بينما نتصفح في مواقع وصفحات الفيسبوك للأشخاص الذين يقفون وراء مراكز العلاج التكميلي أو العلاج بالقرآن أو الطب الشعبي أو أيما كانت المسميات، فسنجد شهادات لدورات يحضرها هؤلاء الأشخاص. بعضهم يحملون دورات من مؤسسات مجتمع مدني وبعضهم يمارسون مهنة الطب ويصدرون فتاواهم حول مختلف الحالات المرضية من إصدارهم الخاص من الإرشادات والتعليمات غير العلمية بينما هم لا يمتلكون إلا شهادة للمعاون الطبي. لكن أن نجد جامعة عراقية توجه لإصدار شهادات من هذا النوع فسنحتاج إلى التوقف قليلاً عند خطورة هذا الأمر.

كتاب رسمي موجه من مساعد رئيس الجامعة المستنصرية للشؤون العلمية إلى نقابة الأطباء للدعوة لترشيح المشتركين في الدورة، ويذكر الكتاب الرسمي الظاهر في الصورة أن هذه الدورة هي الدورة الثانية. وبعد البحث وجدنا في موقع جامعة الموصل (التي تشيد بالموضوع أيضاً) رسالة رسمية ثانية مفصلة حول تفاصيل الدورة وموجهة أيضاً من مساعد رئيس الجامعة المستنصرية وهذه المرة المساعد للدراسات العليا والبحث العلمي.

كتاب رسمي حول دورة للطب البديل في الجامعة المستنصرية

في الصفحة الثانية يُذكر أن الفئة المستهدفة هي “الراغبين بالعمل في مجال الطب البديل والعشابين“. الدورتان تستمران لثلاثة أشهر ويبدو أنها ستكون كافية بالنسبة للمشاركين لكي يعتقدوا أنهم نالوا الشرعية الكافية ليمارسوا مهنة الطب بفرعه “البديل”، فوفق نص الكتاب الرسمي يبدو لنا أن الطب هو أشبه بإصلاح عجلات السيارات حتى تُقام دورة “للراغبين بالعمل” به وللعشابين، كما أن العشرات من كليات الطب والدراسة لست سنوات متبوعة بمثلها أو أقل من سنوات التخصص كلها ستكون في كفة مقابلة لمن يدخلون هذه الدورة وينتمون إلى فئة “الراغبين بالعمل في مجال الطب البديل والعشابين“. الدورة تكلف ما يقارب الـ 250 دولاراً والدورة الثانية تكلف أقل من ذلك.

كتاب رسمي حول دورة للطب البديل في الجامعة المستنصرية

ويُسهل علينا الكتاب الرسمي المنشور التقصي في الخلل والجرم فيما يحدث، إذ يقول:

الطب البديل هو الطب الذي لا يُدرس في كليات الطب التقليدية ولا تذكره المجلات الطبية الحديثة في مقالاتها ويشمل أنواعاً عديدة من المعالجات ومن أشهرها (طب الأعشاب، الطب الصيني، العلاج بالغذاء والماء).

ويستكمل القول:

ولنا أن نعتز بما لدينا من كنوز علاجية طبيعية، مثل ماء زمزم والحجامة وغيرها

الطب الصيني، العلاج بالماء، العلاج بالأعشاب، والحجامة. ولنا أن نعيد التساؤل الذي طرحناه كثيراً، طالما أن شيئاً ما لم يتم اختباره ولم تدرسه جامعة ولم تُجرى عليه تجربة ولم تؤيده جهة طبية فلماذا نروج له كعلاج؟ ما فائدة ما يدرسه الأطباء مما يزيد وزنه على عشرات الكيلوغرامات من الكتب الحافلة بالمعلومات الناتجة عن الطب الحديث القائم على المنهج التجريبي؟ لماذا نبقي على كليات الطب لدينا فيما نقيم دورة مدتها 3 أشهر ونؤيد كمجتمع علمي وكأطباء عمل فئة موازية للطب ذات ممارسات غير منظورة وغير محددة وغير متقيدة ببحث أو تجربة؟

ولعل بعض الأمور والمفاهيم الموجودة ضمن هذه المجالات تمتاز بالسعة والضبابية بحيث تحتاج للحكم على ممارساتها بشكل مفصل مثل ما ذكروه عن الطب الصيني الذي هو أقرب ما يكون للأسطورة والذي كان مسؤولاً عن قتل الملايين في الصين، لكن أن نسمع أن جامعة تسمي ماء زمزم كنزاً علاجياً فهذا الأمر لا يُمكن استيعابه.

