لايوجد حيوان يثمن الضحك والفكاهة كالانسان. نحن نتندر على اشياء كثيرة ونحولها الى سخرية ومتعة ، مما يجعلنا نتساءل: لماذا نسعى للضحك؟ ماهي الفضائل التطورية التي يقدمها الضحك وكيف كان طريق تطور قابلية الضحك عند الانسان منذ 16 مليون سنة.

حكمة شعبية قديمة تقول:” الفكاهة هي المتعة الوحيدة التي لاتحتاج الى نزع الملابس”. ولكن لماذا نسعى للضحك؟
من السهل ان نفهم ان متعة الجنس تؤدي وظيفة تطورية، ولكن ان نضحك لمجرد ان شخص انزلق على قشرة موزة لايبدو انها تحقق وظيفة لها معنى.

الم يكن لدى التطور شئ اكثر اهمية من الضحك ليضيفه ، مثل تحسين قدرة الاستنتاج او مظهر خارجي افضل؟ ام ان الفكاهة والضحك جاء بطريق الصدفة؟ هل سيكون الانسان ناجحا ومتفوقا وقادرا على البقاء بنفس القدر بدون القدرة على الضحك؟

في الواقع ان الضحك هو رشوة ومخدر للدماغ ومكأفأة على التحمل تساعد على تعليمنا التفكير الصحيح من خلال خداع النفس ودفعها الى تحليل اغلاطنا الخاصة واغلاط الاخرين والابتسامة على شفاههنا. بذلك سيكون من الصعب التعايش مع بعض في جماعات كبيرة وانتاج اللغة وتطوير قدرتنا على التفكير النقدي بدون الفكاهة والتندر.

ان يكون الضحك فقط اداة تساعدنا على التفكير الاوضح او على تحسين قدرتنا على تحمل بعضنا البعض ، يبدو وكانه لايملك في ذاته اية قيمة او وظيفة وانما مجرد أداة، خصوصا وان الكثير مما يحدث اليوم يتمحور حول الفكاهة والتندر. ان نملك القدرة على تفهم السخرية والضحك امر لاغنى عنه وافضل مالدينا من مواصفات.

من جهة ثانية القدرة على التندر والفكاهة والضحك ليس السلوكية الوحيدة التي تحولت من خصيصة موروثة منذ الولادة في نطاق منظومة المكافآت كحافز لدفعنا على عمل ما لتتحول الى هدف وقيمة بذاتها.
مثلا الامر ذاته حدث مع استطعامنا لمذاق الحلويات. وكما ان اكلنا للحلويات خرج عن الهدف الذي نشأ الامر من اجله وتحول الى اداة تتعارض مع ضرورة البقاء يمكن اعتبار ان الضحك ايضا يمكنه تجاوز الضرورة، إذ من الافضل ان نخرج الى الحقل ونزرع البطاطا على ان نجلس امام التلفزيون ونتابع مسرحية ضاحكة.

غير ان للضحك، من حسن الحظ، تاثيرا جانبيا ايجابيا، تأثير فيزيائي على الجسم والدماغ، بالمقارنة مع اكل الحلويات. وهذا التأثير له اهمية خاصة على المدى البعيد، مثلا على تطور الانسان.

الضحك افضل الادوية، حسبما يقال، واحيانا يكون هو الدواء الوحيد. وان نعتبر بالفطرة، ان الضحك جيد للصحة لايعني ان ذلك يعفينا من الحاجة للوصول الى البرهان. ان الضحك قادر، على الاقل على المستوى القصير، ان يساعد الناس المصابين بالكآبة لقطع الافكار السوداوية وتحسين قدرتهم على المقاومة جرى اثباته في العديد من الدراسات. والامر نفسه حدث بالنسبة للبرهنة على ان الضحك والفكاهة قادرين على مقاومة التوتر والضغط النفسي من خلال زيادة نسبة endorfin والهرمونات ومن بينهم هرمون النمو HGH في الدم، الذي بدوره يؤدي الى انخفاض نسبة هرمونات التوتر مثل الكورتيسول والادرينالين. وحتى منظومة مناعة الجسم تصبح اقوى قليلا.

