رغم صاحبة المقولة “لا ألم لا ربح” (no pain no gain) هي الممثلة جين فوندا وهي تتكلم عن سلسلة التمارين الهوائية التي أصدرتها والهدف الأساسي منها تخفيض الوزن، غير أن المقولة أصبحت شائعة كثيراً في رياضة بناء الأجسام، وهي تزين الملابس الرياضية وتحفز الملايين في سعيهم لكي يصبحوا مثل أبطال هذه الرياضة عبر رفع الأثقال وتناول مساحيق البروتينات.  غير أن هناك طريق آخر يمر به أبطال هذه الرياضة يخالف ذلك الشعار، فهناك حقاً ربح دون ألم!  نعم من الممكن أن يحدث بناء العضلات دون رفع الأثقال، وبالتأكيد دون مساحيق البروتينات التي ليس لها أثر يُذكر من الأساس.

رابط الاستماع على جوجل بودكاست

حتى الآن هناك نقاش محتدم بين كثير من الممارسين الجدد لهذه الرياضة وحتى المحترفين ممن يستخدمون الستيرويدات الابتنائية (Anabolic Steroids) في النسبة من البناء العضلي والضخامة العضلية التي يُمكن أن يُسببها التمرين لوحده. يجادل اللاعبون المحترفون بأن جانباً كبيراً من بنيتهم العضلية يعزى إلى جهودهم الخاصة

في العام 1996 نشرت في مجلة نيو انجلاند للطب دراسة أصبحت مشهورة جداً ونالت من الاهتمام ما لم تنله دراسات أخرى في المجال إلا قليلا. وضعت هذه الدراسة النقاط على الحروف فيما يتعلق بتأثير التمارين وتأثير الستيرويدات الابتنائية التي يستخدمها لاعبو بناء الأجسام كلاً على حدة. وكان أهم ما قدمته الدراسة هو تأثير الهورمون الذكري التستوستيرون لأشخاص لم يمارسوا التمارين الرياضية!

شملت الدراسة 43 شخصاً تتراوح أوزانهم بين 90% و115% من وزنهم المثالي أي أنهم جميعاً بأوزان معتدلة، كما أنهم جميعاً كان لهم تجربة سابقة في رفع الأثقال. وقد تم توزيع هؤلاء إلى أربعة مجاميع:

1) دون تمارين، ودون حقن التستوستيرون.

2) دون تمارين، مع حقن التستوستيرون.

3) أداء التمارين، دون حقن التستوستيرون.

4) أداء التمارين، مع حقن التستوستيرون.

ضمن مجموعتي التستوستيرون، تم إعطاء المشاركين 600 مليغرام من التستوستيرون اسبوعياً، وهو يُقارب ما يأخذه كثيرٌ من لاعبي بناء الأجسام (رغم عدم وجود ضوابط أو جرعة قصوى محددة لما يأخذه اللاعبون). أما التمارين فقد تم اعداد منهج تدريبي ثابت ومكثف للمشاركين وكانوا يمارسون التمارين لثلاثة أيام في الاسبوع. ودامت التجربة 10 أسابيع على هذا المنوال.

بعد انتهاء التجربة تم تقييم النتائج من خلال قياس حجم العضلات وتم ذلك بواسطة اجراء مسح بالرنين المغناطيسي للعضلات، كما تم احتساب الكتلة العضلية الخالية من الدهون. وأيضاً تم تقييم القوة العضلية من خلال احتساب الوزن الأقصى الذي يمكن رفعه بتكرار واحد لكل من تمارين الربض وتمارين الرفع على المصطبة (bench press).

المفاجأة تأتي مع النتائج، فقد تحقق فعلاً ما يمكن القول عنه أنه “ربح دون ألم”، لدى المجموعة الثانية، فقد حققت مجموعتي التستوستيرون (2) و (4) لوحدهم الزيادة في الكتلة العضلية بالكيلوغرامات وحققت هاتين المجموعتين أيضاً لوحدهما الزيادة في مساحة العضلة بالمليمتر المربع. فيما ازدادت القوة العضلية في الرفع للمجموعتين (2) و (3) بشكل متقارب وبهذا تحققت الزيادة في القوة وحجم العضلات والكتلة العضلية لدى المجموعة الأكثر اثارة للاهتمام وهي المجموعة الثانية. شاهد الأشكال الثلاث التالية:

