كيف بدات اللغة؟ ومن نطق الحرف الاول؟ سؤال حير العلماء كثيرا  وذهبت المباني الكلامية  الى المشرق والمغرب ولم تأت بنظرية معقولة يمكن من خلالها  وضع تفسير مناسب.

 الدراسات العلمية اكثر مصداقية فهي تعطي نظرة اكثر واقعية لكيفية بدء  الانسان بعملية النطق  وتكوين اللغة.  يشير العلماء الى  ان القدرة على النطق وتكوين لغة عند عائلة  الهومو  قد تكون بدات منذ ما يقارب (500.000) سنة  والسبب هو  جين اللغة، فقد اكتشف العلماء جين اللغة ( FOXP2) سنة (1990) من خلال دراسة ثلاث اجيال لعائلة بريطانية  تعاني من  مشاكل في النطق وفي اللغة. وقد وجد ان اجيال تلك العائلة التي تعاني من مشاكل في اللغة تشترك في  طفرة  وراثية لنسخة واحدة من جين اللغة (FOXP2).

ساعدت الطفرة التي حدثت منذ ما يقارب نصف مليون سنة البشر  من خلال زيادة قدرتهم على التحكم بحركة العضلات التي تستخدم في عملية النطق، والتي تعتبر مهمة وضرورية  للكلام  عند  القردة  وبالتالي لايجاد اللغة. الجديد في الامر هو دراسة  اجريت على الفئران، تشير هذه الدراسة  الى ان  طفرة في جين اللغة  قد تكون ساعدت  البشر  من خلال زيادة قدرتهم على التحكم بعضلات الفك وبالتالي النطق. جاء هذا الادعاء بعد مراقبة فئران معدلة وراثيا تم هندستها لانتاج النسخة البشرية من جين اللغة البشري، حيث زادت قدرتها وسرعتها على التعلم مقارنة بنظيراتها من الفئران الطبيعية. قدمت هذه التجربة(Christiane Schreiweis) وهي مختصة بعلم الاعصاب من معهد ماكس بلانك للانثروبولجية التطورية في ليبزيغ في المانيا.

معظم الفقاريات تمتلك اصدارات متطابقة تقريبا من ذلك الجين والذي يرتبط بتطور مناطق مهمة في الدماغ  مختصة بمهام الحركة والتعلم، علما ان النسخة البشرية من جين اللغة تختلف عن نظيره الموجود في الشمبانزي بأثنين من  الاحماض الامينية مع الاشارة الى ان التغيرات في  الصيغة البشرية من جين اللغة هي التي من المرجح ان تكون لها يد في تطور اللغة  عند البشر.

أكتشف فريق من الباحثين بقيادة (Schreiweis) و (Svante Pääbo) أن جين اللغة موجود لدى كل من الهومو سابين (Homo-sapiens) ووانسان النيانتردال  (Neanderthalensis)، ويرى الفريق ان الطفرة حدثت في  كلا  النوعين من الهومو منذ ما يقارب خمسمئة الف سنة.

قام باحثون من معهد ماكس بلانك منذ بضعة سنين بهندسة فئران جينياً لتصبح قادرة على انتاج الجين البشري  من نوع ( بروتين 4). كانت هذه  الفئران  الجديدة  اقل  اضطرابا عندما فصلت عن امهاتها، ولوحظ ان تلك الجراء الصغيرة بدات بتغيير طريقة اصدارها للصياح من خلال الموجات فوق الصوتية مقارنة مع ما تطلقه نظيراتها.

تم مقارنة  ادمغة الفئران المعدلة  وراثياً مع نظيراتها الطبيعية حيث لوحظ بان تشعبات الخلايا العصبية هي اطول واكثر من نظيراتها الطبيعيات. تزيد هذه التشعبات من تمكن العصبونات من التواصل بشكل أكبر. فرق اخر نجده هنا في منطقة خاصة في الدماغ  تسمى (Basal Ganglia) التي تتعلق بامور التعلم وامور الذاكرة.

في اجتماع لعلماء الاعصاب،جادل (Schreiweis) ان الفئران المعدلة وراثيا ذات جين اللغة  البشري تتعلم بسرعة اكثر من الفئران العادية، واضاف ان هذه الفئران استطاعت ان تتجاوز متاهات نجمية مصطنعة للوصول الى الماء. وبعد ثمان ايام من استطاعت  الفئران ذات جين اللغة البشري من  اجتياز المتاهة بزمن يعادل (70%) من الزمن  العادي  الذي تحققه الفئران الاعتيادية. يضيف شريويز قائلا ان  الشكل البشري لجين اللغة مكن الفئران بسرعة من دمج  القرائن البصرية مع التكتيك من حل واجتياز المتاهة، وربما ساعد هذا الجين ايضا جنسنا على تعلم الحركات العضلية المعقدة اللازمة لتشكيل الاصوات  ومن ثم الجمع بين هذه الاصوات الى كلمات وجمل.

أوضح عضو اخر من معهد ماكس بلانك (Ulrich Bornschein)  امرا اخر في اجتماع علماء الاعصاب حيث قال: ” ان  التغييرات في مناطق معينة من الدماغ التي تؤدي الى سرعة التعلم تتحقق تغيير في اثنين من الاحماض الامينية  ل(FOXP2)  في الشكل البشري بينما قد لا تفعل أي طفرة اخرى  أي اثر محسوس”.

يضيف (Genevieve Konopka) وهو عالم اعصاب في جامعة تكساس ويدرس ايضا جين اللغة :”يبدو الامر منطقيا  أعلاه، فقد وجدنا طفرات مختلفة في جين اللغة في اكلة اللحوم  مثل الكلاب والذئاب لكنها لم تحدث تاثير واضح في ادمغتهم”.

تقول (Faraneh Vargha-Khadem) عالمة الاعصاب في  جامعة لندن  التي درست العائلة التي تعاني اجيالها من مشاكل في النطق واللغة  وطفرات جين اللغة (FOXP2):”ان تلك النتائج يمكن ان تساعد في تفسير دور الجينات  في اتقان حركة الوجه التي تشارك بالتعبير والكلام “.

ان التفسير العلمي لنشوء اللغة من قبل علماء الاعصاب يعد امرا مشوقا  للمتتبعين  خاصة في مجال اللسانيات ومجال  القدرة على التعلم والحركة.