان مشاكل جديدة.

إذن مالذي يخبئه لنا العلم في القرن الحادي والعشرين؟ والسؤال الأكثر أهمية، نحن سبع مليارات نسمة (والرقم بتزايد) نتصارع على موطئ قدم على هذا الكوكب فهل نحن على استعداد لما سيأتي؟

هناك تطور رئيسي على هذا الصعيد وهو توحيد الجهود العلمية دولياً، فالتعاون العلمي الدولي أصبح اليوم أكبر من أي وقتٍ مضى. فمن عمل الفريق الدولي المعني برسم خرائط التغير المناخي إلى مشروع فك شيفرة الجينيوم البشري، ومن محطة الفظاء الدولية إلى اكتشاف بوزون هيغز في مصادم الهدرونات الكبير. يبدو إن لاشيء بإمكانه أن يقف بوجه هذه الجهود العلمية العملاقة. في الواقع إن مثل هذه المشاريع مكلفة جداً لا تستطيع أمة واحدة أن تتكفل بتكاليفها منفردة.

هل إن مثل هذه المشاريع العلمية العملاقة ستستمر للأبد رغم تنامي تكاليفها؟ وهل ستصبح أكثر استقلالاً عن آراء الناخبين وسيطرة دافعي الضرائب والضغوط الشعبية؟

بمعنى أخر، بالنظر إلى إن العلم قد يبدو في أحيان كثيرة عملية غامضة وغير خاضعة للمساءلة، لذلك ستجد من يشعرون بتهديد من العلم – فالناس أعداء ما جهلوا- وقد يندفع البعض لتبنّي نظرية المؤامرة، فالتشكيك المتزايد بتحذيرات علماء المناخ من التغير المناخي، وبدوافع شركات الأدوية المتعددة الجنسيات والحث على الإتجاه للبدائل مثل العلاجات الشعبية الزائفة سيئة الصيت. كل ذلك يجعل من الأهمية بمكان أن يعمل المجتمع العلمي بتعاون مع السياسيين وصانعي القرار من أجل التوضيح للجمهور وتعزيز الأساس المنطقي وراء كل مسعى علمي.

إن من غير المعقول أن تلتزم شركات الأدوية الكبرى، وشركات التكنلوجيا الحيوية ومزودي الطاقة ومقاولي الدفاع، بمبادئ الشفافية ويتيحوا أبحاثها بشكل مفتوح للوصول إليها، لكني شخصياً مع “الكأس نصف الممتلئ”، فأنا أزعم أن رؤية العلم كمشروع تأمري أو تُحرِكَهُ المصالح الشخصية ليست فقط رؤية قاتمة دون مبرر، إنما هي لا تمثل كذلك رؤية أغلبية البشر للعلم. وكإنسانوي، أعتقد أن البشر لديهم القدرة على إتخاذ القرارات الصحيحة، ولدي ثقة بقدرة زملائي العلماء على حل مشاكل العالم بنهاية المطاف، مع فهم أعمق للكون ومكانتنا فيه ومع تطبيق أوسع للتكنلوجيا في هذه المعرفة.

إن تفاؤلي هذا له ما يدعمه، ففي بريطانيا هنالك موجة شعبية عارمة بمتابعة العلوم بما في ذلك برامج العلوم الجامعية. إن بريطانيا اليوم تعتبر رائدة في مجال التواصل العلمي، فالافلام الوثائقية عن العلوم تحوز إهتمام الملايين من المشاهدين، كذلك فإن المسلسل الأمريكي الهزلي “نظرية الأنفجار الكبير” له جمهور واسع، هذا فضلاً عن ازدهار الكتابة في مجال العلوم الشعبية سواء كمطبوعات أو عن طريق الأنترنت، ومهرجانات العلوم التي تجذب عشرات الآلاف من الزوار في مدن وبلدات عديدة.

هذا ويختلف الموقف من العلم والبحث العلمي كثيراً من مكان لآخر فتأييد قضية علمية ما مرهون بثقافات البلدان بصورة كبيرة

على سبيل المثال: في الحين الذي تواجه فيه أبحاث الخلايا الجذعية في الولايات المتحدة معارضة من قبل اليمين الديني المتطرف، فإن في إيران، ذاك البلد الديني، لا نجد هذه الهواجس، حيث يسود الإعتقاد أن الجنين لا يعد جنيناً حي قبل الشهر الرابع من الحمل، لذلك فعملية إستخلاص الخلايا الجذعية من الأجنة قبل هذه الفترة لا تواجه تحديات أخلاقية. والمثال الأخر حول الرؤى المختلفة للقضايا العلمية هي قضية توفير الطاقة من خلال بناء مفاعلات نووية ففي حين تعارضها ألمانيا نجد أن في فرنسا تأييداً لإستخدامها.

هنالك العديد من التحديات التي تنتظرنا، ففي حين نسعى أنا وزملائي من مبسّطي العلوم للجمهور إلى إلهام الناس وأسر خيالهم حول الجسيمات دون الذرية أو الكواكب البعيدة. يجب علينا أن لا نغفل أمور بغاية الأهمية منها إن العلم بإمكانه أن يساعد في حل أزمات المياه والطاقة ومشاكل النمو السكاني. وبالرغم من الشكوك التي يثيرها البعض من التغير المناخي الذي يتسبب به البشر. فلم يعد هناك من شك بحصول هذه التغيرات ويجب علينا العثورعلى حلول طموحة بما يتعلق في الهندسة الجيلوجية العالمية.

أياً كان ما يخبئه لنا العلم فإن بإمكاننا أن نكون متأكدين من شيء واحد وهو إن المستقبل سيكون مختلف عن أي شيء بإمكاننا تصوره اليوم.

سوف يستمر الأنترنت بالتطور، والمواد الجديدة “الذكية” التي تعتمد ببنائها على الغرافين وتكنلوجيا النانو أو علم الأحياء الإصناعية ستغير حياتنا، من الممكن أن نهزم السرطان كذلك لكن شيء، واحد سوف لن يستطيع العلم القيام به، وهو إخبارنا مالذي سيحدث في المستقبل.

جيم الخليلي، فيزيائي نظري في جامعة ساري ومن العلماء المشتغلين بتبسيط العلوم للجمهور غير المتخصص، له عدة وثائقيات وبرامج تلفزيونية وإذاعية.

المقال باللغة الإنكليزية على الرابط:

http://www.nytimes.com/2013/10/15/opinion/where-science-is-going.html