وفي دراسة جديدة صادرة عن جامعة اكسفورد تم اثبات ان الضحك يمكن ان يكون مخدر للالم. المشاركين بالتجربة جرى تقسيمهم الى ثلاث مجموعات. الاولى كان عليها ان تنظر الى برنامج مسرحي ضاحك في حين تنظر الثانية الى لعبة غولف كئيبة اما الثالثة فتنظر الى برنامج عن الطبيعة، ممتع ولكن غير ضاحك.
قبل وبعد البرنامج يعرض المشتركين الى فحص الم، ومن بين مايجري لهم وضع كيس ممتلئ بالثلج على ذراعهم لتقرير فترة تحملهم.
النتائج اظهرت ان المجموعة الاولى، كانت قوة تحمل افرادها تزيد بنسبة عشرة بالمئة عن افضل افراد بقية المجموعات، في حين انخفضت قوة التحمل لدى المجموعة الثانية. وافضل البرامج كانت مستر بين والكوميديا الساخرة. والاستنتاج ان الضحك القوي وحده له مفعول مخدر الالم في حين ان الفكاهة الخفيفة والمزاج الطيب لاتأثير لهم على الالم. الافضل هو الضحك الى درجة القهقهة الخارجة عن التحكم إذ في هذه الحدود يكون انتاج الدماغ من الهرمونات والمواد المخدرة للالم في افضل المستويات ولايقف الامر عند تخفيف الالم بل وحتى المعالجة وتعطي الشعور بالصحة.

هل تستطيع النتائج الصحية للضحك ان تخبرنا عن مصدر قدوم الضحك الى الانسان؟
هل يملك الضحك والفكاهة قيمة تطورية في ذاتهم ام ان قدومهم كان مجرد صدفة سعيدة؟
عالم بيلوجيا التطور Robin Dunbar, من جامعة اكسفورد، واثق انه، على الاخص، افراز مادة الايندورفينير هي التي ساهمت في اصطفاء الضحك في عملية التطور واعطاءه دورا كبيرا، إذ ان الضحك يؤدي الى بعث مشاعر الانتماء الى المجموعة والرغبة في العمل مع بعض والتخلي عن الانانية لصالح الجماعة. وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة فسيوضح ذلك حلقة مهمة في تطور البشرية وتحديدا: كيف تمكنت المجموعات البشرية المبكرة قبل مليونين سنة من البقاء متوحدة والنمو الى مجموعات إجتماعية اكبر في حين ان القرود والمجموعات الشبه بشرية الاخرى عاشت في ذات العصر بمجموعات اقل.

حسب تقديرات الخبراء، كانت قدرة البشر على الحياة في مجموعات كبيرة هي الحاسمة في الانتصار للبقاء على قيد الحياة في حين ان النيندرتال، مثلا، انقرض، حيث انه عاش في مجموعات اصغر بكثير.

باحثون اخرون ايضا توصلوا الى الاهمية الاجتماعية للضحك. حسب خبير الاعصاب البيلوجية Robert Provine, والذي اجرى الاف الدراسات الحقلية في مختلف الاماكن من المدارس الى الاسواق المركزية لدراسة وظيفة الضحك في التواصل لدى الانسان، ظهر ان 80% من الضحك لاعلاقة له بالفكاهة وانما نوع من لعبة اجتماعية.

غالبا نضحك بسبب ان هناك شخص اخر يضحك فتصيبنا العدوى بدون حتى ان نعرف لماذا. نحن نبتسم عندما نسلم على بعضنا او نلطش للتعارف او نتبادل التعابير القصيرة، ونكون مبتهجين. ولكن ايضا في ظروف ليست بهيجة على الاطلاق، مثل عندما نكون خجلين من اعمالنا او منرفزين او نطمح لتغطية خجلنا او نشعر بفقدان الحيلة او نرغب بالتغطية على الالم.

