ترجمة:حسن عبد
مراجعة:قارئ متتبع

أفضل وأفضل: مقابلة مع بيتر ديامانديس وستيفن كوتلر

بيتر هـ. ديامانديس هو المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة X Prize, ورئيس جامعة التفردية Singularity University وأحد مؤسسيها، وهو مستثمر متسلسل تحول للعمل الخيري، وأسس اكثر من اثني عشر شركة للتكنولوجيا الفائقة. حصل على شهادة في البايولوجيا الجزيئية وهندسة الطيران والفضاء من معهد ماساتشوستس للتقنية، وعلى شهادة طب من كلية الطب بجامعة هارفرد. وقد كتب كتابا جديدا بعنوان: “الوفرة: المستقبل افضل مما تعتقد”، مع الكاتب والصحفي ستيفن كوتلر الذي ظهرت مقالاته في أكثر من ستين صحيفة، بما فيها New York Times Magazine, Wired, Discover, Popular Science, Outside, Go, National Geographic.
تلقى هذا الكتاب ثناءا عاليا جدا، وكان لدى راي كيرزويل، المخترع والمستقبلي ومؤلف كتاب “التفردية قريبة”، أن يقول: “لا بد من قراءة هذا الكتاب الرائع الذي يقدم مفتاح الحقبة القادمة من الوفرة لتحل محل دهور من الندرة. يمثل ’الوفرة‘ ترياقا قويا للتوعك والتشاؤم في عصرنا الحاضر”.
وقد تلطف بي بيتر وستيفن بما يكفي للإجابة على اسئلتي عبر البريد الالكتروني:

* هل العالم يتحسن حقا؟
اذا تراجعت قليلا عن بحر الاخبار السيئة التي تهاجمنا هذه الايام، فما ستراه حينها فعلا هو الأسبقية للتيارات التي تتحرك في اتجاه مدهش. خذ الناحية الصحية مثلا: طوال القرن الماضي، تناقص معدل الوفيات للأطفال بنسبة 90%، بينما تلاحظ ان طول عمر الأنسان قد تضاعف. وحتى الفقر، الذي قد انخفض في فترة الخمسين سنة الماضية اكثر من الخمسمئة سنة الماضية كلها.
وعلى الصعيد العالمي، فالفجوة بين الدول الغنية والدول العاجزة تستمر بالإنغلاق. وبشكل عام، فنحن نعيش حياة اطول واغنى وافضل صحة. وبالتأكيد، يظل هناك ملايين من الناس يعيشون في فقر مدقع يقصم الظهر، ولكنهم يستخدمون تقريبا كل مقاييس جودة الحياة المعروفة—كالوصول للبضائع والمساعدات، الوصول لوسائل النقل، الوصول للإعلام، الوصول للتعليم، الوصول الى لأدوية وعمليات تنقذ الحياة، وسائل الاتصالات، مبادئ حقوق الانسان، اهمية المؤسسات الديموقراطية، المأوى الدائم، السعرات الحرارية المتاحة، الوظائف المتاحة، الطاقة التي في المتناول، وحتى الجعة معقولة الثمن—فخبراتنا اليومية آخذة بالتحسن على نطاق اوسع خلال القرنين الماضيين.

