المخلوقات الفضائية تعتبر شيئاً شائعاً جداً في الثقافة مقارنة بالكائنات التي من المفترض ان تكون غريبة على الثقافة الانسانية. تستطيع ان تجد إشارة اليها في جميع انواع السياقات الثقافية، من كتب، روايات الخيال العلمي ونظريات المؤامرة الى أفلام هوليوود البرامج التلفزيونية التي يعاد بثها. هنالك سوبرمان ودكتور هو، اي تي وصديق مندي فورك، مستر سبوك، ايلف، كانگ و كودو و بلدي المريخ المفضلة. بالطبع، هنالك فقط عقبة واحدة: كل تلك الشخصيات مجرد ابطال في قصص خيالية. لحد الان، لا توجد كائنات حقيقية اظهرت لنا وجهها في عالمنا الحقيقي الارض- او حتى لم نستلم منهم اتصال هاتفي، رسالة او تغريدة حتى. كما طرح ذلك الفيزيائي الايطالي انريكو فيرمي (Enrico Fermi) تسائله في احد النقاشات قبل اكثر من ستين سنة قائلاً: ” اين هم؟”.

السؤال العلمي بخصوص وجود حياة ذكية خارج الارض لايزال موضوعاً للتفكر وفق مفارقة فيرمي: الكون شاسع وقديم، إذن لو كانت هنالك حضارة متقدمة فإنها الان أصبحت ناضجة بما فيه الكفاية لارسال مبعوثيها الى الارض. لم يحدث ذلك الامر لحد الان، اعتقد فيرمي ان ذلك لم يكن ممكناً لهم او انهم اعتقدوا ان زيارة الارض لا تستحق ذلك العناء. اخرون استنتجوا بكل بساطة ان الكائنات الفضائية غير موجودة. أبحاث حديثة بينت ان البيئة القاسية ربما قضت على اي حياة ناشئة خارج الارض قبل ان تتطور الى حياة ذكية قادرة على إرسال رسائل او السفر عبر الفضاء.

لم تكن بداية  اهتمام الانسان بوجود زائرين من خارج كوكب الارض مع سؤال فيرمي هذا. كذلك تخيل العوالم الاخرى، او أشكال حياة ذكية اخرى تستوطن الارض لم تبدأ مع ظهور العلم الحديث. ففي العالم القديم، ناقش الفلاسفة مسألة تعدد الأكوان؛ في العصور الوسطى السؤال كان “تعددية العوالم” وإمكانية وجود مستوطنين للأرض شغلت تفكير الفلاسفة، ولدت تلك الفكرة نقاشات فلسفية، جدلية، معقدة وايضاً نقاشات نظرية فلكية. بالرغم من الانشغال العلمي الحديث بتلك المسألة، تبقى مسالة البحث عن حياة خارج الارض مسالة قديمة متقدة شغلت الجنس البشري الراغب بفهم نفسه وموقعه من الكون.

عوالم اخرى، غير منطقية

من قديم الزمان اعتبرت الارض مركز كل شيء. كما فصل ذلك الفيلسوف الإغريقي أرسطو، الارض كانت الفلك (العالم) الأعمق في الكون، محاطة بافلاك اخرى متنوعة تحتوي القمر، الشمس، الكواكب والنجوم. تلك الأفلاك السماوية بلورية وشفافة، تدور حول الارض التي تتألف من أربعة عناصر: نار، هواء، ماء وتراب. تلك العناصر صفت نفسها على شكل طبقات استنادا الى تركيبها من المادة او طبيعتها.

استناداً الى ذلك المبدئ، استنتج ارسطو إمكانية وجود عوالم اخرى. اذا كان هنالك عالم اخر موجود، فان أرضه ستتجه الى مركز عالمها ومركز عالمنا ايضاً. ذلك التعارض الإلزامي طرح تناقض منطقي. قام ارسطو ايضا بتطبيق برهان إضافي ليشير بانه لا يوجد فضاء خارج العالم المعروف ليُشغل من قبل عالم اخر. لذلك، استنتج ارسطو، انه لا يمكن لعالمان ان يتواجدان في نفس الوقت.

بعض الإغريق ( الذين دافعوا عن وجود الذرات) كانوا  يؤمنون بطريقة مختلفة. لكن وجهة نظر ارسطو كانت هي السائدة في ذلك الوقت. في القرن الثالث عشر، تم اعادة اكتشاف احدى مخطوطات ارسطو في أوربا، ولقد أيد معظم الباحثين في ذلك الوقت موقف ارسطو.

