ترجمة: محمد كمال

ليس هناك ما هو أكثر برودة من الصفر المطلق، لذا فيبدو أنه من اللامنطقي الحديث عن درجة حرارة سالبة – ولكن الآن الأمر مختلف , فقد تمكن العلماء من ايصال مادة إلى درجة حرارة أقل من الصفر المطلق . إن هذا الاكتشاف من شأنه أن يهز أفكارنا و فهمنا لدرجة الحرارة ويساعدنا على فهم بعض الأشياء الغامضة في الكون مثل الطاقة المظلمة، بالإضافة إلى تفاعلات الجسيمات دون الذرية.

Temperature depends on the energy landscape <i>(Image: Ludwig Maximilian University of Munich)</i>
بالرغم من اعتيادنا على التعامل مع درجات الحرارة السالبة مثلا −10°C , إلا أن جميع درجات الحرارة المقاسة بالترموميتر العادي أو بوحدة السليزيوس , هي في الواقع درجات حرارة موجبة عند قياسها باستخدام مقياس الكلفن , و هو مقياس درجة الحرارة في نظام الوحدات العالمي و الذي يبدأ بالصفر المطلق (−273.15°C).
على مقياس كلفن، يتم تحديد درجة الحرارة عن طريق الطاقة الحركية للجسيمات، فالغاز المكون من جسيمات بطيئة يكون أبرد من الغاز المكون من الجسيمات التي تتحرك بسرعة أعلى. ومن هذا المنطلق, فإن الصفر المطلق هو درجة الحرارة التي تتوقف عندها حركة الجسيمات تماما، وهذا هو السبب وراء عدم وجود درجة أكثر برودة من الصفر المطلق .
لم تنتهي القصة بعض , فالحرارة أيضا تعتمد على عامل أخر , و هو الطريقة التي تتوزع بها طاقة الجسيمات خلال الغاز, و التي تحدد ما يعرف بالإنتروبيا أو الاضطراب.
تمثيل طبيعة الطاقة :
عندما نتحدث عن درجة أعلى من الصفر المطلق, فإن زيادة الطاقة يقابله زيادة في الانتروبيا . انظر الصورة المرفقة , مرتَفَع يجاوره منخَفَض , مقدار الارتفاع في الصورة يمثل طاقة الجسيم , بينما تمثل فرصة وجود الجسيم عند ارتفاع معين الانتروبيا . عند الصفر المطلق (صفر كلفن) تكون جميع الجسيمات عديمة الحركة , و بالتالي فان طاقتها تساوي صفر , أي أنهم جميعا يقعوا في المنخفض الممثل في الصورة المرفقة معطياً بذلك أقل قيمة للانتروبيا (الحد الأدنى).
عندما يتم تسخين الغاز, فإن متوسط الطاقة للجسيمات يرتفع ,حيث بعض الجسيمات تكتسب الكثير من الطاقة ,بينما معظم الجسيمات يكتسب القليل منها . و مع زيادة الحرارة
, سيكون التوزيع لهذه الجسيمات على انحاء المرتفع في الصورة المرفقة , و الجسيمات ستمتلك طاقات متفاوتة و بالتالي الانتروبيا ستكون أعلى .
تبعاً للتعريف الانتروبي لدرجة الحرارة, فإن أعلى درجة حرارة موجبة يقابلها أعلى حالة إنتروبيا أو إضطراب للنظام , و على الرسم المرفق , فإن هذه الدرجة و هذه الحالة الأقصى من الاضطراب تكون عندما تتوزع الجسيمات على المنحنى بحيث يكون عدد الجسيمات عند كل نقطة في المنحنى متساوي. و من هذا , فإن هذه النقطة تمثل نهاية المقياس الموجب لدرجة الحرارة , و عند زيادة طاقة الجسيمات أكثر من ذلك سيؤدي إلى خفض الانتروبيا للنظام و ذلك لأن الجسيمات لن تكون موزعة بالتساوي على نقاط المنحنى .
