العلم حسب رأي ريتشارد فينمان هو “أن كلمة العلم تستخدم عادة لتعني واحدا من ثلاث معان، أو مزيجاً منها، فالعلم يعني أحيانا منهجا معيناً لاكتشاف الجديد، وهو يعني أيضا كم المعرفة الذي ينتج عما كشف، وقد يعني الجديد الذي يمكن أن يتحول إلى تكنولوجيا”.

العلوم الحقيقة
ونحن ألان بصدد التكلم عن العلم كما وصفه فينمان، فالمنهج العلمي والذي هو احد معان كلمة “العلم” فهي الطريقة التي نستسقي بها المعرفة، والمنهج الأكثر رصانة هو “قابلية الاختبار والتكذيب” للفيلسوف وعالم الرياضيات كارل بوبر، وكل ما يقبل الاختبار والملاحظة بكل وسائل الملاحظة البشرية ممكن أن يوصف ب”العلمي”، وما لا يمكن ملاحظته أو اختباره هو بالحقيقة “غير علمي”.
وفي جميع الأحوال ما نصبو إليه كبشر هو كل ما يعود علينا بالفائدة، وكل ما هو علمي هو ذو فائدة لنا، حتى الأسلحة، بعيداً عن التنظيرات الأخلاقية والفلسفية، كل ما طورت سلاحك، طورت معه سبل دفاعك ضد الأعداء، وطورت سبل حصولك على القوة، والحرب العالمية الثانية ليست ببعيدة، وما كانت هذه الحرب لتنتهي لولا القنبلة النووية، وكذلك بتطوير الأسلحة يدفع باقي الشعوب لتطوير أساليب وتقنيات دفاعها فهو يدفع كذلك إلى الإبداع.
وقد يعني العلم هو كل شيء تم اكتشافه عن طريق استخدام المنهج العلمي لبوبر، فأي معرفة من الممكن أن تصل ألينا عن طريق اختبار النظريات ومراجعتها علمياً من الممكن أن نطلق عليه علم، أما غير ذلك فلا يمكن أن نطلق عليه وصف “علم”.
وتارة أخرى يصف فينمان العلم بما ينتج من معرفة من الممكن أن تتحول إلى تكنولوجيا، إي يقيد الوصف الثاني. فالوصف الثاني جاء مطلق لكل شيء يتم الكشف عنه بواسطة المنهج العلمي أما الوصف الثالث لكلمة العلم فهو ليس كل شيء يتم الكشف عنه وإنما ما يمكن تحويله إلى تكنولوجيا فقط. وكرأي شخصي لا اتفق مع فينمان بهذا الوصف لكلمة العلم؛ فهنالك المئات من الاكتشافات التي لا يمكن أن تتحول إلى تكنولوجيا ومع هذا فهي تخضع للمنهج العلمي ومفيدة للبشرية، مثل اكتشاف نوع جديد من النباتات تحتوي على مركب من الممكن أن يقضي على بعض الأمراض التي لم نكتشف لها علاج إلى ألان، أو اكتشاف نوع جديد من الحيوانات، أو حتى احفورة تكشف لنا البعض من تاريخ أسلافنا، وقد أكون على خطأ.

