العلموي الصارم … بيير سميون لابلاس

بقلم: احمد ألساعدي

بيير سميون لابلاس

حياته:

ولد بيير لابلاس عام 1749م في مدينة بومونت على ضفاف نهر أوج في فرنسا ويعود أصله إلى عائلة نورمانية نبيلة وهي من العوائل المعروفة في فرنسا وفي عام 1765م بدأ الدراسة في مدينة كاين الفرنسية وفي سنة 1771م  بدأ بالتدريس في الاكاديمية العسكرية في باريس وعمره 20 عاماً وعين لابلاس ممتحنا في الاكاديمية المدفعية في باريس وقد كان من بين الذين درسوا نابليون بونابرت وظلت العلاقة بينهما مزدهرة زهاء عشرين عاما واستفاد لابلاس فيها الكثير وفي عام 1773م أصبح لابلاس عضوا أكاديميا في أكاديمية باريس وتزوج من ماري شارلوت دي كورتي وفي عام 1799م إثناء تولي نابليون الحكم أصبح وزيرا للداخلية الفرنسية ولم يلبث بالمنصب سوى أسابيع قليلة ،وأراد نابليون تطييب خاطره بعد إخراجه من وزاره الداخلية فجعل منه عضوا في مجلس الشيوخ وخلع عليه لقب الكونت ثم رئيسا للمجلس عام 1830م .

إن المؤرخين الذين اهتموا بحياته وجدوا فيه شخصا يدعوا للدهشة فقد كان يجمع الكثير من الصفات التي امتزجت فيه بشكل غريب كان طموحا دون إن تنقصه المودة وكان بارعا لامعا ولكنه لا يتورع عن سرقة أفكار غيره ! وكان مرنا بحيث يصبح جمهوريا مع الجمهوريين وملكيا مع الملكيين كما تدعوا الأحوال في زمنه الكثير من التقلب ففي العهد الجمهوري كان جمهوريا عنيفا يعلن عن بغضه الذي لا يخمد للملكية ، ولكن ما إن استولى نابليون بونابرت على السلطة في التاسع من نوفمبر عام 1799م حتى ألقى لابلاس ثوب الجمهورية من على كاهله وصار من اشد أنصار الحاكم حماسةً وساعده في التحضير للحملة على مصر ،ويتبين لنا مدى تقلبه من خلال مقدمات كتبه حيث أهدى الطبعة الأولى من كتابه “نظام العالم” عام 1796م إلى البرلمان الفرنسي ولكن بعد 8 سنوات حل نابليون البرلمان فبادر لابلاس بإهداء الجزء الثالث من كتابه “حركة الأجرام السماوية” إلى نابليون بكلمات تعظيم وإجلال لنابليون لأنه حل البرلمان !!.

وفي سنة 1812م وعندما كان نابليون في أوج عظمته أهدى لابلاس الطبعة الجديدة من كتابه “نظرية تحليلية في الاحتمالات” إلى نابليون العظيم ،ولكن بعد ذلك بعامين زال سلطان نابليون ونفي إلى جزيرة (سانت هيلانه) والغريب أن لابلاس كان من بين الاشخاص الذين أصدروا قرار نفيه !! والسؤال هنا ماذا يا ترى فعل لابلاس غير إهداءه للكتب؟

وكتب ذات مرة:- “أن حساب الصدف كان يمكننا أن نتنبأ ، بدرجة كبيرة من الاحتمال ،بسقوط الاباطرة الذين كانوا يحلمون بالسيطرة على العالم” .

وهكذا فانه مهما كانت درجة الإعجاب بعبقرية لابلاس العلمية ، فانه لم يقلل على إي حال من عدم الثقة التي كان يشعر بها الجميع إزاءه نتيجة لسرعة تلونه السياسي، ولعل اقل معاصريه خوفا كان يصفه “بالمرونة”

ولكن مع ذلك وإنصافا للابلاس فانه لم يكن خبيثا ولا شريرا ، بل كان يمد يد العون للكثير من العلماء الشباب ،ففي مسقط رأسه كان يحيط نفسه بعدد من العلماء الشبان الذين يسيرون على نهجه الفكري منهم العالم الفيزيائي (جين بيو) المعروف بأبحاثه عن استقطاب الضوء و كذلك الكيميائي (جوزيف جاي لوساك) وايضا العالم الإحيائي البارون (لاسكندر فون همبولت) وعالم الرياضيات المميز (سيمون بواسون).

