في السنوات العشر الأخيرة بدأنا في العالم العربي بلمس اوائل الثمار العلمية للأنترنت في العالم العربي بعد حقبة من إقتصاره لفترة طويلة على المنتديات وعلى العمل غير المتزن للموسوعة الحرة (ويكيبيديا)، حيث تختلف المعايير في تلك الوسائل بحسب الأعضاء وفهمهم الأكاديمي والعلمي وتتراوح المنشورات المحسوبة على العلم بين منشورات ومقالات مطعمة بالعلم الزائف وبين مواد رصينة حسنة المصادر ومستحقة فعلياً لأن تُعتبر ثقافة علمية. وبعد موجة أخرى من التقدم المعرفي للشباب العربي في مجال اللغات وبالأخص الإنجليزية منها بدأت بوادر الترجمة التطوعية وبدء التقدم المعرفي يؤتي أُكله لتحسين الوعي العلمي للفئات التي تستطيع الوصول إلى الأنترنت في البلاد العربية. لكن وبعد هذه السنوات نرى أن الوقت قد حان لمرحلة جديدة، فما وصلنا له حتى الآن يعاني من كثير من نقاط الاختلال والضعف التي تجعل الصحافة العلمية لدينا منقوصة أو غير موجودة!

عندما يتصفح مدير إحدى الصفحات العربية مجموعة من المواقع العلمية الناطقة باللغة الإنجليزية فهو يبحث عن المثير من الصور والعناوين بالدرجة الأساس وعن المضمون الثوري الذي يحرك العقول بالدرجة الثانية ومن ثم قد يستهدف إستكمال المحتوى العربي المنقوص في مجال معين ويقع الصنف الأخير في أدنى سلم الأولويات. لكن المدير هذا لا يذهب إلى جزء هام في الموقع وعنوانه شروط الإستخدام (terms of use) والذي يكاد يكون موجوداً في كل موقع علمي أو غير علمي، بعدها يأتي مصمم الصفحة أو الموقع ليختار صورة من صور جوجل أو أي موقع للصور أو صورة المقال الأصلي ذاتها فيجد ما لذ وطاب من الصور ليختار واحدةَ منها ويضعها غلافاً للمقال وصورةَ للتصميم في فيسبوك. طبعاً بعد أن يُسلم المقال إلى أحد الأعضاء المختصين بأحد المجالات العلمية ليقوم بترجمته. وإذا كان المقال مثيراً للإهتمام فإنك ستجده منشوراً في ثلاث أو أربع مواقع أو صفحات علمية عربية في الشهر ذاته.

ببساطة يُمكن أن نقرأ في شروط الإستخدام أن معظم المواقع التي تنشر المواد العلمية تُحرم وتمنع نقل أو ترجمة محتواها وهنا يقع الأغلبية في الخطأ الأول والذي يُمكن أن يجعل الموقع الذي قام بالترجمة معرضاً لخطر قانوني من قبل المؤسسة الأصلية، أما إذا لم يحدث ذلك فإن الموقع العلمي العربي الذي قام بالترجمة سيكون قد استثنى نفسه من قائمة الصحافة العلمية الحقيقية وسيكون طرفاً غير جدير بالإحترام من قبل المؤسسات المناظرة في الأماكن التي تحترم القانون في العالم. فببساطة أنت سارق للحقوق الفكرية!

أما بالنسبة للصور فهي أكثر خطورة، وهي أيضا نوع من السرقة لجهود فنانين أو لمؤسسات قامت باقتناء هذه الصور مقابل مبلغ مالي بعد أن خصصت مبلغاً للوسائط المتعددة من صور وفيديوهات وأعمال تصميم وصناعة لتلك الصور. والشكوى من قبل أصحاب هذه الأعمال أسهل بكثير، كما أن فداحة العمل لا تقل عن سابقتها. أنت هنا تكون سارقاً لحقوق هذه الأعمال أيضاً.