لنترك فينمان وشأنه ولنتكلم عن العلم من وجه نظر الشخص العادي وخصوصاً نحن ألان نعيش في عصر العلم، حيث لا شيء يضاهيه. ومن يملك معلومة إضافية يمكنه أن يعيش بنسبة تفوق اقرأنه ممن لا يملكونها بأضعاف. أما من ناحية المجتمعات فأن المجتمع الذي يمتلك أفراده معرفة علمية هو بلا شك مجتمع متحضر، والمعرفة هي جزء من العلم. ولكن عادة ما يكتب العلماء والمفكرين نتاجهم الفكري بلغة صعبة على العامة، والعامة هم الغير متخصصين بالعلم، لذلك لابد أن تبسط علومهم إلى لغة بسيطة مفهومة لتقريب أفكارهم إلى ابسط العقول، وخصوصا الأطفال، لبناء مجتمع متحضر وأجيال واعية بما يدور حولها من أحداث ومعرفة، وان تكن بسيطة، بكيفية عمل الأشياء.
ونتيجة لجهود الإفراد الذين يحملون على عاتقهم تبسيط العلم إضافة إلى التقدم التقني الذي ابهر الغير متخصصين والمتخصصين على حد السواء، نلاحظ ازدياد في عدد المهتمين بالعلم، ولكي لا أبالغ في التفاؤل لنقول أنها زيادة في المجتمعات الغربية وزيادة نسبية في المجتمعات العربية وسوف أعود لأذكر أسباب عدم اهتمام المجتمع العربي للعلم وللثقافة العلمية فيما بعد.
وفي العلم إرضاء لفضول العامة حول كيفية عمل الأشياء، وكذلك تفسيرات العلماء التي تخضع للمنهج العلمي وقد ثبتت مصداقيتها على حساب التفسيرات التي تتبع بقية المناهج الغير علمية مثل التفسيرات الدينية والتنظير الفلسفي أو ما تسمى ب”الشطحات الفلسفية”، فتلك المناهج في الغالب تعتمد على مشاعر الإنسان وحدود وعيه الضيق، فتصور للبعض الواقع كما يتمنون وليس كما هو موجود في الحقيقة، على العكس من العلم الذي يخبرنا بالواقع كما هو موجود. وكما يقول عالم الفلك الأمريكي نيل ديغراس تايسون “الشيء الجيد في العلم هو انه حقيقي سواء صدقته أم  لم تصدقه”.
والعلم في العادة لا يبحث عن أعداء أيديولوجيين، بل على العكس من يؤمن المناهج الأخرى هو من يعادي العلم، ويرجع سبب هذا إلى قلة الوعي والثقافة العلمية، وهدف مبسطي العلم هو رفع مستوى الثقافة العلمية لكي يفهم العلم بصورته الحقيقية فيقل العداء. وهنالك فئة ارغب بأن أطلق عليهم “الدجالين” فهم يستخدمون كلمات توحي بأن ما ينشروه تم فحصه علمياً ومن قبل الخبراء لكي يحققوا مكاسب مادية بالدجل. ومنهم أصحاب كتب التنمية البشرية الذين يستخدمون كلمات مثل “طاقة، شعاع، مخزون، قوة، الكم، النسبية” وغيرها من الكلمات ومع السرد الإملائي المرتب لكي يخدعوا الناس بكلامهم المعسول، والكارثة هنالك الكثير ممن يصدقون ما يكتب هؤلاء الدجالين المتأنقين.
ومثال أخر للدجالين هم من يضع كلمات علمية للدفاع عن السخافات والهراء الذي ورثه من أقاربه، فيكتب مثلاً “قام مجموعة من العلماء باختبار ص وتم التأكد من فائدته”، أو “ص شيء علمي باتفاق جميع العلماء” دون ذكر مصدر موثوق لما يدعيه. ومنهم من يخترع اسم مؤسسه ليس لها وجود ويقول هذه المؤسسة تدعم ما أؤمن به. فكل ما ذكر يوضع في خانة الدجل، وان كان قصد المدعي الدفاع عن معتقد يؤمن به أو ما إلى ذلك، فكما يقول كارل ساغان “العلم ليس مثاليا، غالبا ما يساء استخدامه، مجرد أداة، لكنه أفضل أداة متوفرة لدينا. تصحح نفسها، دائمة التغير، وبها يمكن تحقيق المستحيل”.
وقد ذكرت سابقا بان العلم يكتب بلغة أجنبية لذلك يحتاج العلم ليس فقط إلى التبسيط، بل أيضا إلى ترجمة. فاغلب الأعمال العلمية تحضر في دول أجنبية، لذلك تحتاج إلى أشخاص يترجمون هذه الأعمال إضافة إلى تبسيطها، والمترجمين لهم دور مهم ومفصلي في نشر الثقافة العلمية باعتبار أن الترجمة هي العامود الأساس في نشر وتبسيط العلوم. ولذلك على المترجمين اتخاذ عدة تدابير لنقل المحتوى العلمي بأمانة، منها التأكد من مصدر كل معلومة قبل الشروع بترجمتها، وكذلك التأكد هل البحث أو الخبر العلمي تمت مراجعته علمياً أم لا، وحسن اختيار الأخبار العلمية والمعلومات حسب مدى أهميتها وكذلك بساطتها، وقبل كل شيء التمكن من اللغة التي كتب بها الخبر لان الأخطاء في الترجمة قد تؤدي إلى معنى مغاير لما في النص الأصلي، ومن خلال ما ذكر سابقاً نرى مدى أهمية المترجمين في مجال نقل وتبسيط الثقافة العلمية.

