هل سنستطيع يوماً ما لعب دور الآلهة عبر التحكم بالطقس والمناخ؟

منذ آلاف السنين، كانت شعوب الحضارات القديمة، وما قبلها، تمارس طقوساً معينة من أجل إنزال المطر. حيث  كان بعضها يعتقد بآلهة يعطونها النذور أو رقصات تؤدى من أجل الأرواح كما كان يفعل الهنود الحمر، وحتى ما يعرف بصلاة الإستسقاء عند المسلمين، وكل ذلك لمحاولة إجتذاب المطر وإنهاء فترات الجفاف في فترات معينة.

وقد أستمر ظهور الدجالين الذين يدعون القدرة على إستحضار المطر في أمريكا في الصحراء حتى بدايات القرن العشرين، ليبدأ بعدها السكان يشككون بكل من يدّعي ذلك لعدم وجود دليل على جدوى ما يفعلون.

وعلى هذا المنوال تطور الأمر في الوقت الحاضر ليتحول الى نظريات مؤامرة، حيث البعض كان يرمي اللوم في الكوارث الطبيعية التي تصيب مناطق معينة على أمريكا وحلفائها متهمين إياهم بنشر غاز يسمى الكيميرتل، وهو ما يترك أثراً أبيضاً خلف الطائرات للتلاعب بطقس الأماكن التي حامت تلك الطائرات فوقها. والبعض الآخر يتهم مشروع (HAARP) المتوقف منذ العام 2014 بحدوث الكوارث الطبيعية ومن ضمنها الزلازل حتى.

لكن أياً من تلك الإدعاءات لم تثبت علمياً، حيث لم يُثبت بأن للنذور أو الصلوات أو الرقصات أي دخل بتغير الطقس وهطول المطر، ولم يثبت بأي دليل وجود غاز يدعى الكيميرتل (Chemtrail)، وكان كل ما تخلفه الطائرات هو دخان طائرات عادي، لتظهر تلك الخطوط الإعتيادية في الأعالي كأثر خلف الطائرات.

تاريخ التحكم بالطقس
بدأ الأمر لأول مرة عندما حاول الكونغرس الأمريكي دعم تجارب تشكيل الأمطار في ولاية تكساس بتمويل بلغ (19,000$)، وقد تم تكليف روبرت درينفورث ليشرف على تلك التجارب، إلّا أنها كانت قد أنتهت دون أي نتيجة إيجابية. وعادت تلك التجارب في ثلاثينيات القرن العشرين في الظهور. وفي العام 1946 قام كيميائيان يعملان في مختبرات شركة جنرال إليكتريك في نيويورك، يدعيان بإيرفينغ لانغموير وفينسنت شايفر، بإكتشاف قدرتهم على  إنتاج بلورات ثلجية داخل غيمة فائقة التبريد وإسقاط الثلوج. ثم أدعوا بعدها بأنهم قد أستطاعوا إستمطار السحب، وسرعان ما أستعانوا بمساعدة عالم الكيمياء الفيزيائية بيرنارد فونيغوت. حيث حاول الأخير إيجاد مادّة بلورية أخرى بإمكانها إستحداث أثر مماثل، وكانت ضالته هي يوديد الفضّة.

ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء يحاولون تلقيح الغيوم التي تحتاج فيها الرطوبة الى بعض المساعدة لتتكثف بيوديد الفضة، محاولين سرقة تلك الرطوبة الى داخل بلورات يوديد الفضة وتجميدها لتهطل مطراً. ولكن العلم لم يكن حاسماً تجاه هذه المسألة، حيث لم تبدو الأدلة واضحة حول تأثير يوديد الفضة على إستحضار المطر، بل وكانت هنالك مخاوف من أن تكون تلك العملية برمتها غير ذات تأثير على الغيوم تماماً.

لكن عدم تأكيد تأثيرها لم يمنع الكثير من الحكومات من الإستمرار بتجربتها مثل كندا وأستراليا وأمريكا وحتى الصين. حيث قامت الصين في أولمبياد عام 2008 بمحاولة منع الغيوم من الوصول الى بكين وبالتالي منع هطول المطر عبر توزيع صواريخ وإطلاقات تحمل يوديد الفضة على حوالي 34000 مزارع حول بكين من أجل منع أي غيمة من الوصول عبر تحفيزها على التكثف عن طريق إطلاق يوديد الفضة نحوها، وكانت الطائرات المحملة بهذه المادة تجوب حول المدينة في يومها. وتم تسجيل 1100 إطلاقة على الغيوم في ذلك اليوم، ولم يهطل المطر في بكين. لكن ذلك لا يثبت بأن السبب هو يوديد الفضة، فقد تكون الصدفة فقط هي من قامت بذلك.