لكن الدين بعد ذلك هدم مجالات الفلسفة. وبذلك امتلك الآخرون الفرصة لإظهار قضيتهم ووجهات نظرهم.

في ١٢٧٧م، منع اسقف باريس ايتني تمبر تدريس ٢١٩ مبدئ، ارتبط العديد منها بفلسفة ارسطو. من ضمن تلك المواد التي منع تعليمها هو فقرة رقم ٣٤ والتي تنص على: ان الاله لا يستطيع خلق العديد من العوالم التي يريد. وبعد ان  اصبح جزاء انتهاك ذلك الامر هو الحرمان الكنائسي، اكتشف الباحثون الباريسيون فجاة مبررات تسمح بوجود عوالم متعددة، تمنح سلطة للاله لتتحدى منطق ارسطو. وبما ان باريس كانت العاصمة الثقافية لأوربا، اتبع الباحثون من كل مكان القيادة الباريسية.

وعندما أكد عدد من الفلاسفة على ان الاله كان يستطيع خلق العديد من العوالم، فان اغلبهم كان قد صرح بان الاله ربما لم يكلف نفسه عناء ذلك. لا يكاد يكون هنالك شخص في تلك الفترة  تناول احتمالية وجود حياة فضائية، رغم ان جان بورديان في باريس وولييام  اوكام (William Ockham) اخذوا بالاعتبار إمكانية ذلك. “الاله قادر على خلق عدد لا منتهي من الأشخاص من نفس النوع الموجود الان” كتب اوكام ، ” لكن هو غير محدد بان يكون خلقهم في هذا العالم فقط.”

العوالم المأهولة بالسكان ظهرت بشكل بارز في كتابات المفكر المرتد نيكولاس كوسا (Nicholas of Cusa) (١٤٠١-١٤٦٤) وجيوردانو برونو (Giordano Bruno) (١٥٤٨-١٦٠٠). أولئك لم يطرحوا فقط فكرة وجود عوالم اخرى، هم ايضاً ناقشوا فكرة وجود عوالم مأهولة بالسكان مثل او ربما أفضل من الجنس البشري.

“في كل منطقة ان طبيعة تنوع الساكنين ينطلق من الاله “كتب نيكولاس، والذي جادل في ان الفضاء لا يمتلك مركز، ولذلك فأن  موقع الارض لا يمكن ان يكون مركزياً او متميزاً بالنسبة لوجود الحياة. برونو وهو راهب إيطالي أكد ان كمال الاله يتطلب عدد لا محدود من العوالم والكائنات. يقول برونو ” ان الكمال اللامنتهي سيكون واضح بشكل افضل مع عدد لا يحصى من الخلق بالمقارنة مع  عدد يمكن حسابه وهو محدود”.

حرق برونو لاتهامه بالهرطقة ( وان لم يكن كذلك كما صرح عدة مرات، لإيمانه بوجود عوالم اخرى)، برونو لم يعش ليشاهد انتصار كوبرنيكوس خلال القرن السابع عشر. كوبرنيكوس الذي وضع الشمس في مركز النظام الشمسي، والذي عد الارض كوكب ضمن عدد من الكواكب. إذن اخيراً اصبح وجود عوالم اخرى ليس مجرد تخمين وإنما حقيقية فلكية، دعوة مفهوم سكان العوالم الاخرى كما أشار الى ذلك العالم الألماني البارز كرستيان هوگنز (Christiaan Huygens) في أواخر ١٦٠٠. “الرجل الذي يكون على رأي كوبرنيكوس، وهو ان ارضنا كوكب… مثل بقية الكواكب، لكن لا يمكن الاعتقاد انه ليس من الوارد ان بقية الكواكب … لديها سكانها ايضاً” كتب ذلك  هوگنز في احدى منشوراته.

قبل عدة سنوات من ذلك، قام ناشر العلوم الفرنسي برنارد لي بوڤير دي فونتنيلا (Bernard le Bovier de Fontenelle) باستطلاع حول إمكانية وجود حياة في النظام الشمسي في كتابه المعنون “حوارات حول تعددية العوالم”، تضمن حوار خيالي بين فيلسوف وامراة غير متعلمة لكنها ذكية اسمها ماركيز (Marquise).

“سيكون من الغريب ان نعتقد بان الارض كانت مأهولة كما هي الان، والكواكب الاخرى لم تكن كذلك على الإطلاق” الفيلسوف يخاطب ماركيوز. رغم انه لا يعتقد بقدرة الناس على العيش على الشمس، هو يؤيد أولئك الذين يتصورون وجود سكان على الكواكب الاخرى ومنها القمر.

