باتت السعرات الحرارية محط هوس جل المهتمين بالتغذية الصحية واللياقة، لدرجة أن يصير ذلك الرقم المكتوب على جوانب علب الاطعمة -غالباً- هو المحدد الأهم لما سيضاف لسلة المشتريات لبعض الاشخاص، فهل يكفي عدد السعرات الحرارية لمعرفة الحكاية وحسم الجواب؟ وهل هنالك محددات أخرى لترشيح أنظمة غذائية أفضل؟ تابعونا لنكتشف المزيد..

لمعرفة كيفية قراءة وفهم جدول الحقائق الصحية على علب الأغذية، راجع مقالنا:

حول جدول المعلومات الغذائية والسعرات الحرارية – العلوم الحقيقية

السعرة الحرارية*: هي –باختصار- وحدة لقياس الطاقة الحرارية، وتساوي الطاقة الحرارية اللازمة لرفع حرارة 1 لتر من الماء درجة سيليزية واحدة في مستوى سطح البحر، وتستخدم لمعرفة كمية الطاقة الغذائية المتوفرة في الأطعمة.

وقبل الحديث أكثر عن السعرات في الأطعمة، هنالك حقائق متسلسلة من الجدير معرفتها في المقدمة، وهي أن:-

عدد السعرات الغذائية الحقيقية في الطعام لا يساوي () عدد السعرات المذكورة على جوانب علبة المنتج الغذائي، وهو غير مساوٍ () لعدد السعرات النهائي الممكن استخلاصها من الطعام

ولكي ندرك سبب ما ذكرنا، حريّ بنا معرفة ما نسميه بالوفرة الحقيقة للسعرات (Caloric Availability): ونعني بها السعرات الحرارية الممكن لنا استحصالها من غذاء ما. وتقابلها السعرات الكلية الموجودة في الغذاء. 

فعلى سبيل المثال، لو تناولت 100 سعرة من السكر، فإن ما ستحصل عليه هو ما يقارب الـ 95 سعرة حرارية، أي أن الوفرة الحقيقية للسعرات في السكر تساوي 95%، والباقي سيستهلك في الهضم، بينما تناولت 100 سعرة من الذرة الحلوة الطازجة ستدرك من متابعتك لخروجك ووزنك أنك بلا شك لم تتناول القدر ذاته من الطعام، أما لو تحولت تلك الذرة لشيء آخر، كخبز الذرة، وتناولته لنفس القدر المعنون للسعرات الحرارية (100) ستلاحظ مجدداً فرقاً في الإستهلاك.

كيف إذن تقاس السعرات الحرارية؟ 

تقاس السعرات الحرارية في الغذاء بواسطة جهاز يسمى المسعر الانفجاري، وهو عبارة عن صندوق مغلق مضغوط يحتوي على قدر معلوم من الماء، يحرق فيه الطعام المراد قياسه حتى يتفحم بالكامل، ثم يقاس مقدار تغير الحرارة، في الماء ومن ذلك يعرف مقدار الطاقة الحرارية التي يحتويها الطعام، وهذه الطريقة تقاس فيها كل السعرات الحرارية التي يحتويها الغذاء.

إذن ما الفرق بين سعرات وأخرى في الأغذية المختلفة؟ الفرق بكل بساطة هو أن أجسامنا لا تعمل كمسعر حراري! فهضم الطعام في أجسامنا هو عملية طويلة، دقيقة ومستهلكة للطاقة.

بعد معرفتنا لذلك، ننتقل للنقطة الثانية، من أين جاءت الأرقام الموضوعة على علب الأغذية والتي تذكر عدد السعرات؟

يعود الفضل في ذلك لكيميائي أمريكي يدعى (Wilbur Atwater) حيث قضى ما يقارب العشرين عاماً (ما بين 1880 و1900) يقوم بحساب السعرات الحرارية لكل غذاء (بإستخدام المسعر الحراري)، ثم يقوم بعدها بحساب السعرات الموجودة في الخروج (البراز) لشخص ممسك تناول هذا الغذاء فقط. وكل المعلومات المذكورة على علب الأغذية اليوم تستند في الأساس على تلك التجارب التي أجريت منذ 120 عاماً!

إذن؛ لِمَ لا تساوي هذه النتائج ما نستهلكه من غذاءنا فعلياً؟

يعود السبب في ذلك إلى أن المحتوى الغذائي للطعام، وفي الدرجة الأساس على مكونين رئيسيين هما البروتين والألياف الغذائية.

ما يميز البروتين هو أنه يعطي الشعور الأكبر بالامتلاء، ويفوق بذلك الدهون والتي تفوق بدورها الكربوهيدرات (من حيث الإحساس بالشبع).

والسبب في ذلك هو كيفية عمل قناتنا الهضمية، فكلما كان الطعام أصعب على الهضم، كلما أعطى شعوراً أكبر بالامتلاء. وينطبق ذلك على البروتين، حيث يمتلك التركيب الكيميائي الأعقد، تليه بعد ذلك الدهون ثم الكربوهيدرات. وينطبق ذلك أيضاً على الألياف الغذائية التي لا تهضم بسهولة.