ومع ذلك فقد حدثت محاولات أخرى عبر آليات أخرى من أجل التلاعب بالطقس. فعلى سبيل المثال، كانت هنالك بعض المحاولات في المكسيك وجنوب أفريقيا لبذر المطر الدافئ بإستخدام جزيئات الملح – ما يعرف بالبذر البلوري –  وهي كما يُعتقد بأنها أكثر فاعلية من بذر المطر البارد بإستخدام يوديد الفضة.

وكانت هنالك محاولة أخرى عن طريق محلل نفسي نمساوي يدعى فيلهيلم ريتش، حيث قام بإبتكار آلة تدعى (cloud-buster) عام 1951، وقد تم تصميم هيكلها بطريقة تشبه قضيب الإنارة لإستيعاب الأورغون (وهو مصطلح يعود للعلم الزائف لأحد أنواع قوى الحياة)، وقد ثبت فشل جهازه هذا فيما بعد.

هل سنستطيع يوماً ما التحكم بالإعاصير وتفكيكها؟

يقول البروفيسور آندي بيتمان بأن هذا الأمر ممكن ولكنه صعب للغاية، ولكي توقف إعصاراً فعليك أن تكون في المكان والوقت المناسبين، لمنع تخلخل الضغط الذي يجعل مركز الإعصار أقل ضغطاً مقارنة بمحيطه، وهذا ما ينتج عدم تناسب يؤدي الى حدوث تلك التيارات الهوائية والدوامات. لذا فإن عدم قدرتنا على التنبؤ بالأعاصير أمر يمنعنا من التحكم بها.

وهنالك بعض الأفكار المستقبلية لإبطاء أو منع الأعاصير، كتفجير قنبلة نووية صغيرة في مركزه لتفكيكه، أو حرق النفط في مسار الإعصار في سفن على المحيط من أجل إبطاءه، أو بتغطية سطح المحيط بأحد مشتقات النفط سهلة التحلل لتقليل كمية المياه المتبخرة في المحيط، وبذلك منع حدوث الأعاصير. ولكن أياً من تلك الرؤى قد تولد أحداثاً أكبر حتى طبقاً لتأثير الفراشة، حيث من الممكن أي يولد أي تغيير في حدث ما كارثة أكبر حتى من سابقتها، وهذا ما يضع العلماء أمام معضلة أيضاً.

أما عن الإمكانيات المتاحة للتحكم بالطقس والمناخ، فقد ظهرت الكثير من الحلول البيئية والخروقات العلمية الجديدة و الأفكار التي تساعد على الحد من التغير المناخي وتدعو للتقليل من أنبعاثات الغازات الدفيئة في الجو ومن هذه الطرق :

  • بناء أبراج حديثة تستخدم لتنقية الهواء كذلك الذي سيتم بناءه في الصين حيث سيستطيع تنقية ثلاثين ألف متر مكعب من الهواء كل ساعة منتجة (1400) واط من الطاقة النظيفة ومنتجاً حلياً من الكاربون المستخلص من الهواء.
  • التخلي عن الوقود الأحفوري، أن التحدي الأول هو بالقضاء على حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي، حيث أن شعوب الدول الغنية يأكلون ويعملون ويلعبون وحتى ينامون بمنتجات مصنوعة من هذا النوع من الوقود. وكذلك قٌدم  مقترح أستبدال الوقود الأحفوري بمحاولة للسيطرة على المناخ بأنواع أخرى من الوقود منها الأيثانول المستخرج من المحاصيل الزراعية والهيدروجين المستخرج من الماء بأستخدام الكهرباء .
  • وقف قطع الأشجار، حيث يتم قطع 33 مليون فدان من الغابات في كل عام. ويساهم حصاد الأخشاب في المناطق الاستوائية بمقدار 1.5 مليار طن متري من الكربون إلى الغلاف الجوي و التي تمثل (20)% من انبعاثات الغازات المسببة  للأحتباس الحراري.
  • تناول الخضروات غير المسمدة عضويا ، تحتاج زراعة الحبوب في الولايات المتحدة براميل من النفط الأسود من اجل الأسمدة التي تساهم في نموها وكذلك تتطلب وقود الدزيل من أجل نقلها. تبيع بعض محالات البقالات منتجات أصلية لاتساهم الأسمدة في نموها. لذلك التخلي عن النوع الاول من الحبوب المنتجة قد يساهم بشكل كبير بتقليل أنبعاثات الكاربون.
  • تحديد النسل لطفل واحد، يعيش اليوم على سطح الأرض اكثر من 7 بليون شخص وتتوقع الأمم المتحدة  أن يصل العدد الى 9 بليون  في نهاية القرن الحالي. يقدر برنامج البيئة التابع للامم المتحدة جميع ما على سطح الارض من بشر يحتاج الى 54 فدان من الأرض ليحصلوا جميعهم على طعامهم وشرابهم وملبسهم وغيرها من المواد المستخرجة من سطح الارض. أن أستمرار النمو السكاني يؤدي الى مشاكل كثيرة ومن ضمنها المناخ. كيف سيسمح  هذا  العدد الهائل من البشر والمتزايد  بالسيطرة على المناخ، حيث أن أستهلاك البشر للطاقة يساهم بشكل كبير في التغير المناخي. لذلك تفرض بعض الدول قيود على الناس من أجل التقليل من الأنفجار السكاني وأقتراح طفل واحد لكل عائلة قد يساعد على السيطرة على المناخ بشكل او بأخر. وفعلا أنخفضت نسبة الولادات في بعض الدول نتيجة للقيود التي ٌفرضت على الأسر لتحديد نسلها.
  • تجربة السيطرة على المناخ بالتشجير او غيرها من الأمور التي يقدمها العلماء اليوم وأن لم تنجح فهي ليست الأخير. حيث أن الهندسة الجيولوجية هي الحل البديل وذلك من خلال  التدخل في كتلة الشمس والحد من أنبعاثات الغازات المسببة للأحتباس الحراري وبالتالي السيطرة على تغيرات المناخ.