ويحكى ذات مره أن جاء العالم (بيو) إلى لابلاس وقرأ عليه بحثا عن نظرية المعادلات ، وبعد أن استمع لابلاس إلى البحث اخذ (بيو) واخرج له أوراق صفراء قديمة توصل فيها إلى نفس النتائج وطلب منه أن يحفظ الأمر سرا بينهما ، وهكذا بعد أن ارضي لابلاس ذاته وعرف (بيو) انه توصل إلى نفس النتائج التي توصل إليها من قبل ، أنكر ذاته وشجع العالم الشاب على نشر بحثه لتقترن النظرية باسمه.

ورسم له ألان جاك أندريه نيجون صورة في ذهب رتبته الجديدة وزينتها: “وجه مليح شريف، وعينان محزونتان كأنهما شاعرتان بأن الموت يهزأ بكل عظمة وجلال، وبأن الفلك ما هو إلا تحسس في الظلام، وأن العلم ليس إلا نقطة ضوء في بحر من الليل البهيم. وقد حضرته المنية (1827م) أما الذي نجهله فلا حدود له”

أهم انجازاته:

كان مؤرخوا العلوم قد أطلقوا على الماركيز دي لابلاس اسم (نيوتن فرنسا) وقد استحق هذه الاسم بفضل إعماله المرموقة في مجال ميكانيكا الإجرام السماوية التي توج بها جهود ثلاثة أجيال من علماء الفلك والرياضيات و لأنه قدم للعالم قاعدة عامه يمكن تطبيقها في كافة ميادين الفيزياء.

اهتم لابلاس بميكانيكا الأجسام الفلكية وطور نظرية حول نشأة المنظومة الشمسية.

وفي عام 1796م اصدر أهم كتاب له بعنوان “شرح نظام العالم”

(Exposition du Systeme du Monde) حيث قدم نظرية السديمية البدائية : حيث يعتقد لابلاس أن هذه الغيوم الغازية الضخمة ذات الشكل ألعدسي ، قد دارت وبردت وتقلصت وقذفت الكواكب والأقمار وشكل الباقي الشمس. لاقى افتراض لابلاس “السديمية” القبول لفترة طويلة من الزمن ، ولكنها استبدلت في الوقت الحاضر بنظريات أخرى . وعلى إي حال لم يستطيع العلماء حتى اليوم حل المشكلة .

نشر لابلاس ايضا في عام 1812م النظرية التحليلية للاحتمالية . وقد صدرت طبعة ثانية منها في عام 1814م واحتوى هذا العمل على مقدمة فلسفية موجهة للقارئ العادي.

وايضا قام بتلخيص النظريات الفلكية منذ زمن نيوتن في كتابه “الميكانيكا الفلكية” بين عامي (1798م -1825م) في مجلداته الخمس واهتم لابلاس بميكانيكا الأجسام الفلكية وطورها في نظريته السديمية الأنفة الذكر .

كان أول مقال للابلاس سنة 1773م بين فيه أن الاختلافات في متوسط إبعاد كل كوكب عن الشمس تخضع لصياغة رياضية مضبوطة “تقريبا” ، فهي اما دورية او ميكانيكية وبفضل هذا المقال اختارته أكاديمية العلوم عضوا ملحقا بها وهو في سن الرابع والعشرين ، ومن ذلك التاريخ كرس لابلاس حياته ، بوحدة وتوجيه وإصرار في هدف مهم إلا وهو اختزال عمليات الكون الواحدة تلو الأخرى إلى معادلات رياضية  وفي هذا الصدد كتب يقول: “أن كل التأثيرات الطبيعية ليست سوى نتائج رياضية لعدد قليل من القوانين الثابتة”.

وكان هدف لابلاس أن يفسر دوران الكواكب حول محاورها وحول الشمس ، ودوران أقمارها، بافتراض وجود سديم أزلي من الغازات الحارة، أو غيرها من الذرات الدقيقة، يغلف الشمس ويمتد إلى آخر أطراف المجموعة الشمسية. وقد برد هذا السديم الدائر مع الشمس شيئاً فشيئاً، وانكمش مكوناً حلقات ربما كانت شبيهة بالحلقات التي ترى الآن حول زحل. فلما ازدادت البرودة والانكماش تكاثفت هذه الحلقات فكونت كواكب، وبمثل هذه الطريقة كونت الكواكب أقمارها؛ ولعل تكاثفاً شبيهاً بهذا السدم كون النجوم. وافترض لابلاس أن جميع الكواكب والأقمار تدور في نفس الاتجاه، وفي نفس المستوى عملياً، ولم يعرف وقتها أن أقمار أورانوس تتحرك في اتجاه مضاد. وهذه “النظرية السديمية” مرفوضة الآن كتفسير للمجموعة الشمسية، ولكنها مقبولة على نطاق واسع كتفسير لتكاثف النجوم من السدم.