هذا النوع من الضحك نادرا مانكون واعين له، فهو مجرد ردة فعل اجتماعية بدون ان يكون مرتبط بتفكير واعي مباشر. ولكن التأثير الصادر عنه مهم. الضحك يعمل كأداة تواصل اجتماعي، إذ يخلق ترابط وانسجام وقبول وتقارب ويزيل الحواجز والتوتر ولكنه ايضا يمكن ان يكون وسيلة بيد قائد المجموعة لممارسة سلطته، على افراد المجموعة وضد من هم خارجها من خلال خلق مشاعر ” نحن ضدهم”. لذلك من الممكن تماما ان تكون الضحكة الباعثة لهرمون ايندورفين هي التي وضعت الاساس لنشوء الوظيفة الاجتماعية للضحك عند الانسان المبكر بما خلق مجتمع اكبر ومنظم هرميا اعطى وسيلة افضل في الصراع على البقاء.

غير ان الضحكة الاولى خرجت للوجود ابكر بكثير من المليونين من السنين. على الاغلب قبل مابين ستة عشرة وعشرة ملايين سنة عند الجد المشترك بيننا وبين القرود واشباه القرود، حسب علماء جامعة بورتثموث الذين درسوا خصائص الضحك المشتركة بيننا وبين بقية الرئيسيات.

فريق من الباحثين البريطانيين قاموا بدغدغة ثلاثة من اطفال الانسان واثنى وعشرون طفلا من صغار القرود (اورانجغو، شمبانزي، غوريلا، بونبو، سيامانج) وقارنوا الاصوات الصادرة عنهم. جميع الصغار تمكنوا من الضحك على الاقل ثلاثة ثوان متوالية. ولكن ضحك اطفال البشر كان اكثر غنى واكثر انتظاما واعلى صوتا وليس فقط زفير عال. وكلما كانت صغار القرود من الانواع الاقرب قرابة الينا كلما تشابه ضحكهم مع ضحكنا.

احدى المفاجآت ان صغتر الغوريللا والبونبو (الشمبانزي القزم) كانوا قادرين على الزفير ثلاث الى اربع مرات اكثر من مرات دورة تنفسهم العادي خلال إطلاقهم لصوت الضحك، مما يدل على امتلاكهم لنوع من التحكم على عملية التنفس، الامر الذي كان يعتقد ان البشر وحدهم يملكون هذه الخاصية، والتي تلعب دورا كبيرا في عملية نشوء اللغة.

ليتمكن المرء من التكلم عليه التحكم بعملية التنفس، بالزفير والشهيق، وهذا الامر حسب الباحثة الانكليزية Marina Davila-Ross , التي قادت عملية البحث، يعزز ان الاحتمال كبير في ان تطور نشوء الضحك هو الذي ادى الى نشوء النطق وبالتالي اللغة المنطوقة.

ومن خلال عملية مقارنة مختلف اصوات الضحك خلق العلماء الانكليز شجرة تطور الضحك بين الرئيسيات المعنية. هذا الخط البياني جرى وضعه الى جانب التشابه الجيني والذي بدوره يحتوي على معطيات حسابية عن وقت انفصال الانواع، انطلاقا من درجة الاختلاف الجيني. بهذا الشكل تطابق تاريخ نشوء الضحكة الاولى عند الرئيسيات الى ماقبل حوالي 10-16 مليون سنة.

وحتى حيوانات اخرى مثل الكلاب والجرذان يمكن ان تُبدي نوع بدائي من ردود الافعال في دراسة امريكية قام العلماء بدغدغة جرذان ليظهر ان لديهم ردود افعال على دغدغة الرقبة وكانت لديهم ردة فعل عبارة عن اصدار اصوات بطريقة خاصة تعبر عن الرضى. الصوت نفسه كان يصدر عنهم احيانا عندما يلعبون. والجرذان التي جرى دغدغتها صارت تربطها علاقة بالباحثين اذ تسعى اليهم من اجل الحصول على المزيد من الدغدغة.