وعليه، فإن الوفرة الغذائية للبروتين هي 70% فقط، أي أن تناول 100 سعرة من البروتين تستهلك 30 سعرة حرارية للهضم (فضلاً عن الشعور بالشبع طيلة فترة الهضم الطويلة نسبياً)، مقارنة بالدهون عالية الوفرة بنسبة تفوق ال98% والكربوهيدرات التي تبلغ حوالي 95% في السكر و90% في الخبز الأبيض. ولتوضيح ذلك أكثر سنتطرق لمفهوم الأيض الوسيط.

الأيض الوسيط (intermediary metabolism)

يمكن تعريفه ببساطة على أنه مجموع التفاعلات التي يمر بها الغذاء لاستخلاص الطاقة والعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم من الطعام، كالأحماض الأمينية والجلوكوز والأحماض الدهنية، حيث أن الأحماض الأمينية هي ما ينتج من هضم البروتين، والجلوكوز هو ما ينتج من هضم النشويات، والأحماض الدهنية هي نواتج هضم الدهون. كل من هذه العناصر وحدات للطاقة، فلكي تتمكن خلايا الجسم من استغلال الطاقة فيها يجب على الجسم تكسير هذه الجزيئات أولاً، وما يميز الجلوكوز والدهون عن البروتين هو كونهما مركبات عضوية بسيطة نسبيا، يحتويان في تركيبهما على الكاربون والهيدروجين بشكل أساسي، ويتحولان في النهاية إلى دهون تخزن في الجسم في حال عدم حرقها، أما البروتين فيتميز باحتوائه النيتروجين في تركيبه إضافة إلى الكاربون والهيدروجين، ولا يمتلك الجسم آلية لخزن البروتين (أي الأحماض الأمينية) التي لم تستغل في بناء وإصلاح الأعضاء ما لم يحوله الى سكر عبر عملية تنشئة الجلوكوز (gluconeogenesis)، لذلك ولخزنه بشكل دهون يحتاج الجسم لتجريده من النيتروجين (الذي يتحول إلى يوريا، تخرج مع التبول) وهذه العملية تستهلك طاقة أكبر مقارنة مع الطاقة المستهلكة في هضم الدهون والكربوهيدرات.  

الوفرة الغذائية والحميات الشائعة**

إن الأصل في التنحيف هو تقليل تناول الطعام، أو بتعبير آخر؛ إن ما تعتمد عليه البرامج الغذائية الهادفة لتقليل الوزن هو جعل كمية الطاقة الداخلة (المتناولة) أقل من كمية الطاقة الخارجة (المستهلكة)، كما أن من أهم الاختلافات بين فرد وآخر وحمية وأخرى هو طريقة الاستجابة النفسية للغذاء.

تقسم الحميات بشكل عام إلى ثلاث مذاهب:

    1. محدودة السعرات: (مثل: حمية السعرات القليلة، الصيام المتقطع..)
    2. عالية البروتين: عندما يكون استهلاك البروتينات أكثر من 16% من استهلاك الغذاء اليومي.
      من أمثالها: الحميات قليلة الكربوهيدرات عالية الدهون، والتي مع تقليل استهلاك الكربوهيدرات او تركها تماماً يزداد فيها استهلاك البروتين، فالدهون وحدها ليست طعاماً مستساغاً، وفيها أنواع عديدة مثل الكيتو (keto) واللاحمة (carnivores) وحمية العصر الحجري (Paleo).
  • عالية الالياف: من أمثالها الحمية المستندة إلى المؤشر الغلايسيمي (glycemic index diet)، الحمية النباتية (Plant-based)، حمية البحر المتوسط (Mediterranean diet)، الحمية القلوية (Alkaline diet).

ويمكن أن تتبع الحمية الواحدة أكثر من مذهب مما ذكرنا.

خاتمة

ما تقوم به معظم شركات الاغذية المُعالَجة هو تجريد الطعام من الالياف والبروتينات والمغذيات لاطالة عمره التخزيني، ما ينتج عن ذلك إفقاده للنكهة، التي يعاد اضافتها مجدداً بالسكر والأملاح والدهون، ما يجعلها قليلة القيمة الغذائية، وفيرة الطاقة.

إذن، هل السعرات مهمة فعلاً؟ الجواب هو كلا،  لأننا نتناول الطعام، لا السعرات. ثم تقوم أجسادنا باستخلاص الطاقة والمغذيات من الطعام. فحريٌّ بنا العناية بنوع غذائنا وصحتنا لا بعدد السعرات التي نتناولها. وبدل أن يطلب من الناس تناول موزة بدل قطعة شوكولا مثلا، وهو ما لن يلتزم به دائماً، فالأجدى هو التركيز على صنع شوكولا صحية أكثر، فاختيار أطعمة صحية لذيذة هي رفاهية ليست بمتناول الجميع.

*السعرة المقصودة هنا هي السعرات الغذائية أو كيلو كالوري (Kcal) والتي تساوي 4,2 كيلو جول.

**الحميات المتبعة لغرض تقليل الوزن

المصدر:

Dr. Giles Yeo, “Why Calories Don’t Count: How We Got the Science of Weight Loss Wrong”, published: June 17, 2021.

ملخص من محاضرة للكاتب ذاته: “How We Got the Science of Weight Loss Wrong – with Giles Yeo