لغة الجسد عند الفئران: سقوط عمود الإنارة لعب دوراً رئيسياً في اكتشاف أن لغة الجسد موجودة لدى الفئران، وهذا لا ينافس سقوط تفاحة نيوتن الذي أدى الى صياغة قانون الجاذبية.

فقط طور علماء كلية الطب بجامعة هارفارد تقنيات حاسوبية جديدة تجعل الاحساس بحركات الجسدية للفئران مفهومة، وكذلك يمكن تنظيمها على شكل مقاطع نحوية. وعلى المدى البعيد اقترحوا حل مشكلة قائمة منذ فترة طويلة في علم الأعصاب وهي كيفية القيام بدراسة موضوعية للانماط المعقدة ثلاثية الأبعاد من سلوك الحيوانات دون الاعتماد على مراقبة البشر.

ظهور النتائج حول لغة الجسد في الخلايا العصبية

قال سانديب داتا (Sandeep Datta) استاذ بيولوجيا اعصاب، والذي قام مع عدد من كبار الباحثين بإعداد الورقة البحثية المعنية، انه “اذا ما نظرنتم الى الدماغ وتسائلتم كيف يمكن لنشاط خلية واحد ان يقوم الحيوان بسلوك معين، سوف تجدون ان الدماغ هو مكانٌ صاخبٌ جداً، وهكذا فإن أي محاولة لفهم عمل الدماغ تعتبر أمراً شاقاً”، وأضاف “نحن نعتقد ان من خلال تطوير هذه الطريقة يمكننا ان نحصل على نظرية جديدة في الكيفية التي ينشئ الدماغ أي سلوك، وكيف يقوم اي عمل خاطئ بتكوين الامراض، وهذه ستكون وسيلة رائعة لبناء علاجات أفضل وأكثر فعالية”.

وذكر داتا ان التقدم في التسلسل الجيني سيكشف المزيد من الجينات ذات المخاطر العالية لاضطرابات النمائية العصبية (neurodevelopmental) والنفسية العصبية (neuropsychiatric).

وهذا ما يجعل الامر أكثر الحاحا لتطوير طرق أفضل لدراسة كيفية تغير هذه التعديلات الوراثية أنماط السلوك في فئران التجارب من الأمراض التي تصيب البشر.

وهذه الطريقة الجديدة تعتمد على تقنية التعلم الآلي، فهي تتيح للباحثين ولأول مرة فهم السلوك وتنظيمها في جداول زمنية، وهو ما يعتبر مفتاح لفهم الكيفية التي يمكن للجينات والدوائر العصبية للفرد من خلالها التاثير على السلوك الجسدي. يأمل فريق داتا أن هذا سوف يؤدي الى فهم أفضل لكيفية التي يبني بها الدماغ أنماط العمل.

بدأ المشروع البحثي هذا بشكل خاص عندما كان الكسندر ويلجكو (Alexander Wiltschko) الباحث الرئيسي للدراسة وطالب الدراسات العليا في مختبر داتا بدراسة تأثر الفئران بالرائحة الكريهة. فالمنبهات الحسية توفر نافذة على الدماغ، وقد قام باكتشاف الكيفية التي يتم فيها تحويل المعلومات إلى أنماط مختلفة من النشاط.

بينما كان ويلجيكو يراقب فيديو لرد فعل الفئران على رائحة الثعلب، قام بفك الأجزاء التي تتكون منها ردود افعالها، مثل حركات الإستنشاق والتجمد والتدحرج على شكل كرة. ولاحظ أن الحيوانات تستخدم نفس الإجراءات بشكل متكرر، وضع العلماء الكثير من الفرضيات التي أرادوا من خلالها معرفة ماذا وكيف تكون هنالك العديد من الحركات، وكيف يمكن ان تستمر لفترة طويلة وغيرها من الاسئلة.
ولأن الفئران من الحيوانات الليلية، كان الباحثون يراقبونها عن طريق الأشعة تحت الحمراء، والتي تحمل عادة على دعائم واعمدة.
فقدم ويلجيكو فكرة أفضل: وهي استخدام جهاز كاينكت (Microsoft Kinect) وهو جهاز طرفي يستخدم في العاب الفيديو ومهمته التقاط الحراكات ثلاثية الأبعاد مثل العاب التنس الافتراضية او غيرها من العاب، حيث استخدم هذه الاداة لتسجيل وتحليل وضعيات الفئران.

