وزن الروح . لابد ان تكون قد شاهدت فيلم 21 غرام (21Grams) والذي يتمحور حول عدة اشخاص يعانون بطرق مختلفة و يواجهون الموت. اسم هذا الفيلم مستوحى من خرافة، عمرها اكثر من قرن، ان للروح كتلة ( 21 غرام تحديداً).
هؤلاء الذين يعتقدون بان الجسم يصبح اخف في لحظة الموت هم مؤمنون باديان معينة، وبإستمرار لقوة الحياة التي تتعدى حدود اللحم الفاني. في مثل هذه الانظمة العقائدية، الموت ليس بنهاية وانما تحول: يتخلون عن الجزء المادي من نفسهم أما الجزء الذي يجعلهم مميزين يستمر في الحياة الاخرة لملاقاة الخالق. نلقب هذا الجزء الجوهري من شخص الانسان بـ “الروح” ، كيان يوصف في القاموس بـ “الجوهر غير المادي، مبدأ الحركية، أو المسبب بالأحساس لقضية ما في حياة الفرد”.
مع ذلك مهما أعتقدنا بفكرة “الروح”، تبقى شعلة الحياة هذه امر خاص بالمعتقدات الدينية فقط ولسنا بمحل نقاش المعتقدات هنا. ورغم أهمية الروح في تصورنا عن أنفسنا، فلا يمكن رؤية، سماع، شم، تذوق، أو لمس الروح، مما يترك البعض منا في وضع قلق. فبدون الروح، نحن اموات. ولكن أن أمكننا إثبات وجود الروح، فسيختفي الكثير من القلق حول ما يصيبنا بعد الموت.
قام الطبيب دانكن ماكدوكال (Duncan MacDougall) في عام 1907 بوضع مرضى يموتون على ميزان لغرض حساب كتلة الروح. افترض الطبيب بأن الروح مادة وبالتالي لها كتلة و لذا فأن أنخفاضا قابل للقياس في وزن المتوفى في لحظة مفارقة روحه لجسده سيكون ملاحظ. الاعتقاد بأن للبشر أرواح و تلك الأرواح تترك أجسادهم بعد الموت وأن لتلك الأرواح وجود فيزيائي ملموس كان شائعاً قبل القرن العشرين، و لكن الإدعاء بأن للأرواح كتل قابلة للقياس و تقع ضمن مجال محدد من الكتل يمكن تتبعه لتجارب قام بها دكتور ماكدوكال في عام 1907.
لتحديد “إن كانت الوظائف النفسية تستمر بالوجود كشخصية أو فرد مستقل بعد موت الجسم و الدماغ” ، قام الدكتور ماكدوكال ببناء فراش خاص في مكتبه “مصمم فوق أساس خفيف الوزن فوق ميزان” حساس لعشرين الأونصة ( 1 أونصة= 28 غرام). وضع فوق ذلك الفراش ست مرضى في المراحل النهائية من مرضهم (أربعة من السل، واحد من السكري و واحد من سبب غير محدد)َ؛ لاحظهم قبل، خلال و بعد عملية الموت؛ و قام بقياس اي تغير في الكتلة. ومن ثم قام بمحاولة إستبعاد التفسيرات الفسيولوجية للنتائج الملاحظة قدر المستطاع.
أعاد ماكدوكال تجربته على 15 كلباً و لاحظ بأن “النتائج كانت سلبية بانتظام، لا فقدان للوزن عند الموت”. هذه النتائج تؤكد على مايبدو فرضية ماكدوكال بأن فقدان الوزن عند موت الناس كان بسبب مغادرة الروح من الجسد، بما أن (حسب معتقداته الدينية) الحيوانات ليس لها أرواح. ( تفسير ماكدوكال بأن “التجارب المثالية تكون على كلاب تموت من بعض الأمراض التي تجعلهم مرهقين و عاجزين عن الكفاح” و لكن ” لم أكن محظوظاً بالحصول على كلاب تموت من هكذا أمراض” دفع الكاتبة ماري روتش لملاحظة أن ” لمنع تفشي الانزعاج لدى العامة، لابد أن يخمن المرء بأن هذا الطبيب الطيب قام بتسميم 15 كلباً بهدوء من أجل ممارسة بعض اللاهوت البايولوجي”).
في اَذار 1907 نُشرت بعض الكتابات عن تجارب ماكدوكال في نيو يورك تايمز (The New York Times) و الدورية الطبية “الطب الامريكي( American Medicine)”، مروجة لما وصفته ماري روتش بـ ” النقاش اللاذع”.
إنه لمن السذاجة الكبيرة أن نستنتج بأن تجارب ماكدوكال برهنت أي شيء عن فقدان الوزن بعد الوفاة، ناهيك عن الدليل المادي لوجود الروح البشرية. لسبب واحد، كانت نتائجه بعيدة كل البعد عن التناسق، متباينة على نطاق واسع بين عيناته الستة:
- “تم التأكد من خسارة ثلاثة أرباع الأونصة (ما يقارب 21 غرام) و تزامن ذلك فجأة مع الموت”.
