هل المادة ممكن ان تتجزيء. سؤال طرح في القرن الخامس قبل الميلاد , ومثل حالة صراع بين مدرستين فلسفيتين, المدرسة الاولى هي مدرسة ديمقراطوس (الفيلسوف الاغريقي)و التي طرحها 430 ق.م والتي افترض فيها ان المادة تتجزيء الى ان تصل الى حد الذي لا تتجز عنده , و اطلق عليه تسمية الذرة (atomous) وتعني الجزء الذي لا يتجزء , و منها اشتقت تسميتها الانكليزية (atom) , لكن ديمقراطوس فسر الذرة تفسيرا محتلفا عن التفسير الذي يسره العلم الحديث و الفيزياء , حيث انه فسر مفهوم الذرة تفسيرا فلسفيا اقرب منه الروحانيات من الوصف العلمي, الا انه رغم ذلك يعد اول من طرح مفهوم الذرة.

المدرسة الثانية هي مدرسة فيلسوف اغريقي اخر كان متزامن مع ديمقراطوس اسمه انبادوقليس , و هذه المدرسة هي اكثر داينميكية من الاولى , رغم ان الاولى كانت الانسب فلسفيا من الثانية , و بحث ما طرحته علميا و فكريا اكثر مما طرحته مدرسة انبادوقليس, تفترض هذه المدرسة ان المادة تستمر بالتقسيم و لا تنتهي عند حد معين. استمر هذا الجدل و الصراع لاحقا, الا ان كفة مفهوم الذرة كانت الارجخ نسبيا, و من وجهة نظري ان كلتى المدرستين , تضمنتا بعضا من الصواب النسبي , فالذرة هي اصغر جزء من المادة, لكن الذرة بحد ذاتها قابلة للتقسيم.

تعزز مفهوم الذرة اكثر في عام 1813 م عندماطرح جون دالتون ( عالم الكيمياء الانكليزي)النظرية الذرية في الكيمياء و التي تفترض ان الذرة هي اصغر جزء في العنصر الكيميائي, وظل الامر قائما على ان الذرة هي اصغر وحدة في المادة الا ان اكتشف جوزيف جون تومسون الالكترون في عام 1897 م من خلال الاشعة الكاثودية و لم يعرف موقع هذا الالكترون من الذرة لكن كان اول جسيم صغير اصغر من الذرة يتم اكتشافه لكن الاهم جاء لاحقا باكتشاف ارنست رذرفورد( العالم النيوزلندي) البروتون و طرحه نموذجا ذريا مقبولا على ضوء نظرية الكم التي اسسها ماكس بلانك عام 1900 م و التي بدورها اسست الفيزياء الحديثة و تفترض ان الجسيمات تكون على نوعين جسيمات مادة وهي تمتلك كتلة و اكمام طاقة (وهي جسيمات افتراضيةلا تمتلك كتلة لكنها تمتلك مستوى طاقة و ترف بحوامل الطاقة) , حيث قام ارنست رذرفورد باكتشاف مكونات الذرة من خلال اكتشاف البروتون بعد تجربته الشهيرة التي قام من خلالها بقذف صفائح الذهب بسيل من الاشعة الكاثودية (الالكترونات) و طرح نموذج الكواكب الذري الشهير, و تنبأ بوجود النيوترون.

بعد ذلك تراس رذرفورد الابحاث التي ادت الى اكتشاف النيوترون من قبل تلميذه جيمس جادويك, و كان اكتشاف النيوترون قد تم في عام 1932 م , و قبل ذلك بسنة اكتشف ويلفغانغ باولي (عالم الفيزياء النمساوي و احد مؤسسي نظرية الكم), اصغر جسيمات المادة حيث كان يقوم بدراسة اشعة بيتا و لاحظ استمرار انبعاث طيف الطاقة الناجمة من تحلل جسيمات بيتا, وافترض انها تمثل جسيمات مادة لايمكن تحديدها الا انه لم يعرفها فيزيائيا بما فيه الكفاية, الا ان هذا الجسيم عرف من قبل العالم الامريكي ذو الاصول الايطالية انريكو فيرمي حيث طرح معادلة رياضية تضمنت الجسيم الذي اكتشفه باولي حملت عليه بموجب تلك المعادلة طاقة مفقودة و اطلق عليه فيرمي اسم النيوترينو تصغيرا للنيوترون المتعادل الشحنة و كان ذلك في عام 1933 م اي بعد سنة من اكتشاف النيوترون,و استمرت الابحاث حول كنه المادة , و كان تواصل هذه الابحاث ادى الى اكتشاف القنبلة النووية عل يد جوليوس روبرت اوبنهايمر ضمن مشروع مانهاتن الذي حدث خلال فترة الحرب العالمية الثانية في اربعينات القرن المنصرم و التي كانت فيها المرة الاولى التي يتم فيها تحويل الكتلة الى طاقة وفقا لما افترضته فرضية تكافيء الكتلة و الطاقة التي طرحها البرت اينشتاين ضمن النظرية النسبية الخاصة في عام 1905 م و التي تنص على ان الطاقة = الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء, و توالت الاكتشافات ففي عام 1963 م اكتشف موريجيلمان و جورج زوايغ الجسيمات التي تتالف منها البروتونات و النيوترونات و التي تؤلف نواة الذرة , حيث قامو بضرب البروتونات بالنيوترونات فلاحظو ان البروتونات و النيوترونات تتالف من جسيمات اصغر اطلقو عليه الكواركات و هي تسمية مبهمة اخذت من رواية وليمة تائبين فيغانيه للروائي الايرلندي جيمس جويس , و التي تعني ثلاث كزاركات للسيد مارك,و الكوارك هو ما اعتبر الجسيم الذي لا يتجزء, و تعززت ابحاث جيلمان و زوايغ من خلال ابحاث ديفيد غروس و فرانك فوليتشك و ديفيد بولتزر الذين اكتشفو معلومات هامة عن الكواركات و شحنتها و طبيعتها اللونية و كان اهم ما اكتشفوه هو حركتها , و هناك البريونات مكونات الطاقة الاساسية التي تتالف منها الكواركات , و هناك جسيمات اخرى تقع خارج نواة الذرة مثل الميون و التاو , بالاضافة الى جسيمات وسطية مثل بوزونات هيغز التي يعتقد انها تولد مجال هيغز الذي تتفاعل معه جسيمات المادة حتى تكتسب كتلتها , و هناك بوزونات غولدستون مولدات انكسار التنتظر التلقائي الذي يحدث عند حدوث تغير طوري في الفيزياء يؤدي الى تولد جسيمات جديدة و مستويات طاقة جديدة, و هكذا فان الابحاث لا تزال متواصلة حول جسيمات المادة و تفرعاتها بشكل يوضح الصحة النسبية للمدرسة التي تقول ان الذرة اصغر جزء من المادة و هو صحيح كيميائيا(الذرة اصغر وحدة في العنصر الكيمياوي) , و المدرسة التي تقول ان المادة تستمر في التجزوء وهو مقبول فيزيائيا