یومیا نسمع عن انتهاكات حقوق الانسان في السجون وعن حالات التعذیب الشنیعة ونتسائل كیف یمكن لشخص ان یصل الی هذه المرحلة من الاجرام. الامر الذی تنتهجه دول كثیرة فی العالم وبأشكال بشعة یتساوی فیها البرئ والمجرم وقد یعترف البرئ بما لم یفعل فی حین قد یقاوم المجرم لفترة اطول وقد یموت من یتعرض للتعذیب دون ان یستطیع المقاومة اكثر بریئا كان ام متهما. لیس هذا هو المثیر للاشمئزاز فحسب. ولكن المثیر للاشمئزاز هو نتیجة تجربة قام بها عالم امریكی یدعی ستانلی میلگرام اثبت فیها ان النسبة الاكبر من الناس لدیهم الاستعداد الكامل لممارسة التعذیب لمجرد ان شخصا ما أعلی سلطة منهم أمرهم بذلك.

 قام العالم النفسي ستانلي ميلگرام فی جامعة ییل عام 1961 بتجربة الهدف منها هو لتحديد مدى انزلاق انسان عادي في إيقاع الم بشخص برئ بتأثير من أوامر السلطة.

تنص التجربة علی ربط ضحية (بالاتفاق معه مسبقا) على كرسي ويحمل هذا الشخص بيده قطبين كهربائيين مرتبطين بعدد من محولات الطاقة بجانبه مكتوب عليها فولتيات تتدرج بين فولتيات منخفضة حتى 450 فولت. وبالاضافة لذلك فهناك جهاز للتحكم بالفولتية الداخلة في جسم الضحية.

ثم يقوم العالم بإدخال اشخاص من مختلف درجات الثقافة ومن مختلف المهن (طبيب, مهندس, عالم دين, معلم, قروي, مدني… الخ) الى الغرفة شارحا لهم أن الامر هو تجربة يتوجب فيها على الشخص الذي سيتم صعقه أن يجيب على سؤال معين فإن لم يجب فلابد من صعقه بفولتية أعلى وهكذا.

عندما تصل الفولتية الى 75 فولت يرتفع صوت الضحية قليلا للتعبير عن الالم (في الحقيقة لا فولتية تدخل في جسم الشخص). وعندما تصل الى 120 يبدأ الضحية بالاحتجاج اللفظي وعند الـ 150 فولت يبدأ بالتوسل ليسمح له بإنهاء التجربة ويستمر الاحتجاج في التصاعد ليبلغ ذروته عندما تصل قوة الصدمة الى 285 حيث تتداعى كل امكانياته على الاحتجاج وتخور قواه. وعندما كان الاشخاص يحتجون او يرفضون رفع الفولتية كانوا يواجهون من المجرب بعبارة قاطعة صارمة ومختصرة : (لا إختيار لك يجب عليك أن تستمر أنا أتحمل كل المسؤولية).

وقد عرضت صورة الشخص الخاضع للتجربة على المشاركين قبل التجربة وجميعهم قالوا أنه يبدو ودودا ولا يبدو عليه أنه شخص سئ وأنهم لا يعرفونه ولا يشعرون بحب أو كره تجاهه والرجل هو موظف حسابات في الاربعينات من عمره.

ومع ذلك فقد وافق جميع المشاركين في التجربة على رفع الفولتية الى ما فوق الـ 300 فولت, ووافق 62% منهم على رفعها الى الحد الاقصى بينما أحتج ثلاثة مشاركين فقط ورفضوا المواصلة بشكل قاطع.

كم ستصبح هذه النتیجة فی بلدان اخری؟ كم ستصبح فی افریقیا او فی بلد كالعراق؟

إن طبیعتنا البشریة تحمل الكثیر من المساوئ التي تتطلب منا الانتباه حین نخاف من سلطة علیا وحین ننفذ امرا وحین ننصاع بشكل تقلیدی واوتوماتیكی لأوامر السلم الاداری.. علینا ان نحذر كثیرا!