* لماذا لا نكون اكثر وعيا لهذه الاتجاهات الايجابية ؟
الجواب البسيط هو لأننا مربّطون hard-wired كي لا نلاحظ. وحيث أن أهم الأمور لدى الكائن الحي هو البقاء، فأدمغتنا تفضّل المعلومات التي تظهر التهديدات. وبالتالي، فنحن نتجه بصورة مركزة للأخبار السيئة حتى مع سعي الاخبار الجيدة للوصول إلينا. إن وسائل الأعلام مليئة فعلا بالأخبار السيئة—إن وُجد دم، وُجد خبر—لأنها تتنافس على أسر انتباه لوزة المخ.
إضافة لذلك، فللتعامل مع سيل المعلومات الجارف الذي يتم تجهيزه لحظة بعد لحظة، فقد عوّل دماغ الانسان على التخمينات في الإدراك. غالبا ما تنجح هذه الوسائل، ولكنها أحيانا تفشل، وحين يفشل نصِفُ ذلك بالانحيازات الإدراكية. كما يبدو، فالكثير من انحيازنا الإدراكي يبقينا متشائمين فعلا. فالانحياز السلبي هو الميل لأعطاء وزن اكبر للمعلومات والاخبار السلبية اكثر من الإيجابية، والانحياز التوكيدي هو ميلنا للبحث عن المعلومات او تفسيرها بطرق تؤيد افكارنا المسبقة—التي قد لا تكون سيئة في ذاتها—لكنك حين تضيف تركيز الاعلام على الاخبار السلبية، ستحصل عندها على وصفة لنكبة نفسية، وتستمر هذه القائمة. والنتيجة ستكون دماغا يصدق بأن النهاية باتت قريبة واننا لا نستطيع ان نفعل شيئا حيالها.

* ماذا تعني “بالوفرة” ؟
نعتقد أنه يمكن في العقدين او الثلاثة عقود القادمة أن ترتفع المعايير العالمية للمعيشة بشكل كبير، فالوفرة لا تعني تزويد كل شخص في هذا الكوكب بحياة من الرفاهية—بل تعني تزويد كل شخص بحياة من الإمكانية. وكي نكون قادرين على أن نحيا حياة كهذه، يتطلب ذلك تغطية الاساسيات ثم اشياء اخرى. وكذلك تعني الى حد ما إيقاف الخسائر البشرية التافهة: عبر اطعام الجياع، توفير الوصول الى الماء النظيف، القضاء على تلوث الهواء المنزلي، ومحو الملاريا—اربعة شروط تعالج تماما الظروف التي تقتل، بالترتيب، سبعة أفراد، ثلاثة أفراد، ثلاثة أفراد، وفردين كل دقيقة حول العالم. ولكن في النهاية، فالوفرة تدور حول خلق عالم من الاستطاعة: عالم يقضي فيه فيه كل شخص يومه بالحُلُم والفعل، وليس بالحكّ والكشط.

* ما الذي يجعلك تعتقد بان ذلك ممكن ؟
البيانات كبداية. فقد مشطنا خلال عقود من البحث، وأكوام من البيانات الصارمة، قابلنا العشرات من العلماء، المبتكرين، المهندسين والمحسنين، كما رأينا ايضا اربع قوى ناشئة بدأت بصنع وجودها المحسوس في العالم، لكنها سويا يجب ان تجعلنا قادرين على ان نصنع ما يعادل مئتي سنة من التقدم خلال مدة العشرين سنة القادمة.