فصل الأجهزة عن الكهرباء

  • صدق او لاتصدق ينفق مواطني الولايات المتحدة المزيد من المال عند تكون الأجهزة منطفئة عما لو كانت تعمل. حيث تستهلك أجهزة  التلفاز والمسجلات والحواسيب وأجهزة شحن البطاريات ومجموعة من الأدوات الأخرى  المزيد من الطاقة عندما تكون منطفئة اكثر مما لو كانت تعمل. حيث أن أستخدام  الأدوات الموفرة للطاقة والمال تساعد على الحد من الإنبعاثات الغازيه المسببة للأحتباس الحراري. وكمثال على ذلك، فأن كفاءة شاحن البطاريات المنفصل يحفظ أكثر من بليون كيلووات في الساعة الواحدة وبالتالي منع أنبعاث أكثر من مليون طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري مما يسمح لنا بالسيطرة على المناخ.

 

  • أطلاق جزيئات الكبريت فى الهواء لتضيف تأثير التبريد للانفجارات البركانيه الهائله. وضع الملايين من المرايا الصغيرة أو العدسات في الفضاء لعكس مسار أشعة الشمس وتغطية أجزاء من كوكب الأرض بالأفلام العاكسة لعكس ضوء الشمس مرة أخرى إلى الفضاء. أستخدام الحديد او المواد الأخرى في تسميد المحيطات لجعل العوالق تستوعب المزيد من الكربون، وبالأضافة الى زيادة الغطاء السحابي و أنعكاسية الغيوم .كذلك أستخراج ثنائي أوكسيد الكاربون قبل ان ينطلق ومن ثم تخزينه في قاع المحيطات او تحت الأرض، حيث أن هذه الطريقة تمثل حل جاد لمن يفكر فعلا في السيطرة على المناخ

 

  • تقليل الأستهلاك يعني  خفض أنبعاثات الغازات المسببة للأحتباس الحراري. مثلا  استخدام كيس بقالة قابل لإعادة الاستخدام وشراء أو تحضير طعام بكميات كافية ودون تبذير والتقليل من أستهلاك العلب الكرتونيه والصحون ذات الأستخدام الواحد. وأستخدام سيارة واحدة بدل أثنين مثلا أو أستخدام واحدة ذات محرك هجين وكفاءة أفضل وقليلة الاستهلاك للوقود وأقل تأثير على البيئة .

هنالك العديد من التقنيات الأخرى التي طُوِّرَت وما زالت تطور لأجل المساعدة على الحد من ظاهرة الإحتباس الحراري، وبالتالي تحسين المناخ. لكن لا يوجد هنالك أي طريقة معروفة بالإمكان القيام بها الى الآن للتلاعب بالطقس، لكن الإمكانيات للقيام بذلك مستقبلاً لا تزال متاحة.

 

أعداد وترجمةالمجتبى الوائلي – نورس حسن

المصادر :