يقول فونتنيلا “كما انه لا يزال هنالك عدد كبير من الناس الحمقى يعبدون القمر، هنالك أشخاص اخرين على القمر يعبدون الارض”.

منذ بداية العصر الحديث وما بعده، لم تكن مسألة مناقشة وجود كائنات فضائية محصورة بين العلم والفلسفة. تلك المسألة ظهرت ايضاً في اعمال خيالية متنوعة، والتي نصت على أدوات مؤامرة لا زالت تحظى بشعبية الى يومنا هذا. عادة يستعمل المؤلفون الكائنات الفضائية كرموز للشر (في بعض المناسبات لا) للتعليق على الأحداث الجارية. روايات الخيال العلمي الحديثة تصور الفضائيين عادة في دور الطاغية او الوحش او الضحية، بالتوازي مع الحياة الحقيقية.

العلم الرصين

بينما انتشر وجود الكائنات الفضائية في قصص الخيال العلمي، مع ذلك فان الاعتقاد العلمي الجاد بوجود تلك الكائنات تناقص مع بداية القرن العشرين، عقب فترة حيوية  ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر تحدثت عن احتمالية وجود حياة على سطح المريخ. على افتراض ان شبكة من الخطوط فسرت على انها قناة تدل على وجود حضارة المريخ المتطورة؛ كشف زيف هذا الادعاء ( زائداً توفر المعلومات عن طبيعة بيئة الكوكب) قاد الى توافق عام ينص على ان الرهان على وجود حياة في مكان اخر في النظام الشمسي هو رهان خاسر.

من ناحية اخرى، ان الكون توسع بشكل لا يصدق مقارنة مع توقعات الكوبرنيكوسيون ( نسبة الى العالم كوبرنيكوس). الشمس أصبحت واحدة من مليارات النجوم الموجودة في مجرد درب اللبانة، وفي المقابل هذه المجرة واحدة من مليارات المجرات الموجودة. ضمن هذا الكون الواسع جداً، فان المتحمسين لفكرة وجود فضائيين استنتجوا ان وجود حياة اخرى في مكان ما من هذا الكون امر محتوم. في عام ١٩٦١، قام عالم الفلك فرانك دريك بتطوير معادلة لقياس أرجحية وجود حياة خارج الارض؛ في عام ١٩٩٠ خمّن ان حوالي ١٠٠٠٠ كوكب امتلك حضارة متقدمة في مجرة درب اللبانة وحدها، حتى قبل ان يعرف اي شخص بشكل مؤكد ان تلك الكواكب موجود فعلاً خارج المجموعة الشمسية.

لكن الان الجميع يعرف. في الفضاء وخلال العقدين الاخيرين، ادلة قاطعة تتحدث عن وجود كواكب تقع خارج المجموعة الشمسية، تقدر عددها حالياً بالالاف، تلك المعلومات اعادة تشكيل النقاش والوضوح حول مفارقة فيرمي. لا احد يشك بعد الان بغزارة الكواكب الموجودة. لكن لا توجد اي إشارة من اي احد يعيش على تلك الكواكب، رغم سنوات من توجيه التلسكوبات الراديوية باتجاه السماء في أمل اكتشاف إشارة من الفضاء الساكن.

ربما تلك الإشارات نادرة جداً او ضعيفة يصعب على معدات الانسان اكتشافها. او ربما هنالك نظرية كونية تعمل على منع اي تواصل بين الحضارات. او ربما تلك الحضارات نشأت واندثرت قبل الحصول على فرصة للتواصل.

او  ربما تم تأجيل الغزو الفضائي. احد مضامين مفارقة فيرمي تفترض ان الحضارات الاخرى امتلكت الوقت الكافي (منذ نشؤها ولحد الان) لتطوير نظام نقل عبر المجرات. بعد كل هذا، ولد الكون في الانفجار العظيم قبل ١٣,٨ مليار سنة وتلك فترة اكبر من عمر الارض بثلاث مرات. لذلك معظم التحليلات تفترض ان الحضارات الفضائية متقدمة بشكل كبير الان تستطيع معه الذهاب الى اي مكان تشاء. لكن ورقة بحثية جديدة تشير الى ان احياء المجرة الآخرين ربما فقط تطورا بشكل نسبي حديثاً.

في الأكوان الفتية، الصغيرة والمزدحمة، تحدث انفجارات كارثية تعرف بانفجارات أشعة گاما ربما عقمت (قضت) جميع الكواكب القابلة للحياة، تزڤي بيران واخرون أشاروا الى ذلك في ورقة بحثية نشرت في Physical Review Letters.