أن لابلاس لم يعرضها إلا في كتابه الشعبي هذا، ولم يقم بأخذها مأخذ الجد حيث قال لابلاس: “هذه التكهنات حول تكون النجوم والمجموعة الشمسية…. أعرضها بكل التشكك الذي يجب أن توحي به جميع الأشياء التي ليست نتيجة للمشاهدة أو للحساب”

اتخذ لابلاس رأياً يدين بالميكانيكية البحتة، وعبر عن الفلسفة الحتمية تعبيراً مشهوراً فقال: “ينبغي أن ننظر إلى حالة الكون الراهنة على أنها نتيجة لحالته الماضية، وسبب لحالته المستقبلة. وإن ذكاء يحيط بجميع القوى العاملة في الطبيعة في لحظة معلومة، كما يحيط بالمواقع الوقتية لجميع الأشياء في الكون، في استطاعته أن يدرك في صيغة واحدة حركات أكبر الأجرام وأخف الذرات في الكون، شريطة أن يكون عقله من القوة بحيث يخضع جميع المعطيات للتحليل، فلا شيء يغم على فهمه، وسيبصر المستقبل كما يبصر الماضي، والكمال الذي استطاع العقل البشري أن يوصل إليه علم الفلك يعطينا صورة عامة ضعيفة لهذا الذكاء. وقد أتاحت كشوف الميكانيكا والهندسة، مشفوعة بكشوف الجاذبية الكونية، للعقل أن يدرك في نفس الصيغ التحليلية الحالة الماضية والمستقبلية لنظام الكون. وكل جهود العقل بحثاً عن الحقيقة تنحو إلى القرب من الذكاء الذي تصورناه، وإن بقي إلى الأبد بعيداً عن هذا الذكاء بعداً سحيقاً”

حين سأل نابليون لابلاس “لماذا لم يرد ذكر الله في كتابه (ميكانيكا الأجرام السماوية)” قيل إنه أجاب “لم يكن بي حاجة إلى ذلك الفرض” (سوف نعرض هذه المحادثة في مكان أخر من المقال.)

على أن لابلاس كانت له لحظاته المتواضعة. ففي كتابه “نظرية تحليلية للاحتمالات”، (1812)- وهي الأساس لكل ما جد بعد ذلك من عمل في هذا الميدان- جرد العلم من كل يقينياته فقال: “إذا توخينا الدقة في التعبير قلنا إن معرفتنا كلها تقريباً غير يقينية؛ وفي الأشياء التي نستطيع معرفتها يقيناً، حتى في العلوم الرياضية ذاتها، يقوم الاستنباط والقياس على الاحتمالات، وهما أهم السبل للكشف عن الحقيقة”

وكان للابلاس إسهامات نوعية، بالإضافة إلى صياغته الخطيرة الأثر للكشوف والفروض الفلكية المعروفة في وقته. فقد أنار كل فرع تقريباً من فروع الفيزياء بـ “معادلات لابلاس” عن “الجهد” التي يسرت التأكد من شدة الطاقة، أو سرعة الحركة، في أي نقطة في ميدان خطوط القوة. وحسب البيضية الديناميكية للأرض من تقلبات القمر التي كانت تعزي لشكل الكرة المفلطح، ووضع نظرية تحليلية للمد والجزر، واستنبط كتلة القمر من ظواهرها. وابتكر طريقة محسنة لتحديد مدار المذنبات؛ واكتشف العلاقات العددية بين حركات أقمار المشتري. وحسب بدقته المعهودة السرعة “القرنية” المتوسطة لحركة القمر. وأرست دراساته للقمر الأساس للجداول المحسنة لحركات القمر، التي وضعها تلميذه جان شارل بوركهارت عام 1812م. وأخيراً ارتفع من العلم إلى الفلسفة– من المعرفة إلى الحكمة- في فيض من البلاغة حيث ذكر انه قال: “إن الفلك بحكم جلال موضوعه وكمال نظرياته، هو أبدع صرح من صروح الروح البشرية، وأنبل شهادة على الذكاء البشري. فالإنسان الذي أضلته أنانيته وأوهام حواسه ظل طويلا يعتبر نفسه المركز في حركات النجوم، وقد لقي غروره الكاذب عقاباً من الأهوال التي أوحىت بها هذه النجوم.ثم ألقى بنفسه فوق كوكب لا يكاد يدرك حجمه في المجموعة الشمسية، وامتداده الشاسع ليس إلا نقطة تافهة في اتساع الفضاء. والنتائج السامية التي قاده إليها هذا الكشف خليقة بأن تعزيه عن المرتبة التي وضعت فيها الأرض، لأنها تبصره بعظمته في كل ضآلة القاعدة التي يقيس منها النجوم. فعليه أن يصون بعناية نتائج هذه العلوم السامية التي هي بهجة للكائنات المفكرة، وأن يوسع رقعتها. وقد أدت تلك العلوم خدمات جلية للملاحة والجغرافيا، ولكن بركتها الكبرى هي تبديد المخاوف التي سببتها الظاهر الفلكية والقضاء على الأخطاء المنبعثة من الجهل بعلاقتنا الصحيحة بالطبيعة وتلك أخطاء ومخاوف ستنبعث من جديد إذا قدر لمشعل العلم يوماً ما أن ينطفئ”