أما مترجمونا وكتابنا وهم أغلبهم من الطلبة الجامعيين المقتدرين في مصر والعراق وسوريا والمغرب وغيرها من الدول العربية ولدى الكثير منهم القدرة على كتابة أعمال مماثلة مقابل القليل من الجهد والكثير من الخبرة التي ستكتسب بالإطلاع المباشر على مصادر هؤلاء الكتاب والمواقع الأجنبية. لو أخذت جولة في بضعة مواقع علمية ستجد أن معظم كتابها هم صحفيون علميون فقط، ليسوا مختصين بالطب أو الهندسة أو علوم البيولوجيا أو الفيزياء أو الرياضيات، فما دمنا قادرين على استيعاب المحتوى علمياً لماذا نقلل من شأن قدراتنا ونكون مترجمين فقط؟

وبينما تترجم المواقع العربية هذه المقالات فهي لا تلتفت لواقع منطقتها من الجهل والحاجة للمعرفة بل تنقل وبشكل لا شعوري تجربة منطقة أخرى وعالم آخر، دون أن نلتفت لواقع العلم في شوارعنا ومؤسساتنا وجامعاتنا، كما أننا لن نكتب باللغة المطلوبة لفهم عامتنا بل سنركز على نقل مقال مترجم مكتوب بلغة لقومٍ آخرين.

يتكرر المحتوى أيضاً وتتكالب المواقع على المقالات ذاتها لتترك الويب العربي مليئاً بالفجوات المعرفية والمواضيع غير المطروحة مقابل مواضيع وأخبار معادة كثيراً، يُركزون على الأخبار بشدة وتتكلم تلك الأخبار عن تفاصيل تقنية وبيولوجية وطبية هي ذاتها ما زالت مفقودة في الويب العربي كمواد مشروحة بشكل مستفيض ومستوفي لحق المادة العلمية. الأوراق البحثية ما زالت أيضاً شبه مفقودة ضمن مصادر المواقع العلمية المنشورة في الويب العربي إلا ما ندر من الكتاب.

كل ذلك يجعل معظم المواقع العلمية الحالية بعيدة كل البعد عن كونها مؤسسات علمية أو مؤسسات للصحافة العلمية، وهذا ما قادنا في العلوم الحقيقية الى سلوك الطريق الصحيح. في بادئ الأمر وضحنا المواقع والجهات التي تستحق النقل ورتبناها في تصنيف ووضعنا ما هو عائد لمؤسسة علمية أو جامعة بالدرجة الأولى ثم تأتي المواقع الخبرية، كما وضحنا المصادر غير الموثوقة، والمصادر الأساسية والموسوعات. حتى وقت متأخر كنا نقوم بمعظم الاخطاء المذكورة آنفاً رغم أننا بدأنا بشكل مبكر بالكتابة لإستهداف ثقافة الشارع والكتابة بالإستناد إلى المصادر الأساسية التي بدأنا بالإعتماد عليها بشكل جزئي في عام 2012. حددنا المواقع التي تسمح بالترجمة منها ولم نعد نترجم إلا من تلك المواقع فيما لو أردنا الترجمة، كما قللنا من نطاق الترجمة وتوجهنا إلى الكتابة العلمية مستندين إلى مواقع متعددة ومصادر متعددة لإسناد الحقائق لا لغرض النقل المباشر، وايضاً أصبحنا نعتمد على الصور المتاحة من حيث حقوق النشر حيث لن تجد صورةَ مسروقة واحدة في موقعنا في الأشهر الست الأخيرة، ويساعدنا في ذلك بحث الصور في جوجل الذي يتيح إمكانية تحديد حقوق الصورة. راسلنا مواقع كثيرة لحقوق المقالات وقمنا بتسويات حول المقالات السابقة التي ترجمناها من المواقع التي لا تسمح بالترجمة، وسنقوم بتصفية المحتوى الذي يخرق الحقوق للسنوات السابقة بشكل تدريجي أيضاً. كنتيجة حافظنا على النوع وصار بإمكاننا أن نقول أن لدينا صحافة علمية حقيقية.

هذا نداء لجميع مدراء المواقع العلمية العربية للعمل بهذه المعايير لخلق صحافة علمية حقيقية، فالقدرات العلمية الموجودة لدينا ليست قاصرة عن كتابة مقال، ولسنا قاصرين عن قراءة الأوراق البحثية أو عن الالتزام بعدم سرقة المقالات العلمية والصور، كما أن الأوان قد حان لكي نكتب من أرض واقعنا وأن نحاول الكتابة والترجمة بغرض ملأ الفراغ لا بغرض جلب الإعجابات وزيادة القراءات، والأمل فيكم كبير بعد كل ما قدمتموه من جهود تطوعية رائعة طيلة السنوات الماضية.

مقدمة العدد 14 لمجلة العلوم الحقيقية