بيلوجي علم النفس الذي قام بالتجربة الامريكي Jaak Panksepp, اشار الى وجود ترابط بين الصوت الصادر وقت اللعب عند هؤلاء الجرذان والضحك الصادر عن الصغار عندما يجري دغدغتهم. نحن نتشارك ببعض المشاعر من ردود الافعال الفطرية مثل الضحك مع الكثير من الحيوانات الاخرى تماما مثلما نتشارك معهم بالاجزاء القديمة من الدماغ والمسؤولة عن ردود الافعال مثل الاميغدالا والمركز. والاخير يدخل في منظومة توزيع المكأفأت ويلعب دورا في توصيل المشاعر وتشكيلها وفي نشوء الادمان على المخدرات مثلا.

وحتى لو كانت الالية التي تقف خلف عملية الضحك قديمة جزئيا ونتقاسمها مع بقية الحيوانات فإن القسم الاكبر من عملية الضحك المتطور تعتمد تماما على القسم الاحدث والاكثر تطورا من الدماغ. لنأخذ هذا المثال على ذلك:” يوجد عشرة انواع من البشر في العالم، الذين يفهمون الارقام الثنائية البرمجية (10) والذين لايفهمونها”. اذا كان المرء لايعلم ان الارقام الثنائية الصادرة عن العشرة هي انعكاس عن الرقم 2 يسقط الوضع باسره. عندها قد يتساءل المرء ومن هم الاشخاص الثمانية الاخرين. هذه المزحة مفعولها فقط من خلال القراءة إذا ان الرقم الثنائي البرمجي 10 هو في الواقع واحد وصفر ولايمكن نطقه ليبقى المعنى.

عدا عن ان هذه المزحة قليل من سيفهمها فإنها ايضا بعيدة للغاية عن اصل مصدر الضحك البدائي المشترك مع الرئيسيات الصادر عن الدغدغة الفيزيائية واللعب.

من المهم التفريق بين الضحك وبين الفكاهة. انهم ليسوا معادلين لبعضهم حتى لو كان هناك من يستخدمهم بهذا المعنى احيانا. الضحك هو ردة فعل الجسم على شئ نعايشه على انه ممتع وفكه، في حين ان الفكاهة هي مفهوم عام يغطي مساحة اكبر من النكتة الى التهريج ولايؤدي على الدوام الى الضحك. وإذا كانت الفكاهة في الاصل انحدرت عن التهريج البدائي، وكانت تملك وظيفة اجتماعية فإن الفكاهة اليوم تملك وظيفة سلوكية. نحن نضحك اليوم ببواعث لغوية وبصرية اكثر من الدغدغة او اللعب. تطور حجم دماغنا هو الذي ساعد على هذا التحول.

مع ازدياد حجم الدماغ وظهور سلوكية جديدة تغيرت مقدرتنا على فهم ماهو الباعث على الضحك ايضا. الدماغ كبر وتمكن من ربط منظومة المكافآة القديمة الى الاقسام الجديدة للوظائف العليا في الدماغ. الضحك كردة فعل تمكن من الانتشار في الدماغ ليرتبط مع السلوكيات الجديدة التي تتطورت. ومع هذا التطور تحولت ظروف حياتنا لنقفز من كائن طبيعي الى كائن ثقافي.

اليوم نحن نحاول الصراع والانتصار في معركة الاغراق المعلوماتي وليس المخاطر الطبيعية. علينا ان نحافظ على السلوكيات الموروثة عندما تتطابق مع الضرورة غير انه يجب ان نملك القدرة على تطويرهم عندما تتعارض مع المعطيات الجديدة. ودماغنا ماكينة تعمل بإستمرار على محاولة توقع الواقع بصحة اكبر وهنا بالذات عندما يظهر اننا اخطئنا في تصور الواقع نحتاج الى الفكاهة للتخفيف من الفشل. عندما يجري التصادم بين توقعاتنا الداخلية والواقع الصادم. الفكاهة تعمل كمحفز على توسيع الافق ورؤية الحقيقة افضل وهو امر ماكنا لنسعى اليه لولا ان الدماغ يقدم لنا الجزرة كمكافأة، فيصبح الواقع ممتع .

مصادر :
http://healthland.time.com/2011/09/14/its-no-joke-why-laughter-kills-physical-pain/
http://www.livescience.com/16038-laughter-soothes-pain.html
http://www.ox.ac.uk/media/news_stories/2011/111409_1.html