محمد باسل الطائي فيزيائي عراقي من مواليد الموصل عام 1952 وقد درس في جامعتها وعرف بكتابه الذي كتبه وهو طالب (مدخل إلى النظرية النسبية الخاصة والعامة) كما ترجم كتاب (الجسيمات الأولية) لديفيد فرش وألن ثورندايك من الإنجليزية إلى العربية أثناء دراسته ونُشر كلا الكتابين في عام 1974. له أبحاث علمية كثيرة وشارك في كثير من الأبحاث وهو الآن تدريسي في جامعة اليرموك في الأردن.

خلق الكون بين العلم والإيمان

صدر كتاب محمد باسل الطائي اللاحق وهو خلق الكون بين العلم والإيمان – الذي يُمكن تصنيفه على كتب الإعجاز العلمي – عام 1998 لكنه يقول في مطلعه أنه يسعى “لعدم تحميل النصوص الدينية ما لا تحمله”[1]. الفصل الثالث منه يتخصص بالمقارنة بين قصة “الخلق” في القرآن وقصة الخلق في العلم كما يعبر عن ذلك الطائي. ليغرق الكاتب بعد ذلك في ما ليس بتخصصه وربما ليس مما يهم العلم كثيراً حول ما يدعوه “قيمة الإنسان في الكون” ويحاول أن يستنتج فيه أن الكون مسخر للإنسان “مبدأ التسخير”، أما الفصل السادس فيعود به إلى خلط الدين بالعلم بشكل مفرط من خلال مفهوم الزمان (أقرأ عن المبدأ الإنثروبي الكوني الذي يسميه الدكتور مبدأ التسخير).

انتقل الدكتور عبر 9 سنوات منذ كتابه العلمي الصرف الأخير (الإلكترونيات المبسطة 1989) حتى هذا الكتاب ليظهر بعباءة الدين، الكتاب في مطلعه ومعظم طرحه هو كتاب ديني معزز بالآيات القرآنية وهو مجرد أساساً من سمة البحث والاستطلاع في الشؤون التي يبحث بها ومنتقلاً بشكل مباشر نحو اليقين الديني التام، فيحاول أن يسحب الدليل العلمي كيفما استطاع ليجعله متطابقاً معه تماماً مثل إسلوب رجل دين يحاول التقرب من العلم وليس كفيزيائي له مكانة أكاديمية مرموقة. يقول مثلاً “هذا القرآن لا تنتهي غرائبه ولا تفنى على مر الزمان عجائبه. فيه أخبار من سبقوا وأعلام من حضروا…”.

أول مطب يسقط به الطائي في كتابه لم يكن مع العلم بل مع الدين، فهو ينفي مسبقاً جميع التفسيرات المأثورة وأقوال المفسرين القدماء للنصوص المتعلقة بالفلك، ليحتكر هو الساحة وللجدد ممن على شاكلته. وهذا الأمر خلق له إشكاليات مع التدين التقليدي أكثر من أي جهة أخرى. وهو يبرر ذلك بما يصفه بـ “التيار الإلحادي العارم الذي وقف الرهط الإيماني عاجزاً” ليتولى هو مهمة الدفاع بشكل حديث بدلاً من الإسلوب الذي ينتقده من إسلوب القرن الثالث عشر الميلادي.

مع ذلك يقر الطائي في كتابه أن القرآن ليس كتاباً علمياً لكنه في الوقت نفسه لا يرى فيه تعارضاً مع العلم. ثم يلخص (في ص29 من كتابه المذكور في المصادر) منهجه بالقول أنه يعرض الآيات على العلم فإذا وجده مطابقاً أو معارضاً فسيحاول التحقق من طبيعة المعرفة العلمية وطبيعة التفسير الموجود للآية حتى يقرر العلاقة بينهما، وهو بالتأكيد رافض لوجود التعارض مسبقاً ضمن ما ذكره. إذاً فهو سيقوم بمحاولة للتوفيق بين القرآن والعلم كما يرى محاولاً التحقق من الطرفين قدر المستطاع لتحقيق ذلك التوفيق أو لنفي التعارض.

