قلة الشعر على اجسادنا قد يكون المفتاح لنجاتنا : مقارنة بالقردة والثدييات الاخرى فالإنسان يعتبر أصلعاً، وهذا ربما ما سمح لنوعنا بالنجاة. شعرنا لا يبدو غريبا، لإننا أعتدنا ان نملك شعورا قليلة تغطي اجسادنا كبشر، لكن عندما نقارن انفسنا مع بقية الثدييات وابناء عمومتنا الاقرب لنا من القردة التي تعيش اليوم، ستبدو لك غريبة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، كوننا الثدييات الوحيدة ذوات الاجسام الكبيرة المغطاة بشعيرات قليلة جداً.

بعكس قردة الشمبانزي والبابون المشعرة – وكل الرئيسيات الاخر – فان معظم الاجزاء بأجسادنا عارية من الشعر. لقد تطورنا بهذه الطريقة، على الرغم من فائدة الفرو المعروفة، حيث انه يعزل ويحمي الجلد وفي بعض الحالات يعمل  كمموه فعال.

اذا لو كان الفرو حقا بهذه الفائدة لما خسرنا هذا الجزء  الكبير منه ؟

تشارلز داروين (Charles Darwin) هو اول من اظهر للعامة من الناس ان البشر قد انحدروا من اسلاف شبيهة بالقردة، وكان متساءلا أيضاً عن سبب وجود الشعر القليل علينا كبشر، “لا احد يفترض ان العري له أي فائدة للانسان، اجسادنالا يمكن ان تكون قد تمت تعريتها عن طريق الانتقاء الطبيعي” كما كتب تشارلز داروين في كتابه اصل  الانسان  descent of man.

حيث اقترح اننا قد فقدنا هذا القدر من الفرو عن طريق (الانتقاء الجنسي): نحن نفضل الشركاء الغير مشعرين، لهذا اصبح فقدانه امرا شائعا.

لكن لايمكن أن تكون هذه الصورة الكاملة، فقبل ان تبدأ تفضيلاتنا لغير المشعرين، كنا قد قد بدأنا بالفعل بفقدان الشعر، اسلافنا الاقدم الشبيهون بالانسان والمعروفون بإسم الهومينيس hominis، كانت لهم هيئة شبيهة بالقردة، بالنسبة لهم الفرو كان ليكون مفيدا، حيث يبقيهم دافئين في الليالي الباردة. إذاً شئٌ ما يجب ان يكون قد شكل ضغطا تطوريا لهؤلاء الهومينيس ليجعلهم يفقدون فروهم بهذا الشكل.

قبل بضعة ملايين السنين، كان هناك انواع عدة من الهومينيس يحومون على هذه الارض، من بينهم الاحفورة الشهير المسماة باسم (لوسي lucy).

هؤلاء الهومينس كانوا اشباه قردة، لوسي كانت شبيهة بشكل كبير لقردة الشمبازي، مع فروقات في انها قادرة على المشي باستقامة ولديها دماغ اكبر بقليل، جلدها لم يكن محفوظا، لكنها كانت على الاغلب مغطهة بفرو.

على كل حال، فبين اثنان الى ثلاثة ملايين سنة مضت، اسلافنا بدأوا باستيطان مناطق مفتوحة اكثر من السافانا (savannahs) (السهول العشبية)، هذا يعني انهم كانوا بالخارج تحت لهيب الشمس الحارق لساعات اكثر كل يوم.

بنفس الوقت، بدؤا أيضاً باصطياد واكل اللحوم بشكل اكبر، وصيد الحيوانات كان غزيرا في الاماكن بالمفتوحة، هذا الانتقال نحو الاماكن المفتوحة يعرض علينا تفسيرا لفقداننا للشعر.

في عام  1990 توصل بيتير ويلير (peter wheeler)  من جامعة (liverpool john moores)  في المملكة المتحدة، الى نموذج رياضي يظهر فيه كمية الحرارة التي يحتاجها الهومينيس ليفقدوا شعورهم في هذه المستوطنات المفتوحة في سبيل القدرة على القيام بوظيفتهم على اكمل وجه. اذ انه اذا ما كانت ادمغتهم قد سخنت جدا، فان  قدرتهم على التفكير سوف تضعف.

واذا ما كان الهومينيس مغطون بالشعر، فلن يكونوا قادرين على التخلص من الحرارة بالسرعة الكافية، ويلير فسر ذلك على انه قد أحدث تغيران مرتبطان سمحا لاسلافنا بالبقاء بحرارة معتدلة.

فحالما كان المشي على الرجلين موجودا، يعني ذلك انه فقط الاجزاء العلوية من اجسادنا كانت تحت اشعة الشمس مباشرة.

الهومينيس بدأوا أيضاً بالجري لمسافات طويلة، ذلك يعني انه كان بمقدورهم صيد اعداد كبيرة من الحيوانات والقضاء عليها، لكن ذلك  سيعرضهم لخطر الحرارة العالية، فللتعامل مع هذه المشكلة عليهم بفقدان فروهم، لمساعدتهم على التعرق.

الهومينيس  بشعرهم الذي يغطيهم كما قردة الشمبانزي لن يسمح لهم الوضع بالتعامل مع لهيب الشمس الحارق بمنتصف النهار، فلن يكونوا قادرين على الصيد او البحث عن المؤونة، ما لم يكونوا يختبئون في الظلال، حيث سيخسرون ساعاتٍ من وقتهم الثمين، وهذا ما تقوم به قردة الشمبانزي المعاصرة اليوم حيث يكمن وجودهها بالغابات المظللة.

