اثيل فوزي

ما الذي يدفع بعجلة التقدم الى الامام ؟ وما الشيء المميز الذي تتناقله وسائل الاعلام ويصبح مادة اخبارية دسمة لهم ثم ما الذي جعل القرن الحادي والعشرين مميزا عن باقي القرون و كيف اثرت التكنلوجيا وثورات المعلومات والاتصال وثورات البايو تكنلوجي والنانو تكنلوجي وابحاث الذكاء الاصطناعي والكونيات والفضاء في المجتمع ثقافيا وماديا ؟؟؟؟
ما الذي جعل للعلم كل هذا التميز بحيث سحب البساط من شعراء بلاطات الملوك والقياصرة واصبح البساط الاحمر يفرش للعلماء بدلا من الشعراء ما الذي جعل انيشتاين نجم الاعلام الاوحد في عشرينيات القرن الماضي ولماذا اصبح بوزون هيغز او ما يسميه الاعلام بجسيم الله حديث الساعة ؟؟؟
اسئلة مهمة يجدر الوقوف عندها كثيرا خاصة للمهتمين في مجال تغير المجتمعات والثقافات
للاجابة على هذا الاسئلة لا بد من الوقوف على حال العلم في القرون السابقة وقتها كان العلم مقتصرا على النخبة بل ونخبة النخبة اذ لم تتوفر وسائل التواصل والطباعة والنسخ كثيرا عند الاسبقين منا فكانت الثقافة العلمية ثقافة انتقائية بشكل كبير ترك هذا الامر الساحة خالية لمرتادي الثقافة الادبية فظهر الشعر وتغنت الحضارات به وتناقلته الاجيال عبر العصور لكونه لا يحتاج سوى الى الحفظ او اضفاء اللمسة الانسانية الشخصية عليه ليخرج لنا بالوانه المختلفة حسب تجربة كل شاعر كما ظل المجال مفسوحا لباقي الانواع من الادب المعروفة
لكن الحال تغير الان بعد اختراع الالة الطابعة وظهور عصر النسخ اذ باتت الورقات العلمية اكثر انتشارا وزاد المهتمين بالمجال العلمي شيئا فشيئا
عندها ظهرت بوادر ثقافة جديدة بالبزوغ هي الثقافة العلمية اذ ظهر طلاب العلم في المجتمع يناقشون اخر الاحداث العلمية والاكتشافات في نواديهم ومحافلهم واصبح النقاش العلمي ظاهرة جديدة في على الساحة الثقافية
كما بدات الصحافة في القرنين الماضيين تسلط الضوء على المكتشفات العلمية او على الصراعات بين منظري النظريات وظهر نجوم العلم الى الاعلام كانيشتاين ونيلز بور وفاينمان وغيره غيره الكثير
اصبح هنالك نوع جديد من الحراك الثقافي حراك لم يشهده المجتمع من قبل حراك علمي داخل المجتمع فكيف يتسنى لموظف براءات اختراع ان يصل لاعلى مراتب الشهرة العلمية ويحدث ثورة في مجال الفيزياء ونقلة نوعية من الفيزياء الكلاسيكية الى فيزياء جديدة على عقول البشر انها النسبية
اصبحت المجتمعات تقدر قيمة العلم والعلماء وتعرف بان في يديهم عصا التغيير حتى في اسوء الظروف فها هي المانيا تنهض بعد حربيها العالميتين الاولى والثانية فتنهض من الركام وها هي اليابان تضرب مثالا على الشعوب الواعية والتي تم احيت من خلال العلم موتاها بعدما ضربتها قنبلتين نوويتين
اصبحت الثقافة العلمية هي بيضة القبان في المجتمعات الاوربية  وكل الثقافات الاخرى هي داعمة لهذه الثقافة
السوال الاهم لماذا بقي الشرق الاوسط والعالم العربي والعراق تحديدا بعيدا عن حمى الثورات العلمية التي ساهمت برقي بلدان اوربا لماذا نجد الثقافة العلمية ثقافة هامشية لماذ نجد ان هناك بوادر من نزعة لاعقلانية ظلامية في المجتمع تطال حتى بعض اصحاب السلطة والسياسة واشباه المثقفين ممن يقودون الدول ويديرون الاحزاب والتي ظهرت في عدة جماعات اكاديمية او سياسية رجعية تعمل على تهميش دور العلماء والعلم والمنهج العلمي وبدل من ان تعمل دراساتهم ونتاجاتهم على توحيد العلم والتكنلوجيا مع الادب والفن ذهب هؤلاء وبعض الانسانيات الى تشكيل نظرة تجاه العلم والتكنلوجيا تراه مجرد نتاج تكنيكي هذه النظرة المغلوطة التي ترى