ساعد النهج التطوري على فهم سبب كون الأم خزانًا وراثيًا غنيًا وتأثير هذا على صحتها.

تقول الأمهات دائمًا أنهن يشعرن كأن أطفالهن لا يزالون جزءًا منهن حتى بعد فترة طويلة من الولادة. وللعجب، من الواضح أن هذه الجملة صحيحة حرفيًا، فخلال فترة الحمل، تتمكن خلايا الجنين من عبور المشيمة ودخول جسم الأم ويمكن أن تصبح جزءًا من أنسجتها.

هذا الغزو الخلوي يعني أن الأمهات يحملن مواد وراثية فريدة من أجسام أطفالهن، مما يخلق ما يطلق عليه علماء الأحياء ميكروشيميرا _والشيميرا هى وحش برأس الأسد، وجسم الماعز، والذيل الثعبان مما يدل على الأصل المختلط. وهذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع بين الثدييات، وقد اقترح العلماء عددًا من النظريات حول كيفية تأثيرها على الأم، من المساعدة على التئام الجروح بشكل أفضل إلى ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان.

لكننا نريد أن نعلم كيف تطورت هذه الظاهرة من الأساس ليس فقط للتاريخ بل لمعرفة أثر هذا على صحة الأم.

نشأ نزاع الجنين مع الأم منذ ملايين السنين حيث تطور الجنين وتعلم التلاعب بخلايا الأم لزيادة نقل التغذية والحرارة إليه. وقد طور جسم الأم بدوره تدابير مضادة لمنع التدفق المفرط للموارد.

ومن المثير للإهتمام أن خلايا الجنين التي تعبر المشيمة وتدخل مجرى دم الأم تكون غير مكتملة النمو مما يعني أنها يمكن أن تنمو إلى أنواع كثيرة من الأنسجة مثلها مثل الخلايا الجذعية. فعندما تدخل وسط مجموعة من الأنسجة تستعمل مواد كيميائية من الأنسجة المحيطة بها لتنمو مثلهم. لذلك فبالرغم من كون الجهاز المناعي للأم يتخلص من كل خلايا الجنين بعد الولادة، فإن تلك التى تطورت تنجو من الإكتشاف وتبقى فى جسد الأم.

ومع حالات الحمل المتعددة للأم، تتراكم في جسم الأم خلايا الأطفال المتلاحقة مما يجعل جسدها كخزان جيني يمكن له حتى أن ينقل خلايا الطفل الأول لجسد الطفل الثاني وهكذا. يمكن لوجود خلايا الجنين فى جسم الأم أن يحدد متى يمكن أن يحدث حمل آخر. ويمكن لهذا النهج أن يضع تفسيرًا لبعض حالات الإجهاض الغير مبرر أو تأخر حدوث الحمل في أطفال جدد.

وقد تكون الرضاعة الطبيعية أحد نتائج ظاهرة الغزو الخلوي حيث تأمر خلايا الجنين أنسجة الأم بصناعة الحليب. و قد تكون نفس السمات التي تسمح لخلايا الجنين بالاندماج في أنسجة الأم و التهرب من جهازها المناعي يجعلها أيضا مماثلة للخلايا السرطانية، والذي يمكن أن يؤدي إلى التعرض للسرطان.

بالاستناد للتفكير التطوري، يتوقع العلماء أن الخلايا الجنينية توجد في المقام الأول في الأنسجة التي تلعب دورا في نقل الموارد إلى الجنين. وهذا يشمل الثدي، حيث قد يؤثر على إنتاج الحليب؛ الغدة الدرقية، حيث أنها يمكن أن تؤثر على عملية التمثيل الغذائي ونقل الحرارة للطفل؛ والدماغ، حيث قد يؤثر على الدوائر العصبية.

والخطوة القادمة فى البحث ستكون البحث عن الخلايا الجنينية فى تلك البقع من جسم الأم ودراسة كيفية تواصلها مع باقي الخلايا و تأثيرها على صحة الأم.

ترجمة: سارة سمير

المقال الأصلى:

Viviane Callier, “Baby’s Cells Can Manipulate Mom’s Body for Decades”, SMITHSONIAN.COM, SEPTEMBER 2, 2015