* ما هي هذه القوى ؟
التقنيات الأسية: خلال العقود القليلة الماضية، وصل الباحثون الى استنتاج ان أي تقنية قائمة على المعلومات تتقدم وفق منحنيات النمو الاسي. وهذا هو السبب في ان الهاتف الخلوي الذي في جيبك هو بنفس قوة الحاسوب العملاق في أواسط السبعينات مقابل كسر بسيط من ثمنه. الى جانب تقنية الاتصالات، فالقوى الاسية تعمل في النظم الحاسوبية والشبكية، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، التقنية البايولوجية، المعلوماتية الحيوية، التكنولوجيا النووية، الواجهات بين الماكنة والبشر، وغيرها كثير. وسوف تمكّن هذه التقنيات قريبا الغالبية العظمى من البشر من تجربة ما كان للاثرياء فقط الحصول عليه. في كتابنا ’الوفرة‘، نتفحص كيف يتم (ويمكن) استخدام التكنولوجيا الاسية لتزويد سبعة مليارات من البشر بالماء النظيف، الطعام المغذّي، الاسكان معقول الثمن، التعليم الشخصي، الرعاية الطبية من الدرجة الاولى، الطاقة غير الملوثة والمتوفرة في كل مكان.
مبتكرو الـDIY : مبتكرو الـDIY هم مجاميع صغيرة أو شخصية، تدعمها التقنية الاسية، وتدفعها الرغبة في مواجهة التحدّيات الانسانية الكبرى. وكما نستكشف عبر الكتاب، فهذه المجاميع تمتلك الآن القدرة على الإمساك بالمشاكل التي كانت في نطاق الحكومات والشركات الكبرى والمنظمات غير الحكومية. وفي النتيجة، فنحن في الواجهة أمام ثورة الـDIY التي لا تشبه أي شي شهده العالم من قبل.
المحسنون التقنيون: هناك اليوم اكثر من 1,400 ملياردير و93,000 “صاحب ملكية صافية فائقة” في العالم. كثير من هؤلاء شباب، مستثمرون ذوو وعي اجتماعي عالي، صنعوا ثروتهم بواسطة التكنولوجيا وهم معنيّون باستعمالها للقضاء على بعض اكبر تحديات العالم. فبيل غيتس يكافح الملاريا، وجيف سكولّ يشارك في الحملة ضد الأوبئة، ويسعى بيير اومييدار لنشر الديموقراطية. وغيرهم الكثير، الكثير جدا. ندعو هذه الشخصيات بـ”المحسنين التقنيين”.
المليار الصاعد: هؤلاء هم اشد الناس فقرا على الارض، كانوا يسمّون بـ”المليار الأدنى”، وقد اعدنا تسمية هذه المجموعة بـ”المليار الصاعد” لأنه، وبفضل الانتشار المتسارع لتقنية الاتصالات والمعلومات (كالهواتف الذكية)، يتصل هؤلاء الناس بالعالم لأول مرة. فاصواتهم، التي لم تسمع من قبل قط، تنضم فجأة الى المحادثات العالمية. وعبر معونة هذه التقنيات، يبدأ المليار النامي بانتشال أنفسهم من الفقر. إنهم في طريقهم ليصبحوا شريحة مستهلِكة قوية وهامة للبشرية، وتسارع الكثير من الشركات لتطوير منتوجات بكلف منخفضة جدا كي تناسب احتياجاتهم. وستخفض هذه المحاولة أسعار البضائع والخدمات الأساسية بطريقة ينتفع بها الجميع. ولكن المليار النامي اصبح أيضا شريحة منتجة ومستهلكة من البشرية، منتجا افكارا، بصائر، منتجات وخدمات جديدة تضاف الى الثروة الإجمالية للأرض.

* لعلّي أرى أن كل هذا يمكن ان يبدو مبالغا فيه بعض الشيء، وعلى غير تماسّ مع بعض التحديات التي تواجهها الانسانية الان، هل تستطيع ان تعطيني مثالا صلبا حول اتجاه نحو الوفرة من غير المرجح ان ينعكس على الإطلاق ؟
خلال العشرين سنة الماضية، اصبحت التقنيات اللاسلكية والانترنت منتشرة، معقولة الثمن ومتيسرة لكل شخص تقريباً. وقد طفرت افريقيا جيلا تقنيا كاملا، متجاوزة الهواتف الأرضية التي تطرّز سماءنا الغربية نحو الطريق اللاسلكي. واليوم، لدى محارب الماساي الذي يحمل نقالا قدرات اتصالات افضل مما كان لدى رئيس الولايات المتحدة قبل 25 عام. واذا كان لمحارب الماساي القدرة للوصول لغوغل عبر هاتف ذكي، فسيمتلك القدرة للوصول الى معلومات اكثر مما استطاع الرئيس الامريكي قبل 15 مضت.
ومع نهاية 2013، سيكون بامكان اكثر من 70 بالمئة من البشر الوصول خلال لحظات، وبتكلفة قليلة، للاتصالات والمعلومات. بعبارة اخرى، فنحن الان نعيش في عالم من الوفرة في المعلومات والاتصالات.
وبالنسبة لنقطتك المحددة—فقد تراجع الفقر في الخمسين سنة الماضية اكثر من الخمسمائة سنة التي قبلها. وأحد الاسباب الرئيسة هو الوفرة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. فوفق البحث الذي تم في مدرسة لندن للأعمال، فإن إضافة عشر هواتف خلوية لكل مئة شخص ترفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6%. واقتباسا من الكاتب التقني نيكولاس سوليفان في هذه المسألة: “إستقراءاً من أرقام الأمم المتحدة حول تقليص الفقر (فنمو 1 بالمئة من الناتج المحلي الأجمالي ينتج 2 بالمئة في تقليص الفقر) فإن النمو بنسبة 0.6 بالمئة سيحد من الفقر بنسبة 1.2 تقريباً. وبالنظر إلى 4 مليارات شخص يعيشون الفقر، يعني هذا أنه مع كل عشر هواتف خلوية جديدة لكل مئة شخص، فإن 48 مليون شخص سوف يخرجون من حد الفقر.