العلم التكنلوجيا على انه مجرد نتاج تكنيني تواكبت مع ظهور مذاهب غريبة من بنيوية وتفكيكية ومذاهب ما بعد الحداثة مع غلبة لاتجاه تشاؤمي تجاه العلم والتكنلوجيا في حين ان العلم الحقيقي في المقابل يقود لاتجاه متفائل ومتقدم مستمر يمتاز اصحاب هذه النظرة التشاؤمية واللامبالية تجاه العلم من الاكاديميين الرجعيين والسياسيين باعتناقهم لاشباه العلوم الزائفة وما يكاد يكون خرافة كخرافة الطب البديل والروحانيات , على الرغم من ان منهج العلم الحقيقي هو المحور الرئيسي للحضارة الحديثة التي تاسست على المعرفة
الدعوات الرائعة التي تمخضت عن بروز ما يسمى بالثقافة الثالثة في الغرب والتي تشجع على ان ينال المشتغلين بالثقافة الادبية قسطا وافرا من الثقافة العلمية وبالعكس احدثا قفزة كبيرة في قراءة المجتمعات وظهور جيل جديد من العماء قادر على رسم طريق جديد للمجتمعات البشرية
هذا التمازج الذي ساهم به علماء العلوم الطبيعية جعلهم يبدعون بابحاثهم وكتاباتهم الجماهيرية من خلال احداثهم ثورة لا يمكن تسميتها علمية فقط او ادبية فقط بل انها ثقافة من نوع خاص ثقافة ثالثة بازغة عن طريق اشراك جمهورهم الغير متخصص من خلال كتبهم الجماهيرية لكي ينال الجمهور القسط الكافي من المعرفة العلمية
وبدا المشتغلون بالجانب الادبي يتبعون في مسارهم تفكيرا يشابه التفكير العلمي فتجد في التاريخ مشتغلين بالجانب الانساني لديهم هذه النزعة من امثال دافينشي ومايكل انجلو حيث كان لاسهاماتهم اثر في الجانب الفني والعلمي
وهكذا ظهر جيل جديد من العلماء وادباء لديهم وعي كامل انهم الانسانيون الجدد الذين يشكلون الابداع الفكري والثقافي الحديث بمنظور ثقافي شامل يتجاوز منظور المثقف التقليدي في اخر النصف الاول من القرن العشرين
وضعنا الحالي وما نعيشه في العراق يظهر لنا المثقف للاسف باطاره التقليدي  لا زال يعيش عصر المكائن البخارية اذ لا جديد في كتاباته ولا ابداع ولا تمازج حقيقي مع الثقافة العلمية فتجد ابرز كتاب الجانب الادبي يقعون بابسط هفوات طالب العلم فتجد مثلا علي الوردي حين تصفح كتبه الكثير الكثير من السقطات العلمية او ايمانه ببعض العلوم الزائفة كالباراسيكولوجي وغيرها
حتى المثقفين الادبين الشباب ترى لديه امية علمية تجعله عاجزا عن احداث أي تغيير او أي تاثير في مجتمعه .بالفعل انها مشكلة عويصة تعاني منها الثقافة العراقية
يقول الزميل حسن مازن وهو احد هواة الثقافة العلمية الحديثة : اعتقد وبدون مبالغة ان ثقافة “الاتجاه العلمي” لا تعبر عن اي شخص بمجتمعنا حاليا .. حتى المتخصصين الذين يعتبرون انفسهم لهم اهتمام ثقافي فهم يعبرون عن اهتمامهم بكتابة الابوذيات والدرامي او باحسن الاحوال يكتبون مقالات سياسية بدل ان يقدمون منتجهم العلمي بلغة يفهما الناس .. نحن اليوم ليس لدينا مشروع علمي ولا اريدان اصبح قاسيا اكثر واقول انه ليس لدى المجتمع العراقي أي تفكير علمي حتى باكبر مؤسسات الدولة والمجتمع العلمية .. بحوثنا ودراساتنا واطاريح الدراسات العليا تدار وتوجه بطرق عشوائية كارثية جهود جبارة تبذل على لاشيء “.
وقد اصاب الزميل حسن مازن حينما ذكر مثال بيت الحكمة الذي يمتلك دعما ماليا قويا ولكن نتاجاته لا تساهم باثراء الثقافة العلمية ابدا بل ان المشتغلين به لا يبدون اهتماما هامشيا بالثقافة العلمية
للاسف هذا واقع حالنا ونحن نسعى لتسليط الضوء على هذا الجانب حرصا منا على بناء مجتمع متسلح بسلاح الثقافة الثالثة ثقافة المشتغلين بالجانبي العلمي والادبي الانسانيون الجدد فالعلم عند الحافة الان ونحن ابعد ما نكون على الحافة