الايثار ودوافعه الحقيقية في العلم . في شهر كانون الاول المنصرم قام مؤسس موقع فيس بوك مارك زوكربرگ وزوجته برسيلا چان بالاعلان عن ولادة ابنتهما، ومع هذا الإعلان تعهدا بالتبرع بـ ٩٩٪‏ من حصصهما في فيس بوك للأعمال الخيرية ويكون هذا التبرع على طول حياتهما. نال هذا القرار الاشادة بسبب الإيثار اما النقد الذي وقع عليه فكان حيث تسائل الناس عن الدافع الحقيقي لزوكربرگ وراء هذا القرار وما اذا كان هذا مجرد حركة للخلاص من دفع الملايين كضرائب. بالطبع، قد لا يعرف العالم ما اذا كان نية هذا الفعل الصادر من الأبوين خيري او لا.

الايثار ودوافعه الحقيقية في العلم

حتى الان، بحث جديد نشر في Science اعتمد على مراقبة كيف تتفاعل مناطق مختلفة من الدماغ، فانه من المحتمل التكهن اذا ما كان التصرف الإيثاري يكون صادر بسبب التعاطف او بسبب المعاملة بالمثل- ” انت تحك ظهري، الان انا سأحك ظهرك”. ” ان لوظائف الخلايا العصبية بصمات في دوافع تلك الأفعال”، ارنست فهر، أخصائي الاقتصاد السلوكي في جامعة زيورخ والباحث الرئيسي في تلك الدراسة. “إن المفهوم الكامل للدافع هو مفهوم ذهني والذي لا تستطيع مراقبته بشكل مباشر، ولقد كنّا قادرين على جعل هذا مرئي”.

وجد الباحثون ان مراقبة سلوك شخص ما او نشاط مناطق معينة من دماغه لا يكشف شيء عن الدافع وراء قراراته الإيثارية. لكن، الطريقة التي تتواصل و تتفاعل فيها تلك المناطق تختلف بشكل ملحوظ يعتمد على ما اذا كان قرار هذا الشخص كان بدافع التعاطف او بدافع المعاملة بالمثل. علاوة على ذلك، الانانية والإيثار او المعاملة بالمثل تعالج بطرق مختلفة داخل دماغ الانسان: الناس الإنانيون يقومون بأعمال إيثارية اكثر عندما يكون دافعهم مبني على التعاطف وليس المعاملة بالمثل، اما الناس المانحون يقومون بأعمال إيثارية اكثر عندما يكون دافعهم المعاملة بالمثل لا التعاطف.

قام فريق الباحثين في البداية بتعيين مشاركي مجموعة واحدة من مجموعتين بشكل عشوائي: مجموعة دافعها التعاطف و مجموعة دافعها المعاملة بالمثل. في المجموعة الاولى كل مشترك يراقب شريك له يتلقى صدمات الم (هذا الشريك متعاون مع الباحثين) وهكذا يحفز التعاطف. اما في المجموعة الثانية فان المشترك يراقب شريكه يعطي المال لتجنب الحصول على صدمات الالم، وهكذا تحفز مشاعر المعاملة بالمثل حيث يشعر المشارك بالالتزام تجاه الشريك. في كلا الحالتين فان المشترك لديه أيضاً شريك ثاني محايد والذي يستعمل كمقياس للمقارنة (متحكم).

بعد ذلك قام الفريق بتسجيل سلوك المتطوعين وردود افعال أدمغتهم. وقاموا بتصوير ادمغة المشاركين باستعمال جهاز الرنين المغناطيسي (التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي) (fMRI) بينما يقوم المشاركون بمهمة تخصيص المال بينهم وبين احد الشركاء- شريك التعاطف، شريك المعاملة بالمثل او الشريك المحايد. كان ممكن للمشارك الاختيار بين تعظيم المردود المالي للشريك من حسابهم الخاص (سلوك مانح) او تعظيم مردوده المالي على حساب الشريك (سلوك اناني). اما القرار الذي اتخذوه عند مواجهة الشريك المحايد تم استعماله كخط أساس او تصرف غير مشروط للمقارنة وذلك لعدم وجود الدافع المحفز في هذا السيناريو.

وجد الباحثون ان المشاركين وبغض النظر عن المجموعة التي كانوا فيها، فهم يظهرون نفس السلوك الايثاري: حيث قام المشاركون باتخاذ قرارات إيثارية بدافع التعاطف او المعاملة بالمثل بشكل اكثر مقارنة عند تعاملهم مع الشريك المحايد (المتحكم)، حيث لا يوجد اي دافع. علاوة على ذلك، فان صور الفحص بجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أظهرت شبكة نشاط دماغية بين القشرة الحزامية الامامية (anterior cingulate cortex) والقشرة الجُزيرية (anterior insula) والبطني المخطط (ventral striatum) وهي مناطق في الدماغ وجد سابقاً ان لها ارتباط مع التعاطف والمعاملة بالمثل.

لكن الباحثون وجدوا فروقات معنوية عندما قاموا بتحليل التفاعل والتواصل بين تلك المناطق الدماغية باستعمال نموذج السببية الديناميكية، الإطار الاحتمالي لاستنتاج البنية العصبية المخفية والتي تمثل الأساس لنشاط الدماغ. ان نشاط الشبكات الدماغية عند سلوك الإيثار بدافع التعاطف و خط الأساس للايثار كانت متشابهة: كلاهما تميزا بالتواصل الإيجابي من القشرة الحزامية الامامية (anterior cingulate cortex) والقشرة الجُزيرية (anterior insula). بالمقابل فان النموذج المحايد لسلوك الإيثار بدافع المعاملة بالمثل كان يمتاز بالتواصل الإيجابي بين مناطق والقشرة الجُزيرية (anterior insula) والبطني المخطط (ventral striatum). لذلك وبالرغم من ان الدافعين (التعاطف او المعاملة بالمثل) أسفر عن نفس السلوك، الا ان كل واحد منهما نشط نموذج مختلف من الاتصالات العصبية.” تلك الاختلافات قوية كفاية لان تستخدم في تصنيف المحفز”، أضاف گرت هين الأخصائي النفسي في U.Z.H الباحث الرئيسي لتلك الدراسة. في الحقيقة، هين و فريقها كانوا قادرين على استخدام بيانات الدماغ للمشاركين بنسبة دقة تصل الى ٨٠٪‏.