تجربه لابلاس:

معادلة لابلاس

لقد قام لابلاس بتجربة وذلك بتركيب دائرة كهربائية تتكون مما يلي (عمود كهربائي، سكتين من المعدن، سلك نحاسي، ومغناطيس).

ثم قام بربط السكتين المعدنيتين بقطبي المولد ثم وضع فوقهما ذلك السلك النحاسي و وضع بقرب السلك المغناطيس . وبعد ذلك قام بتشغيل المولد.

لاحظ لابلاس انه عند مرور التيار الكهربائي يتحرك السلك الكهربائي إلى الإمام.

المعروف لنا أن القوة هي السبب الرئيسي لحركة الجسم لذلك تأكد لابلاس من أن هنالك قوة معينة تولدت من التيار الكهربائي والحقل المغناطيسي وهي التي حركت السلك المعدني.

لذلك وضع لابلاس قانونه المعروف والذي يقرر بأنه (عندما يمر تيار كهربائي في ناقل موجود داخل حقل مغناطيسي فان هذا الناقل يتحرك تحت تأثير قوة كهرومغناطيسية متولدة عن التيار الكهربائي و الحقل المغناطيسي معا).

نابليون ولابلاس :

نابليون بونابرت

ذهب لابلاس إلى نابليون ذات مره وإهداه كتاب “حركة الإجرام السماوية” وكان احدهم قد اخبر نابليون بان الكتاب لا يحتوي ذكر الله وكان نابليون يحب طرح الاسئله المحرجة وكان لابلاس على الرغم من ليونته السياسية الا انه بالعلم كان عنيد لا يمارى فجرت محاورة بسيطة بين نابليون ولابلاس كالاتي :

نابليون : يقولون لي انك كتبت هذا الكتاب الكبير على نظام الكون ، ولم تذكر حتى خالقها وكان نيوتن يعتقد في وجود الله في كل مكان.

لابلاس : لم يكن لدي إي حاجه لمثل هذه الفرضية.

الخاتمة :

هذا ما خرجت به من حياة لابلاس ومنجزاته. لابلاس شخصية متقلبة أو كما كان يطلق عليه “راكب الأمواج” في الأمور السياسية ، إما في مجال العلم فله انجازات كبيرة تجسدت في كتابه “حركة الإجرام السماوية” والنظرية السديمية وكذلك معادلة لابلاس التفاضلية التي استخدمت بمجالات عديدة منها وصف الاستقرار في النظام الشمسي و حول حقل الشحنة الكهربائية وكذلك التوزيع الحراري للوعاء داخل الفرن.

وكذلك تميز لابلاس بنكران الذات وهو ما حدث بينه وبين العالم (بيو) ، ولا يخشى شيء في العلم فيقول راية إمام الجميع بدون تردد كما حصل بيته وبين نابليون بالنقاش حول (الله) والكون، وكذلك وصفه المؤرخون بالشخصية الطيبة وهو إن دل على شيء فيدل على تركيبة إنسانية عجيبة، جميلة وغامضة في نفس الوقت.

المصادر :

1)   موسوعة ويكيبيديا 

2)   الموسوعة العربية www.arab-ency.com 

3)   منتدى (تفوق في الرياضيات) 

4)   NNDB         www.nndb.com/

5)   www.metransparent.com/