من حيث المبدأ , على الرغم من ذلك فإنه من الممكن الاستمرار برفع حرارة الجسيمات بينما ينخفض الانتروبي الخاص بهم . لأن هذا سيكسر العلاقة بين الطاقة و الانتروبيا , فإنه سيشكل بداية المقياس السالب لدرجة الحرارة , حيث سينعكس توزيع طاقة الجسيمات فبدلا من أن تكون بعض الجسيمات لها طاقة عالية و معظمها لهم طاقة منخفضة, سيصبح معظم الجسيمات لهم طاقة عالية و بعضهم له طاقة منخفضة , و نهاية هذا المقياس السالب تكون عندما تمتلك جميع الجسيمات أعلى طاقة و تكون عند قمة منحنى الطاقة .
ميزان الحرارة السابق مشوش للعقل , فمقياسه يبدأ بالصفر, ثم يصعد إلى اللانهاية الموجبة, ثم يقفز إلى اللانهاية السالبة قبل أن يزداد تدريجيا في الاعداد السالبة حتى يصل إلى الصفر المطلق السالب , و الذي يقابله وجود جميع الجسيمات على قمة منحنى الطاقة.
الذرات الباردة :
” إن مقياس الحرارة الذي نعرفه يبدأ عند الصفر حتى يصل إلى اللانهاية تدريجيا, إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد،” قال أولريش شنايدر من جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ في ألمانيا.
للدخول إلى عالَم الحرارة السالبة, بدأ شنايدر و زملائه بتبريد بعض الذرات إلى درجة حرارة تمثل أجزاء قليلة فوق الصفر المطلق و وضعوهم في الفراغ . ثم بدأو باستخدام الليزر لتوزيع الذرات كما في منحنى الطاقة , بحيث جعلوا معظم الذرات في حالة الطاقة المنخفضة , كما قامو بجعل الذرات تتنافر مع بعضها البعض للتأكد من أنها ثابته في أماكنها .
ثم قام الفريق بتحويل نظام الحرارة الموجب هذا إلى سالب باستخدام أمرين . قاموا بجعل الذرات تنجذب و قاموا بتهيئة الليزر لتغيير مستويات طاقة هذه الذرات , و ذلك بجعل معظم الذرات تحمل طاقة عالية , و بالتالي الانتقال من المنخفض في منحنى الطاقة إلى المرتَفَع , و كانت النتيجة توزيع عكسي للطاقة يمثل درجة الحرارة السالبة !
لن تستطيع الذرات أن تفقد طاقتها و تنزل تدريجيا على منحنى الطاقة , و ذلك لأن هذا سيتطلب زيادة طاقة الحركة لهذه الذرات و هذا غير ممكن , لأن النظام موجود في الفراغ و لا يوجد أي مصدر طاقة في خارجي . ” لقد قمنا بعمل نظام ممتلئ بالطاقة, و لن تستطيع الجسيمات أن تعيد توزيع طاقتها , لذا ستبقى الجسيمات بطاقتها العالية” قال شنايدر .
درجة الحرارة المظلمة :
تستخدم الذرات المبرّدة في محاكاة تفاعلات بعض الجسيمات تحت الذرية . و درجة الحرارة السالبة حديثة الاكتشاف من الممكن أن تستخدم لعمل نماذج لتفاعلات غير ممكن في وجود درجة الحرارة الموجبة . “إنهم أدوات تقنية جديدة في مجال المحاكاة الكمية,” قال شنايدر .
الحرارة السالبة من الممكن أن يكون لها تأثيرات في مجال الكونيات . الطاقة المظلمة- التي يُعتقد أنها تفسر السبب وراء التوسع المتسارع للكون- تمارس ضغط سلبي , مما يوحي أنها قد تمتلك حرارة سالبة . يقوم العالم شنايدر حالياً مناقشة هذه الفكرة مع علماء الكونيات .
“إنه لعملٌ تجريبي مدهش” يقول الارد موسك من جامعة توينتي في هولندا , و الذي قام بتقديم عرض موجز للنظرية خلف هذه التجربة و ذلك عام 2005 .
تعلم المزيد حول كيفية تفاعل أنظمة بدرجات حرارة سالبة مع أنظمة من نفس النوع , أو مع أنظمة بدرجات حرارة موجبة قد تسمح لنا بتصميم محركات حرارية فائقة الكفائة , ولكن هذا بعيد المنال إلى حد ما . “لا أعتقد أن هذا قد يمنحنا أجهزة جديدة على الفور , و لكن سيعطينا فهم أعمق حول ماهية الحرارة”
http://www.newscientist.com/article/dn23042-cloud-of-atoms-goes-beyond-absolute-zero.html