غير أن الطائي لا يلبث أن يردد كلام رجال الدين واقعاً في نصوص تبدو له ذات قابلية للتطابق مع بعض الحقائق العلمية ومنذ الفصل الأول فهو يفسر المعقبات (له معقبات من بين يديه ومن خلفه)[2] بأنها المجال المغناطيسي الحامي للأرض. وغيرها من النصوص البعيدة التي يلوي نصوصها في الواقع ويحملها أكثر مما تحمل من دوران الأرض حول نفسها إلى دوران الأرض حول الشمس والزعم بأن الانفجار الكبير مذكور في القرآن (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما)[3]، طبعاً لو أردنا التوقف هنا قليلاً، أما تسائل الدكتور وهو يخلط الدين بالعلم بهذا الشكل كيف سيكون موقف العلم من وجود سماوات سبعة؟ أم أنه يريد فقط أن يحصل على الجزء المفيد له آيديولوجياً. وهكذا يستمر الطائي في كتابه بإعادة تكرار بالسلسلة الكاملة من المغالطات الإعجازية التي يرددها الأشخاص الذين ينتقدهم  من مروجي الإعجاز الآخرين الفرق الوحيد أنه يقدم شرحاً علمياً أفضل من رجال الدين رغم عدم وجود صلات بين الشرح العلمي والنصوص التي يحاول ربطها بها.

آراء معارضة للدين في لقاءاته

يقول الطائي في لقاء بقناة البحرين عام 2017 أنه لا يعترف بحديث الإسراء (الحديث الذي يرى فيه المسلمون أن النبي محمد قد سافر إلى السماء وعاد في ليلة واحدة)، كما انتقد بشدة مروجي الإعجاز مثل علي منصور الكيالي وزغلول النجار ورجل الدين الكويتي عثمان الخميس ونفى الصنف الحديث من المزاعم التي يقدمها هؤلاء محاولاً أن يتخذ اتجاهاً أكثر تقليدية في طرح الإعجاز العلمي. كما أنه يدعو لرؤية دينية جديدة مستنكراً في الآن ذاته مواقف بعض رجال دين ذوي التوجهات الحداثوية كما نفى دور الحديث في الدين (الحديث النبوي هي أقوال وأفعال النبي محمد) وهو رأي ديني صرف له استنكار من المدارس التقليدية في الإسلام[4].

في برنامج العوضي وياكم الذي عرض في عام 2015 لم يطرح الدكتور محمد باسل الطائي أياً مما في كتابه الصادر عام 1998، وربما لم يكن ذلك أفكار الدكتور من الطرح الساذج لما يسمى بالإعجاز العلمي بل تجنباً من المقدم الأصولي محمد العوضي لما يذكره الطائي من افكار جديدة قد لا تتناسب مع الأصولية، لكن الحوار لم يكن حواراً مع عالم، بل كان حواراً فلسفياً دينياً بشكل أكبر وتحديداً حول وجود الله. في الحلقة الرابعة منه حول الفعل الإلهي للعالم ومع سؤال محمد العوضي حول دور الله في العالم افتتح الطائي إجابته بالفكر الفلسفي اليوناني مثلاً ومضى مباشرة نحو الأفكار الغربية دون أن يعرج بأي شكل على الفكر الإسلامي الذي ينتمي له. لسنا بصدد الدخول في نقاش الحلقة ولكننا بصدد الإشارة إلى تغير طرح الدكتور الطائي[5].

رغم ذلك فإن الدكتور ورغم تمرده على كثير من الأفكار التقليدية لكنه يبدو في مقطع فيديو نشره في قناته في عام 2017 بأنه لم يتغير كثيراً. فهو يقول أن القرآن لم يكن مفهوماً في الأمس كما هو اليوم زاعماً أننا اليوم يجب أن نربط بينه وبين العلم ويعيد ذكر أمور كثيرة ساذجة مما أسلفنا ذكره في المقال مما يدل على عدم وجود أي تغيير شاسع في أفكاره الإعجازية رغم الجوانب الأخرى التي تغيرت لديه.

خلاصة

ينتقد الدكتور محمد باسل الطائي الطبقة الواسعة من مروجي الإعجاز العلمي غير أنه وطيلة مسيرته لم يتنازل عن القرآن كمصدر “للإشارات العلمية” وعلى الرغم نقض الدكتور لبعض الأصول الدينية. وهو بذلك يمثل نموذجاً لمن يسئ للعلم ولمكانته العلمية من جهة لاعباً دور رجل الدين ومن يستغل العلم لأهداف دينية، وهو أيضاً يناقض التوجه التقليدي الديني إلى حدٍ ما للتحرر من بعض الأمور التي لا يُمكن ترقيعها أو تأويلها ويعتبر هنا مسيئاً للدين بنظر الكثيرين، وهو يقع بذلك في ذات المطب الذي وقع به الكثيرين من مروجي الإعجاز العلمي.

مصادر

[1]  محمد باسل الطائي، خلق الكون بين العلم والإيمان، 1998، مطبعة دار النفائس، بيروت، ص 7

[2]  القرآن، سورة الرعد، 1

[3]  القرآن، سورة الأنبياء، 30

[4]  قناة البحرين، لقاء مع الدكتور محمد باسل الطائي، 2017

[5]  محمد العوضي – برنامج العوضي وياكم، لقاء مع الدكتور باسل الطائي، 2015