اخيراً، أراد الباحثون اختبار اذا ما كان ممكن تصنيف الناس الى اناني او مانح من خلال الاستجابة المختلفة للمشتركين  في مهمة تخصيص المال لحافز التعاطف او المعاملة بالمثل. قاموا بتنظيم المشاركين ضمن مجموعتين جديدتين، استناداً الى عدد المرات التي اتخذوا فيها قرار اناني او ايثاري عند اعطائهم المال للشريك المحايد المتحكم، بعدها قاموا بدراسة تأثير الدافعان على كل مجموعة. ولقد وجدوا ان حافز التعاطف يُزيد من مشاعر الإيثار عن الناس الأنانيين لكن ليس عند الناس المانحين. في غضون ذلك، وجدوا ان حافز المعاملة بالمثل يزيد من مشاعر الإيثار عند الناس المانحين ولا يوجد له اي تأثير على الأنانيين. ” انها نتائج طيبة” قال سندري هاچرسون الأخصائي النفسي من جامعة تورونتو والذي لم يكن جزء من تلك الدراسة. ” انها تقترح اذا كنت تريد ان تزيد السخاء عند الناس- سواء كنت منظمة خيرية تحاول ان تجمع المال او لأنك تعتقد بان السخاء شيء جيد بشكل عام- فإنك تحتاج لان تعرف طبيعة جمهورك وما طبيعة الدوافع التي يتصرفون وفقها، والسبب ان ذلك سيخبرك اي الاستراتيجيات الأكثر نجاحاً يجب ان تتبع.

سابستيان گلوث، أخصائي نفسي من جامعة باسل والذي لم يكن جزءا من تلك الدراسة، اعتبر ان هذا سيكون تطبيق قوي خصوصاً للـ التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. حيث ان التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) يوفر معلومات عن النشاط في مناطق الدماغ المختلفة، فان الباحثون قاموا بما هو اكثر من ذلك عن طريق الدمج بين نموذج احتمالي معقد مع خوارزمية تصنيف لتقييم كيف تتواصل تلك المناطق من الدماغ. ” انها طريقة رائعة لإظهار ان استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لا يقتصر فقط على البحث عن المناطق الفعالة والغير فعالة في الدماغ” قال گلوث. “في المستقبل سيكون هنالك الكثير من المعلومات عن كيفية التفاعل بين تلك المناطق. هنالك احتمالية كبيرة جداً لاكتشاف ومعرفة الكثير عن ذلك التواصل بواسطة استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي”.

كذلك اتفق هاچرسون على الاحتمالية المستقبلية لذلك النوع من البحوث، مراقبة هذه الدراسة، عن طريق تحليل التواصل بين اجزاء الدماغ عندما يقوم يشخص باتخاذ قرار ايثاري، ان ذلك يخبرنا نصف القصة فقط. قياس التواصل اثناء اتخاذ قرار اناني ممكن ان يكشف عن هذا الامر بشكل متساوي. عند شخص واحد، بعد كل ذلك، في الغالب فان اتخاذ قرار انانية او سخاء  يعتمد على  عوامل مختلفة، تتضمن كم يكلف الانسان ليكون سخي او كم يصل الى الشريك من ذلك السخاء في النهاية.

الباحثون الان يخططون لاتخاذ خطوات متقدمة لتعميم نتائجهم عن طريق دراسة الدوافع الاخرى للسلوك الايثاري، مثل الرغبة بالتصرف الاخلاقي، الاستفادة من مبدأ تبادل المنفعة في المستقبل او للمحافظة على السمعة. هين عبر عن اهتمامه في معرفة ماذا سيحدث اذا تم تحفيز عدة دوافع في وقت واحد- وهي حالة ممكن ان تشبه بشكل كبير ظروف الحياة الحقيقية.

كما ان تلك القياسات للتواصل بين اجزاء مناطق في الدماغ لا تخبرنا اي شيء عن خط الأساس لميل الشخص تجاه الإيثار او الانانية، ” سوال واحد مهم جداً، على افتراض عدد المنافع المرتبطة مع السلوك المانح، هو كيف ان الأشخاص الذين يكونون كرماء او أنانيون بشكل أساسي يصلون لتلك المرحلة ،” قال هاچرسون. “أهو شيء متعلق بالاختلافات الجينية؟ او يتعلق بالتدريب او التعليم؟”.

لمتابعة الإجابة عن كل تلك الأسئلة، اقترحت اختبار اجزاء اخرى من الدماغ، مثل منطقة temporoparietal junction, هي منطقة مرتبطة بالوعي الذاتي والتعاطف. “نحن الان عند بداية هذا اللغز، وتلك الدراسة اضافت قطعة واحدة، وفي نفس الوقت بينت كم هو كبير هذا اللغز،” هاچرسون. ” انه ليس لغز لخمس سنوات، انه لغز متكون من آلاف القطع وايس فيه اي قطع للحافة. هنالك الكثير من الغموض هنا، وأنها مهمة جدا لظروف الانسان”.

 

http://www.scientificamerican.com/article/what-s-your-real-motive-for-being-altruistic/