وقال ويلجيكو انه “عندما يتصرف الفأر بطريقة معينة يمكننا ان نحول هذا السلوك الى ارقام ومن ثم تحليلها”.
وجهاز كاينكت يحل العديد من المشاكل ليس فقط مشكلة الإضاءة بالأشعة تحت الحمراء. بل عن طريق الرؤية الحاسوبية التي يُمكنها أن تَسحَبَ صور الفئران وأن تُخرجها على الشاشة بشكل نموذج ثلاثي الأبعاد (3-D model) لجسم الفأر، لأنه يتحرك.

وقد قام ماثيو جونسون (الباحث المشارك في الدراسة والباحث في علم الأعصاب، ببناء نموذج حاسوبي يكشف كيف كانت حركات الفأر ووضعياته المختلفة مترابطة. وذلك عندما لاحظ العلماء ان التغيرات في وضعيات الفأر مترابطة.
فبمجرد أن قام العلماء بتحليل بيانات وضعيات الفأر، أدركوا ان حركات تلك الكتلة الصغيرة تشكل تسلسلاً متميزاً، وظهر هذا في العديد من السياقات، وليس فقط في الخوف من الثعالب. فقال ويلجيكو “ان هذا جعلنا نفكر فورا بأدبيات الطيور المغردة، وقياس لغتها: تلك الكلمات لا تتداخل مع بعضها البعض ولكن يحدث ذلك في تسلسل مع مرور الوقت”.

ففي الورقة البحثية الخاصة بعلم الأعصاب قام العلماء بوصف حركات الفأر كلغة، مع مقاطع خاصة ونحوية. فعندما تشم الفئران رائحة الثعلب لا تتجنبه عن طريق تكوين سلوكيات جديدة، بل عن طريق تحويل ما تستخدمه من سلوكيات. عندما تكور الفأر نفسها للأختفاء من الثعالب هي التغيرات نفسها التي تستخدمها في السلوكيات الاخرى.

يستخدم نموذج كمي للإحصاءات والتعلم الآلي لفهم لغة الجسد عند الفئران في التصميم التوليدي، وهي الاداة الرياضية التي سمحت للباحثين بتشريح الاستراتيجية التي تستخدمها الفئران لتجنب الحيوانات المفترسة.

وقد اختبر الباحثون هذا النموذج مع فئران تمت هندستها وراثيا لتحمل طفرتين وراثيتين تجعلها هادئة، فاصبح هنالك فرق شاسع عن ما تم وصفه سابقا في العديد من المرات. ولكن المراقبة البشرية لا يمكن ان تلاحظ السلوكيات المختلفة بشكل دقيق عند الفئران التي لديها نسخة واحدة فقط من الجين المعدل.

يعتقد العلماء ان الفئران التي تمتلك خبرة مع نسخة واحدة معدلة تكون طبيعية، ولكن أظهر النموذج أن بعض مقاطع المشي عند الفئران تبدو طبيعية، افاد أنها ليست كذلك.

وقال جونسون، انه “بمجرد حصولنا على الطريقة الرياضية التي تلخص وتفكر في سلوك الفئران، هذا يعطينا مؤشر على فهم ما هي التغيرات التي تحدث عندما تتغير الظروف البيئية”. واضاف “ما قمنا به هو مجرد بداية، نأمل بالعلماء والتعلم الآلي ان يحسنوا من هذه الافكار”.

وقال العلماء ان تطبيق هذه الطريقة يمكن ان يشهد اختبارات واسعة النطاق على العقاقير ذات التاثير العقلي في الحيوانات، لتحديد الأثار المترتبة على السلوك الذي كان في السابق من الصعب تحديده وتفسيره.

وقال داتا “ان الطريقة التي كانت تستخدم سابقا هي الاعتماد على ما يعتقد الإنسان انه سلوك”.

وقد اشار العلماء ان هنالك تاريخ طويل من مراقبة الحيوانات من قبل الأشخاص، لفهم ما يفعلونه. حيث قام علماء الحيوان في عام 1800 بمشاهدة الحيوانات خلال مواسم التزاوج وكذلك عند قيامها بالبحث عن الطعام، وقد شاهدوا الكثير من السلوكيات المتكررة وعلى مدى عمر الحيوان، قبل انجاز ذلك الجزء من العمل المهم.

قال داتا “لدينا الآن طريقة جديدة لتصنيف السلوكيات التي تعتمد على البنية الاساسية المخبأة في البيانات السلوكية”، واضاف”لقد تبين انه من الممكن الاعتماد على موضوعية السلوكيات لفهم الكيفية التي تتدفق المعلومات بعضها فوق بعض بمرور الوقت، واستخدام هذا النوع من الإطار للحصول على على فهم عميق دون أي تأثر بالتحيزات البشرية للهيكل الأساسي من الإجراءات”.

 

المصدر: https://www.sciencedaily.com/releases/2015/12/151216134419.htm