الكوكب القريب من قلب المجرة سوف يكون اكثر عرضة للتأثر بكوارث أشعة گاما. ايضاً في الكون الفتية، الكواكب التي تكون قريبة الى حافة المجرة (الارض مثلاً) تكون عرضة لاخطار  تلك الأشعة المتفجرة في المجرات المجاورة. فقط عند تسارع اتساع الكون تبدأ المجرات بالنمو بشكل كبير كافي لتكوين منطقة أمنة للحياة وهذا ما حدث في حالة الارض.

” ان التوسع المتسارع للكون الناجم عن الثابت الكوني أبطئ نمو بنية الكون، وزاد المسافة الفاصلة بين الأجسام داخل المجرة،” بيران وزملائه. “هذا خفض عدد الأجسام المتجاورة التي تتعرض لكوارث أشعة گاما. إذن ممكن القول ان معظم الحضارات الفضائية بدأت بالازدهار ليس كثيراً قبل حدوث ذلك على الارض؛ أولئك الفضائيين ربما قد يتسألون لماذا لم يقم احد بزيارتهم لحد الان.

مع ذلك، فان الصمت الراديوي القادم من السماء جعل بعض العلماء يتسأل اذا ما كان التفأول بوجود كائنات فضائية سينتهي كما انتهى مجتمع قناة المريخ. من وجهة نظر واقعية، الكائنات الفضائية لا تبعث الرسائل لان كواكب قليلة  بقت صالحة للسكن وامتلكت الوقت الكافي لتطوير حضارة ذكية. على سبيل المثال، أسئلة للدراسة، ما هي أرجحية وجود تلك الحياة، ما ان تبدأ على احد الكواكب، هل ستشكل بيئتها بشكل كفوء يسمح بتوفير أمن حيوي دائم للكائنات.

في الحقيقة، تلك الدراسة وجدت، كوكب رطب صخري يقع بمسافة مناسبة عن نجم- في Goldilocks zone- ربما لم يبقى لفترة طويلة قابلاً للسكن والحياة. ان العمليات الجوية والجيوكيمائية ربما سوف تزيد بشكل كبير الحرارة ( لإنتاج كوكب غير قابل للسكن مثل ڤينوس) او تزيد البرودة بشكل سريع، تجمد الماء وتبقي الكوكب بارد جداً وجاف للعيش والبقاء، اديتا كوبرا وچارلس لاينويڤر استنتجوا ذلك في دراسة حديثة في مجلة Asrrobiology. فقط اذا كانت الحياة نفسها قادرة على تغيير تلك الظروف، فإنها بذلك تستطيع الحفاظ على بيئة مناسبة لتطوير ذكاء.

“التفاعل والاستجابة بين الحياة والبيئة ربما تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على صلاحية السكن في الكواكب الصخرية القليلة والتي يمكن فيها للحياة ان تتطور،” كوبرا ولاينويڤير، من الجامعة الوطنية الأسترالية.

حتى مع ذلك التحليل المفترض- استنادا الى فهم أعمق لعلم الكونيات والفلك مقارنة بما امتلك باحثو القرون الوسطى- فان وجود فضائيين يبقى احد تلك الأسئلة التي لا يستطيع العلم الإجابة عليها الان. انه مثل احد تلك الأسئلة العميقة التي حاول الباحثون في القرون الوسطى استكشافها: مما صنع الكون ؟ هل هو سرمدي ؟ ربما يكون علماء اليوم الأقرب (او ليسوا كذلك) الى الإجابة على تلك الأسئلة من علماء العصور الوسطى. مع ذلك فالتجربة ليست في اليد حتى الان.

ربما سوف نطرح تلك الأسئلة على الفضائيين انفسهم، اذا كانوا موجودين، ونحن مستعدون للاتصال في اي وقت. وأما اذا وصل الفضائيون، وزودونا بالأجوبة، فان البشر ربما سيعرفون كيف كان يفهم علماء العصور الوسطى من الفضائيين الكون. او ربما يكونون مثلنا لا يعرفون كل شيء عن الأسرار العميقة في الكون. كما اخبر فونتنيلا الفيلسوف ماركيوز :” ليس هنالك إشارة على اننا الحمقى الوحيدين في هذا الكون. الجهل بطبيعة الحال شيء منتشر على نطاق واسع”.

المصدر:https://www.sciencenews.org/article/humans-have-pondered-aliens-medieval-times