- “الكتلة المفقودة كانت ما يقارب نصف الأونصة. ومن ثم سمع زميلي طبيب القلب نبضات قلب المريض ووجده متوقفاً. حاولت مرة أخرى و وجدت بأن الكتلة المفقودة كانت أونصة و نصف و خمسين حبة“.
- ” عينتي الثالثة أظهرت فقدان نصف أونصة من الكتلة، متزامنة مع الموت، و فقدان أضافي لأونصة واحدة بعد بضع دقائق”.
- “في العينة الرابعة، للأسف الشديد لم يكن الميزان مهيئاً بطريقة صحيحة و كان هناك تدخل من قبل ناس لا يتفقون مع عملنا. لا أعتبر أن لهذه العينة قيمة”.
- “أظهرت عينتي الخامسة أنخفاض ملحوظ في الكتلة، تقريباً ثلاث أثمان الأونصة و لم يتم حسابه. هذا حدث بتزامن مع الموت و لكن بشكل غريب، فالكتلة زادت مرة اخرى ولم تنقص مرة اخرى لمدة 15 دقيقة“.
- “عينتي السادسة لم تكن اختباراً عادلاً. مات المريض خلال خمس دقائق تقريبا بعد وضعه على الفراش و مات عندما كنت اضبط السرير”.
لذا، فمن ست عينات، تم إهمال عينتين، أظهرت عينة واحدة إنخفاض فوري في الكتلة (و لاشيء اخر)، عينتين أظهرتا إنخفاض فوري في الكتلة و لكنه إزداد مع الوقت، و عينة أظهرت إنخفاض فوري في الكتلة و لكن إنعكس ذلك الإنخفاض ومن ثم تكرر في وقت لاحق. رغم صغر العينة (6 أشخاص) الذي يجعل التجربة ضعيفة، فأن إستنتاج ماكدوكال (أن للروح كتلة وهي 21 غرام) مبني على عينة واحدة فقط (العينة الأولى) مما يجعلها نتيجة بسبب الصدفة فقط و لا يمكن الإعتماد عليها. وهذه النتائج لا يمكن قبولها لأن إحتمالية الخطأ التجريبي كانت عالية جدا، خصوصاً و أن ماكدوكال و زملائه غالباً ما لاقوا صعوبة في تحديد اللحظة الدقيقة للموت، أحد أهم العوامل في هذه التجربة. بالإضافة الى ذلك، تحديد الموت حتى في وقتنا هذا هو أمر صعب رغم كل التطورات التكنولوجية، هل هو موت القلب، أم الدماغ، أم الخلية؟ هذا عامل اخر لم يذكر و لم يتم النظر فيه. حاول ماكدوكال فيما بعد تفسير تناقضات التوقيت عن طريق إستنتاجه بأن “كتلة الروح تُزال من الجسم بنفس لحظة النفس الأخير، على الرغم من بقائها لمدة دقيقة واحدة كاملة إضافية في الأشخاص ذوي المزاج الراكد”.
أعترف دكتور ماكدوكال في مقاله العلمي بأنه يجب إعادة تجاربه مرات عديدة والحصول على نتائج مشابهة قبل التوصل لأي إستنتاج. مع ذلك، أعتقد ماكدوكال بأنه على وشك إكتشاف شيء كبير – بعد أربع سنوات (1911) أبلغت جريدة نيويورك تايمز في مقالة على الصفحة الأولى بأنه أنتقل إلى تجارب يأمل بأن تسمح له بألتقاط صور للروح.
لا يظهر بأن ماكدوكال قام بأي تجارب عن روح الأنسان بعد 1911 و مات في عام 1920. مع ذلك، فأن إرثه يعيش في خرافة أن “لروح الانسان كتلة تبلغ 21 غرام”.
فماذا نستنتج من كل هذا؟ نتائج ماكدوكال كانت معيبة لأن المنهجية المستخدمة لحصد النتائج كانت مشبوهة، حجم العينة كان صغيراً جداً، و القدرة على قياس التغيير في الكتلة كانت غير دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إستنتاجه مبني على عينة واحدة فقط و لم يتم أعادة تجربته مطلقاً مما يجعل ذلك الأستنتاج بمحض الصدفة فقط لا غير. لهذا السبب، لا يمكن التصديق بأن تجاربه أثبتت أي شيء، ناهيك عن أنهم قد قاسوا كتلة الروح وهي 21 غرام. تأملاته في هذا الموضوع هي عبارة عن فضول و حب للأستطلاع فقط، لا غير. من المفيد الأعتبار من تجربة ماكدوكال فهي مثال لما يسميه العلماء بالتقارير الإنتقائية (selective reporting) و هذا شيء لا يمكن تجاهله و لا قبوله في المجتمع العلمي إذ أن تجارب كهذه ليست قائمة على المنهج العلمي و لا تمت للعلم بصلة.
ملاحظة: تم استخدام مصطلح (وزن الروح) في عنوان المقال ومطلعه لاغراض دعم البحث في جوجل لكن الصحيح والمستخدم في المقال هو الكتلة والتي تقاس بالغرامات.