وسوف أتطرق ألان إلى معوقات انتشار العلم في المجتمع العربي، واذكر منها:

أولا: غياب الدعم الحكومي والإعلامي وعدم الاهتمام بنشر الثقافة العلمية، وفي المقابل نلاحظ اهتمام مبالغ فيه من قبل نفس الجهات بفروع أخرى غير ذات أهمية مثل الشعر، فماذا يمكن إن يستفاد المجتمع من الشعر والشعراء؟، غير السرد الكلامي الذي لا طائل منه. ولا أقول يجب إن يفنى الشعر من الساحة، بل يجب الاهتمام يقل في الشعر وفي المقابل رفع الاهتمام بالعلم؛ لكون العلم هو من يرفع الشعوب ويذلها لا السرد الكلامي. فيجب على الحكومة والإعلام البدء في بث برامج علمية ونشر مقالات علمية في الصحف بدل الأبراج والخرافات المجتمعية.

ثانيا: العائق الآخر لنشر الثقافة العلمية في المجتمع العربي هو محاربة العلوم من قبل من يفضلون إجابات بسيطة ترضي معتقداتهم الدينية ويرفضون الحقائق العلمية، لكون العلم وكما ذكرت أنفا ينقل الواقع كما موجود وليس كما تتمنى إن يكون، فعدد كواكب المجموعة الشمسية 8 كواكب وليس 11 كوكبا كما يعتقد الكثيرون، والإنسان والقرد يشتركان بسلف مشترك ولم يكن سلفه ادم الذي خلق من طين وحوا التي خلقت من ضلع ادم، فعندما يصطدم الدين مع العلم في مسألة ما، علينا إن نعيد التفكير في الرأي الديني، لا في الرأي العلمي. فالعلم مبني على دليل ومسند بالتجارب والأبحاث، أما الدين فهو ظني ويعتمد على التصديق بدون دليل.

ثالثاً: أما العائق الثالث فيكمن في أفراد المجتمع البسيطين، فالكثير من أفراد المجتمع العربي ينقصهم الوعي والمعرفة، فنحتاج إلى محو الأمية العلمية وتثقيف الأفراد بأساسيات العلوم قبل البدء بنشر الثقافة العلمية وأخر اكتشافاتها، وهذا فقط يحتاج إلى عقود والى البدء مع الأجيال التالية من الصفر، لكي يتم.

وفي الختام يجب إن اذكر بان فائدة العلم ليست فقط على مستوى المجتمعات، بمعنى الفائدة العامة حيث ارتبط العلم بعصر الوفرة، بالعلم قام الإنسان بتوفير كل شيء وهذا عكس العصور السابقة. كما للعلم فائدة فردية، فالعلم يغير من أسلوب تفكير الأفراد، كما يحسن من نظرتهم إلى الأشياء والأشخاص الآخرين مهما اختلفوا معه في التفكير أو العادات؛ وذلك بفهم كيفية حدوث التنوع الفكري لدى الأشخاص وما هي المؤثرات التي تحدد شخصية الإنسان. كل ما ذكر أعلاه هو رأي شخصي، لربما يختلف البعض مع كل ما كتبته، أو بعضه، فاختلاف الآراء لا يفسد للود قضية.

 

كتب المقال بالاعتماد على:

  • العلم والحقيقة – ريتشارد دوكينز
  • حالة الإنسان الآلة – بردان اللنبي ودانيال سواريتز
  • تأملات علمية – أسامة أبو حليمة