بضعة حقائق عن الطب الشعبي:

  • إن الطب الشعبي الذي كان موجوداً لقرون لم يتمكن من شفاء أبسط الأمراض وكان الطاعون الذي قُضي عليه اليوم بمضاد حيوي أحد أشد الأمراض فتكاً بالبشرية.
  • إن الطب الشعبي وطيلة فترة هيمنته لم يبلغ بمتوسط العمر حداً يزيد عن الأربعينات ولم يبلغ بتعداد البشرية ما يزيد عن المئة مليون نسمة حتى بدايات تبلور الطب الحديث وها نحن اليوم 7 مليارات نسمة ممن يعتمدون على المضادات الحيوية والأدوية المختلفة التي أنتجها الطب الحديث.
  • إن أي ممارسة علاجية لم يتم اختبارها بشكل منتظم وآمن فهي ليست مؤهلة لأن تكون ممارسة علاجية. فضلاً عن احتماليات عدم احداث التأثير المنشود من العلاج، فإن الأخطر هو الأضرار التي يُمكن أن تعود بها هذه الممارسة العلاجية.
  • إن السير بمسار موازي للتخصصات من أشخاص ليسوا من أهل التخصصات من أجل تطبيق التخصصات بشكل آخر هو أمر لا يُمكن الثقة به في أي مجال فما بالنا بالصحة!
  • الزعم بأن بعض المواد لم يتم اختبارها لا يدعو سوى لإختبارها وليس لتطبيقها على البشر لأنها لم تخضع للاختبار.
  • بخلاف اشياء كثيرة فإن المعلومات لا تقيم بقدمها في العلوم وخصوصاً في الطب، يتباهى مروجو الطب البديل والطب الشعبي بأن هذه المعتقدات والممارسات كانت شائعة لآلاف السنين! وهذه نقيصة وليست ميزة.
  • لو افترضنا صحة وجود فرع غير تقليدي من الطب وقائم على ما لم يحيط به الطب الحالي فكيف نسلم بدراسة محتوى هذا الفرع من دورة أو كتاب بينما لا تكتمل دراسة الطب دون سنوات من الجهود المضنية للاطلاع على كل ما توصل إليه العلم حول الجسم؟
  • باختصار ورغم طرحنا العام في هذه النقاط فإن العلم أبدى رأيه بالغالبية الساحقة مما يقدمه الطب البديل وتراوح التأثير بين انعدام الفعالية والضرر الشديد.

أحد أشهر دعاة هذا المنهج في العراق هو شخص مجهول التخصص يدعى بشير التميمي يزعم أنه دكتور في الطب التكميلي ولم يذكر ما هو تخصصه الحقيقي ويمتلك مركزاً لتخريج “الراغبين بالعمل” في المجال، يدعى مركز إبن النفيس للعلاج التكميلي وقد حاز على مباركة الجامعة أيضاً. المركز ينشر حول ملح الهيملايا وفوائده السحرية، العلاج بالإبر الصينية، الحجامة، ويزعم أنه بدء بمبادرة لمعالجة التصلب المتعدد (لا ندري كيف تنطبق هذه اللغة والمصطلحات على مرض مستعص كهذا، وكأنه يطلق حملة للتنظيف).

يزور مركز “الدكتور” بشير التميمي شخصيات هامة مثل الوكيل الفني لوزارة الصحة، مستشار وزارة الصحة، مستشار رئاسة الجمهورية، مدير عام التوعية في وزارة الصحة ، كما يتردد الدكتور على مختلف الجامعات العراقية وهو عراب لدورتي الطب التكميلي التي تقيمها الجامعة المستنصرية ولا غرابة بحضوره للجامعات كغيره من غير المختصين كشيوخ العشائر ورجال الدين والسياسة والعسكر الذين تحتفي بهم الجامعات العراقية يومياً (إقرأ التقرير عن النشر والفعاليات الجامعية والبحوث لجامعة بغداد).

في شباط من سنة 2018 أقيمت أيضاً دورة أخرى ثالثة لم نجد اعلانها في الجامعة المستنصرية وكانت عن الحجامة والمتعاون مع بشير التميمي من الجامعة كان أيضاً مدير التعليم المستمر الذي أصدر الكتاب الرسمي الداعي للدورة الأخيرة.

وفضلاً عن ما نجده حول مركز ابن النفيس من العلاقة مع الجامعة المستنصرية وخصوصاً مركز التعليم المستمر والعلاقة مع وزارة الصحة والدورات والندوات والورش في الجامعات فإن النشاط الآخر والأهم هو الترويج للعلاجات وبيعها، أعشاب لمرض السكري، وأخرى للروماتيزم أو لاضطرابات الجهاز الهضمي وغيرها.

شريك بشير التميمي هو الدكتور مسلم الأسدي وله برنامج على قناة دينية حول الطب التكميلي وهو يزعم أنه رئيس قسم الطب الصيني في وزارة الصحة العراقية، ومع بحث بسيط لم نتمكن من العثور على هذا القسم لكننا وجدنا أنه رئيس قسم الطب البديل في الوزارة. يتكلم الدكتور في برنامجه عن قنوات الطاقة في الجسم وعن الشاكرات وعن المنعكسات والكثير من الشرح حول الوخز بالإبر.

ختاماً فهذا تحذير وإشارة للقانون 11 لسنة 1962 المعدل حول ممارسة المهن الطبية العراقي الذي يمنع ممارسة غير المختصين للطب والتحذير موجه للجامعات العراقية التي تقيم دورات لمن يرغبون بممارسة الطب، فالطب ليس هواية أو حرفة يدوية ليتم تقديمها عبر دورة، يكفي ما يعانيه المجتمع من دجل وخرافة حتى تمتد يد المؤسسة الأكاديمية أيضاً لطعنه. وهذا أيضاً تحذير من تكرار سذاجة البسطاء واعادة تدويرها إليهم بهدف كسبهم كزبائن أو رواد للدورات لكي يبشروا بالخرافات والطب الزائف على نطاق أوسع.

دورة الطب البديل في الجامعة المستنصرية