* إذن هل تثق بأن من المضمون للمستقبل أن يكون أفضل مما يعتقد أي شخص؟
لسنا سذّجا لدرجة أن نعتقد أنه لن تواجهنا مطبّات على طول الطريق، فالبعض منها ستكون مطبّات كبيرة: كانهيارات اقتصادية، كوارث طبيعية، هجمات إرهابية. وخلال هذه الأوقات، سيبدو مفهوم الوفرة بعيدا، غريبا، وحتى بلا معنى، لكن إذا كان التاريخ دليلنا، فسنواصل التقدم خلال الأوقات الجيدة والسيئة.
فعلى سبيل المثال، شهد القرن العشرين تقدما لا يوصف ومآسي لا تروى، فقد أودى وباء الإنفلونزا عام 1918 بحياة خمسين مليون شخص، وتسببت الحرب العالمية الثانية بقتل ستين مليون شخص آخر. كانت هناك موجات تسونامي، أعاصير، هزات ارضية، حرائق، فيضانات، وحتى ضربات جراد. ورغم هذه المشاكل، فقد شهدت هذه الفترة ايضاً انخفاض معدل وفيات الأطفال الرضّع بنسبة 90%، انخفاض معدل وفيات الأمهات بنسبة 99%. وإجمالا، فقد ازدادت ايضا مدة حياة الإنسان لأكثر من 100%.
وهكذا فرغم احتمال حدوث الكثير من الانقطاعات المفاجئة الخشنة هنا وهناك، فنحن نشعر أنه عبر الاستغلال السليم للموارد ورأس المال، يمكن لمستويات المعيشة العالمية أن تواصل التحسن بصرف النظر عن الهلع الذي يهيمن على عناوين الصحف.

* ماذا تأمل أن يدرك الناس من قراءة كتابك؟
أولا الأمل. فأنت لا تستطيع تغيير العالم إن لم تؤمن بأنه قابل للتغيير.
وثانية الرؤية وخارطة الطريق: وسيلة لتحمل مخاطر أكبر، صناعة ثقافات جديدة، والتركيز على حل المشاكل بدل التذمر منها.
والأهم من ذلك، فنحن نريد أن يعرف الناس أن الأفراد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يستطيعون الآن العمل معا لحل التحديات الكبيرة. فنحن لا نؤمن بأن الوفرة تحدث تلقائيا، بل الأمر منوط بكل فرد منا. وهذا ما يجعل عصرنا هذا مختلفا. إننا نواجه مشاكل هائلة، ولكننا كأفراد نملك القوة الهائلة كي نحلها، إنه حقا عصر سحري.

ترجمة: Hassan Abed
مراجعة: قارئ متتبع