معاني الكلمات وكيفية تمثيلها في الدماغ : قام علماء من جامعة كارنيجي ميلون بخطوة هامة نحو فهم كيفية تمثيل الدماغ لمعاني الكلمات من خلال إنشاء نموذج حاسوبي أولي يمكنه التنبؤ بانماط نشاط الدماغ المميزة والمرتبطة بأسماء الأشياء التي يمكن أن نراها أو نسمعها أو نشم رائحتها أو نشعر بها أو بطعمها.

وقد أظهر الباحثون سابقاً امكانيتهم في الكشف عن المناطق التي يتم تنشيطها داخل الدماغ عندما يفكر شخص ما بكلمة معينة، عن طريق استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). وقد قام علماء جامعة كارنيجي ميلون في الخطوة الثانية بالتنبؤ بهذه الأنماط لتفعيل أسماء ملموسة (أشياء التي نعرفها عن طريق الحواس) لمعرفة أي البيانات غير متوفرة الى الآن في الرنين المغناطيسي الوظيفي.

هذا العمل من الممكن ان يؤدي في النهاية الى استخدام مسح الدماغ لمعرفة الأفكار، ويمكن أن يكون له تطبيقات عملية في دراسة مرض التوحد، واضطرابات التفكير مثل الفصام وجنون العظمة، والخرف الدلالي مثل مرض بيك (Pick’s disease).

فريق الباحثين كان بقيادة عالم الحاسوب توم ميتشل (Tom M. Mitchell) وعالم الأعصاب المعرفية مارسيل جست (Marcel Just)، حيث قاموا ببناء نموذج حاسوبي بأستخدام أنماط تنشيط الرنين المغناطيسي الوظيفي لـ 60 أسم من الاسماء الملموسة، ومن خلال التحليل الإحصائي لمجموعة من النصوص والتي وصلت الى أكثر من تريليون كلمة، أطلق النص الأساسي. فالنموذج الحاسوبي يجمع المعلومات حول كيفية استخدام الكلمات في النص للتنبؤ على تفعيل الآلاف الأسماء العملية الواردة في النص مع دقة عالية جداً.
ونتائج الدراسة نشرت في مجلة العلوم في 30 مايو.

وقال ميتشل “استطعنا تحديد عدد من الكتل الأساسية التي يستخدمها الدماغ لتمثيل المعاني … فالى جانب الأساليب الحاسوبية التي تلتقط معنى الكلمة بواسطة الكيفية التي يتم فيها استخدامها في الملفات النصية، هذه اللبنات يمكن تجميعها للتنبؤ بأنماط النشاط العصبي لأي كتلة. وقد وجدنا ان هذه التبؤات صحيحة تماماُ للكلمات، حيث ان بيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي متاح للأختبار”.

وقال جست الذي يدير مركز تصوير الدماغ المعرفي ان هذا النموذج يوفر نظرة دقيقة لطبيعة الفكر الإنساني. وأضاف “يتم تمثيل الدماغ للمعاني في مناطق المرتبطة بكيفية شعور الأفراد ويتم التلاعب بها، فمثلاً يتم تمثيل معنى كلمة (تفاحة) في مناطق الدماغ المسؤولة عن التذوق والرائحة والمضغ. فالتفاحة تمثل ما تفعله بها. عملنا هو خطوة صغيرة ولكنها مهمة للغاية لكسر شفرة الدماغ”.

بالأضافة ال مناطق التمثيل الحسية والحركية الموجودة في الدماغ فقد استطاع فريق الباحثون في كارنيجي ميلون تفعيل عدد كبير من المجالات الأخرى، بما في ذلك المناطق الامامية من الدماغ والتي ترتبط بوظائف التخطيط والذاكرة طويلة الأمد. فعندما يفكر شخص ما في التفاحة، فهذا يؤدي الى العودة الى ذكريات الماضي أي الى الوقت الذي يقضيه الشخص في أكل التفاحة، أو مجموعة أفكار تخص الكيفية التي يحصل بها الشخص على تفاحة.
وأضاف جست “ان هذا يشير الى وجود نظرية للمعنى القائم على وظيفة الدماغ“.

ففي هذه الدراسة خضع تسع متبرعين لمسح بواسطة الرنين المغناطيسي الوظيفي، أثناء تركيزهم على 60 أسم محفز، تنقسم الاسماء الى 12 فئة دلالية منها: الحيوانات، أجزاء الجسد، المباني، الملابس، الحشرات، السيارات والخضار.

فقد استخدم الباحثون تقنيات التلم الآلي لتحليل الأسماء في النصوص تضم تريليون كلمة، تعكس نموذجية استخدام الكلمات الأنكليزية لبناء نموذجهم الحاسوبي. حيث قاموا باحتساب عدد المرات التي يتشكل بها في النص لكل اسم  لـ 25 من الأفعال المرتبطة بالوظائف الحسية والحركية، بما في ذلك الرؤية والسماع والتذوق والشم وتناول الطعام والدفع والرفع والترك. حيث تقوم لغويات الحاسوب بشكل روتيني بتحليل الإحصائي كوسيلة لتمييز الكلمات. وقال ميتشل ان هذه الـ 25 فعل تعتبر اللبنات الأساسية للدماغ لتمثيل المعاني.

وباستخدام المعلومات الإحصائية لتحليل تجميع أنماط نشاط الدماغ المقاسة عن طريق الرنين المغناطيسي الوظيفي لكل الأسماء 60 المحفزة، استطاع العلماء من تحديد الكيفية التي تورد أحد الأفعال من 25 فعل أثر تفعيل كل من فوكسل و(3-D) عنصر الصور ضمن مسح الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ.

ان بيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي تتنبأ بأي نمط محدد للنصوص، ويحدد النموذج الحاسوبي الأحداث المفردة داخل النص مع 25 فعل ويبني خريطة تفعيل بناء على الكيفية التي تؤثر بها هذه المشاركة على الأحداث في كل فوكسل.

في الاختبارات تم تدريبهم على النموذج الحاسوبي بشكل منفصل لكل موضوع بحثي لتسعة متبرعين باستخدام 58 من الأسماء التحفيزية ال60، بالأضافة الى انماط تنشيط مرتبطة بها. ومن ثم تم استخدام نموذج حاسوبي للتنبؤ بانماط تنشيط الأسماء المتبيقة. المشاركين التسعة، وكان النموذج دقيق بنسبة 77% في مطابقة أنماط التفعيل والتي استطاع توقعها في أدمغة المشاركين.

كما ان النموذج الحاسوبي أثبت قدرته على التنبؤ بأنماط التنشيط في المناطق الدلالية عند الغير متدربين. ففي الاختبارات تم تدريبها على نموذج من الكلمات ، ولكن اثنين من 12 فئة دلالية كانت ترسم 60 كلمة، فقد قام الخبراء بحذف بعض الفئات من أجل اختبارها. فوجد انه عند حذف المركبات والخضروات وتم تطبيق النموذج على كلمات مثل (طائرة، كرفس) فان الدقة قد انخفضت عن 70% ولكن لا تزال أعلى بكثير من نسبة 50%.

وقد خطط لعمل دراسة في المستقبل القريب حول أنماط تنشيط مجموعات الصفات والأسماء، وكذلك عبارات الجر والجمل البسيطة. ويخطط الفريق أيضاً لدراسة الكيفية التي يمثل بها الدماغ الأسماء والمفاهيم المجردة.

المصدر: https://www.sciencedaily.com/releases/2008/05/080529141354.htm