الزيادة في الكتلة العضلية

الزيادة في الكتلة العضلية

 

الزيادة في المساحة السطحية للعضلات

الزيادة في المساحة السطحية للعضلات

 

الزيادة في القوة العضلية

الزيادة في القوة العضلية

يجدر الانتباه هنا لعدة نقاط، أولها أننا ورغم الوضوح الشديد في الأرقام بهذه الدراسة لكننا لا نفهم آلية عمل الجسم بطريقة حسابية واضحة. فرغم أن التمارين لوحدها لم يكن لها تأثير كبير ملحوظ، غير أن لها تأثيراً مقبول عندما تضاف لحقن التستوستيرون. وما يجعل الأمر غامضاً أيضاً هو الفروقات الفردية بين الأفراد، ففي جميع تلك الأرقام كان هناك انحراف معياري (الفارق أقل أو أكثر من المعدل) عن المعدلات التي عرضناها في الأشكال والتي تحدثت عنها الدراسة. ببساطة لا يُمكن أن تتوقع أن يحدث الأمر نفسه معك بنفس الدقة إذا قمت بأي من الإجراءات أعلاه.

الرسالة الرئيسية في الموضوع لعلها تتوجه للمبتدئين، لا بغرض دعوتهم لاستخدام الستيرويدات الابتنائية الاندروجينية بل لغرض تنبيههم إلى ما يستخدمه محترفو بناء الأجسام للوصول إلى ما يريدون، وأن شراء منتجات كثيرة غير مجدية واتباع التمارين لوحده لن يوصلهم لما يشاهدونه في الانترنت من صور وفيديوهات. سيكتسب الشخص فوائد عديدة من مزاولة الرياضة لكنه لن يصبح بالتمارين فقط مثل لاعبي بناء الأجسام. حاول البحث عن أمثلة أخرى، قدوة أخرى، أبطال آخرون من الرياضيين الذين يمارسون بناء الأجسام دون ستيرويدات، وأيضاً ضع الفوارق الشخصية في الحسبان، فلا يُمكن أن تضع شخصاً بذهنك وتتوقع أن تصبح مثله.

تنوه الدراسة بشدة إلى الأضرار الناجمة عن استخدام الستيرويدات الابتنائية، مثل مقاومة الانسولين والمشاكل في أيض الدهون والمشاكل في الكلى وغير ذلك، ويوضح الباحثون خطورة الأمر. الجرعة التي تم استخدامها في الدراسة هي أكثر جرعة استخدمت مقارنة بدراسات أخرى وقد تم استخدام التستوستيرون وليس ستيرويدات ابتنائية اندروجينية شبيه به. لكن مع ذلك كان تنويه الباحثين إلى الأخطار كبيراً.

تناولنا في مقال سابق الآثار النفسية لرياضة بناء الأجسام وقد أجرى الباحثون في هذه الدراسة كجزء من عملهم استبياناً نفسياً للمشاركين ولم يجدوا أي أضرار، لكن الدراسة لم تكن متخصصة بقضية كهذه والباحثون لا يجزمون بما سيكون عليه الحال في حالات استخدام الستيرويدات الابتنائية المختلفة والجرعات المختلفة مثلما يحدث في صالات بناء الأجسام في العالم وما يستخدمه الرياضيون. ينبغي وضع الآثار النفسية في الحسبان ويُمكن العودة الى الرابط أو مراجعة العدد 38 من مجلة العلوم الحقيقية مقال: الآثار النفسية لرياضة بناء الأجسام.

عند ملاحظة الأرقام في الدراسة يُمكن أن نجد نسبة متساوية تقريباً في زيادة القوة العضلية بين المجموعة (2) والمجموعة (3)، رغم عدم ظهور تغير كبير في حجم العضلات أو في الكتلة العضلية لدى افراد المجموعة (3) مقارنة بالمجموعة (2). وهذا قد يدعونا لإعادة النظر في الفارق بين القوة العضلية وحجم العضلات، وسنطرح ذلك في مقالات قادمة.

الدراسة الأصلية:

Bhasin, Shalender, et al. “The effects of supraphysiologic doses of testosterone on muscle size and strength in normal men.” New England Journal of Medicine 335.1 (1996): 1-7.