بالمقابل، الانسان البدائي  استمر بمواصلة تقدمه بسبب قدرته التي صرعت الحرارة، عن طريق التعرق، كما يقول تاماس ديفيد باريت (tamas david-barrett)  من جامعة اوكسفورد في المملكة المتحدة.

يقول أيضاً “سيكون لهذه القدرة الفضل الاكبر ليكونوا قادرين على قضاء منتصف النهار بشكل كامل بحثاً عن المؤونة والشركاء، بالتزامن مع مقاتلة الاعداء. التعرق يسمح لهم بفعل ذلك، ولكي يكون التعرق فعال يجب عليهم ان يفقدوا شعرهم بأقصى شكل ممكن “. التعرق شيئ مفيد ولهذا ففقدان الشعر شيئ مفيد هو الاخر”.

اليوم، البشر يعتبرون اكثر الرئيسيات تعرقا التي على قيد الحياة، لدينا اكثر من خمسة ملايين غدة تفرز العرق تدعى بالغدد الناتحة eccrine glands، تنتج ما يقارب 12 لترا من العرق باليوم على الاكثر، طبقا لتخمين وضع من قبل العالم بعلوم الانسان نينا جابلونسكي من جامعة ولاية بنسلفينيا في الولايات المتحدة.

على كل حال فمنذ ان اقترح ويلير افكاره هذه، تعلمنا ان الهومينيس كانوا يمشون بشكل مستقيم لفترة طويلة قبل ان يبدأوا باستيطان بيئات اكثر انفتاحا، لوسي كانت تمشي على رجلين لكنها عاشت قبل فترة طويلة من تغير المناخ الذي دفع الانواع الاخرى اللاحقة للبحث عن بيئات اقل تشجيرا (مفتوحة اكثر).

هذا يعني أن المشي على قدمين (بشكل مستقيم) قد لا يكون العامل الاساسي لفقدان الشعر، فالهومينيس ببساطة لم يكونوا يركضون هذا القدر من المسافات بعد، على كل حال، فان مشينا المستقيم اصبح ملائما اكثر عندما انتقل الانسان البدائي لاماكن اكثر حرارة، حيث شكل لهم اسلوب حياة اكثر انفتاحا. قدرتهم على المشي باستقامة، والجري، سيكون لها فائدة معتبرة، لكلاً من صيد الفرائس وتجنب المفترسين، عند هذه النقطة من الزمن، المشي باستقامة بإمكانه ان يكون قد سبب فقدان اكثر للشعر، والعكس صحيح.

“كلما كنت اقل شعرا، كلما استفدت اكثر من كونك تمشي باستقامة، وكلما قضيت وقتا اطول تمشي باستقامة، كلما استفدت من فقدانك للشعر” كما يقول ديفيد باريد.

سيكون السؤال الجوهري عندها متى بدأ الهومينيس بالركض ببداياتهم؟

الجواب على هذا السؤال سيكون أن الركض بدء بنوع الهومو اريكتوس homo erectus   ذو الهيكل المثالي للركض، هذا النوع بدأ بالظهور قبل 1. 8 مليون سنة مضت.

يقول جابلونسكي: ” لقد خسرنا  معطفنا الثقيل من الشعر وكسبنا غدد اكثر لفرز العرق على الاغلب بنفس الوقت، خلال فترة بدأ تطور جنس الهومو”.

لكن افكار ويلير لم تأخد بالحسبان حقيقة ان الهومينيس عليهم ان يبقوا دافئين بالليل عندما تنخفض درجة  الحرارة، فبدون  الفرو سيكون لديهم حماية اقل من البرد.

دافيد باريت وزميله روبين دونبار عارضوا ذلك وردوا عليه بورقة بحثية نشرت بمجلة تطور الانسان (journal of human evolution) حيث عارضوا الفكرة القائلة، بانه اذا اراد الهومينيس النجاة دون الفرو في الليل فإن عليهم ان يحرقوا مزيدا من السعرات الحرارية، وهذا يعني انهم خلال يومهم عليهم ان يكونوا قادرين على شحن اجسادهم باغذية مليئة بالسعرات الحرارية“.

دافيد بارين رد على ذلك باننا نستطيع ان نفعل ذلك فقط عندما نبدأ بتناول الطعام المطبوخ.

اشار دافيد باريت أيضاً الى انه اذا قلنا ان الهومينيس كانوا يطبخون طعامهم، فانه كان يجب عليهم استخدام النار، حيث تبقيهم حرارتها دافئين طوال الليل كما تعطيهم غذاء افضل.

على كل حال فان هذا يعتمد على اذا ما كان الهومينيس كانوا يستعملون النار حقا، ولا وجود لدليل حتى اليوم يقول بانهم كانوا يستخدمونها قبل مليوني سنة، وهناك دراسة تعارض ذلك أيضاً نشرت بمارس 2016 تقول ان الطبخ لم يكن موجودا الا قبل 500 الف سنة مضت.

حتى اليوم فرضية التعرق تبقى الفرضية الرئيسية التي تفسر سبب فقداننا للشعر.

لكن هناك افكار اخرى بخصوص فقداننا للشعر:

منها الاقتراح بأن الانسان البدائي كان يقضي كثير من وقته داخل الماء، عندما كانوا يحتاجون لجلد خالي من الشعر للسباحة بفعالية، لكن تم رفض هذه الفكرة بشكل واسع، إذ أن الكثير من الحيوانات البحرية لم تفقد فروها وهی تسبح بشكل جيد.

فكرة اخرى تقول اننا  فقدنا الفرو للتخلص من الطفيليات العالقة به، والمشكلة بهذه النظرية أيضاً انها لا تفسر لماذا يغطي الفرو جلود الرئيسيات الاخرى اذا.

المصدر:

Melissa Hogenboom, Our weird lack of hair may be the key to our success, BBC, 2 August 2016