أوضح العلماء في الثامن من آذار 2017 في مقال تتضمنه مجلة نيورون (Neuron) أن تجارباً لتحسين مهارات الاستذكار تتعلق بترميم النشاط الدماغي قد أعطت سلوكاً مشابه للأشخاص ذوي الذاكرة القوية جداً الفائزين في مسابقات “بطولة العالم للذاكرة”.

وضح كريغ ستارك (Craig Stark) – عالم في علم الأعصاب من جامعة كاليفورنيا – أن النتائج كانت ملحوظة لأنها بينت كم أن العقل البشري قابل للتأقلم بشكل مذهل، حيث قال: “الدماغ يشبه البلاستيك ، إذ يمكن أن يتغير خلال الاستخدام”.

ليس من الواضح بعد كم من الوقت تستمر التغيرات على الدماغ حديث التدريب و لكن الذاكرة تبقى مستمرة حتى أربعة أشهر.

في اختبار مبدئي،  تم عرض 72 كلمة على مجموعتين إحداهما مؤلفة من 17 خبير في التذكر من الذين حققوا مرتبة عالية في المسابقات العالمية و الأخرى من الأشخاص العاديين، حيث استطاع الخبراء تذكر معدل 70.8 كلمة بينما لم تتمكن المجموعة الأخرى من تذكر سوى 39.9 كلمة.

حصل بعض المبتدئين في اختبارات لاحقة على مستويات مختلفة من المساعدة حيث تم تقسيم 51 مبتدئ إلى ثلاثة مجموعات و قضى ثلث هؤلاء الأشخاص ستة أسابيع في تعلم طريقة لوكي (Loci) للتذكر و التي كان يستخدمها الأمراء الرومان و اليونانيون. عند استخدام هذه التقنية، على الشخص أن يتخيل مشهد معين؛ على سبيل المثال، قصر أو طريق مألوف، وأن يملأه بأشياء سهلة التذكر، و بذلك يمكن تخزين معلومات جديدة في هذا المكان بطريقة تمكنك من “رؤية” عدد كبير من العناصر المراد تذكرها.

قضى مشتركون آخرون ستة أسابيع من التدريب لتحسين الذاكرة قصيرة الأمد حيث طلب منهم أن يتابعوا رؤية سلسلة من الصور مع سماع أرقام بشكل متزامن. أما بقية المشتركين فلم يخضعوا لأي تدريب.

كان أداء الأشخاص الخاضعين لتدريب Loci جيدا بقدر أداء الخبراء، و لكن لم يبد البقية أي تحسن. لقد علم مارتن دريسلر (Martin Dresler) –عالم أعصاب من مركز رادباوند الطبي (Radbound Medical Center) في هولندا- أن طريقة لوكي Loci ستعطي نتائج إيجابية و لم يكن متفاجئاً برؤية التحسن في الذاكرة. كانت أكثر التغيرات المثيرة للاهتمام بنظره قد حدثت في دماغ الأشخاص المتدربين.

خضع المبتدئون قبل و بعد التدريب لفحوص أوضحت مناطق معينة في الدماغ تكون ناشطة في نفس الوقت، و ذلك دلالة بأن هذه المناطق تعمل سوية بشكل وثيق. فحص مارتن دريسلر و زملائه 2485 مشبك في الدماغ من المشابك الضرورية لعملية الذاكرة و التفكير البصري و الفراغي. تبين أن التدريب بطريقة لوكي يقوم بإعادة تكوين هذه المشابك جاعلاً البعض منها أقوى والآخر أضعف. يقول دريسلر أن الغاية النهائية من هذا التدريب هي جعل الأدمغة تبدو كتلك لدى الخبراء في عملية التذكر حول العالم. بينت النتائج أن التغيرات واسعة المدى في الدماغ -المغايرة للتغيرات في مناطق معينة- هي التي تحفز زيادة القدرة على التذكر.

استمرت مهارات التذكر بشكل واضح لمدة أربعة أشهر ما بعد التدريب و خصوصاً عند أولئك الذين وصلوا لمرحلة من السلوك الدماغي مشابه لسلوك الخبراء في عملية التذكر. لم يقم الباحثون بفحص المشتركين بعد الأشهر الأربعة لذلك من غير المعروف إن كانت المشابك تعود لحالتها السابقة بعد هذه المدة أم لا. لم يلاحظ تغيرات دماغية كهذه و لا تطور في مهارات التذكر عند المجموعات الأخرى من المشتركين.

لقد انتقدت استراتيجيات التذكر بوصفها خدع مثيرة للاهتمام و لكن غير مفيدة في الحياة الواقعية. و لكن كان لدريسلر رأي مغاير حيث قال أن أحد الخبراء في عملية التذكر وهو بوريس كونراد (Boris Konrad) وأحد المشتركين في الدراسة من مركز رودباوند- قد اتبع طريقة لوكي التي ساعدته في الحصول  على درجات أفضل في الفيزياء و غيرها من الدراسات المعقدة.

من الممكن ألا تقوم تدريبات تحسين الذاكرة -كغيرها من التمارين المعرفية- بتطوير مجال أوسع من مهارات التفكير. لا تتمكن هذه الدراسة من الإجابة على أسئلة أوسع عما إن كان للتمارين الدماغية فوائد عامة أكثر أم لا.

زينب بدور

Sam Wong, “How to train your brain to be like a memory champion’s“, 8 March 2017