ربما ليس من المبالغة القول ان البريطاني ستيفن هواكينغ هو ابرز علماء الفيزياء النظرية حاضرا.يشغل كرسي الرياضيات في جامعة اكسفورد الانجليزية ,وهو الكرسي الذي تربع عليه العالم الشهير اسحاق نيوتن.
اصابه المرض وهو طالب في الجامعة ,تنبا الاطباء بوفاته خلال عامين ,الا انه عاش مايزيد على اربعين عاما بعدها ,ومازال حيا.
جعله المرض حبيس كرسي ذي عجلات ,لايكتب ولايتكلم الا بواسطة كومبيوتر خاص.تزوج وانجب ثلاثة اطفال ,ساهم في صوغ نظرية”الانفجار الكبير”عن نشوء الكون قبل قرابة 13,5بليون سنة.
ويعود اليه الفضل في بلورة النظرية الحديثة عن الثقوب السوداء التي راى انها تحدث باثر من انهيار الشموس الضخمة .كما ساهم في صوغ نظريات عن امكان وجود “اكوان موازية”تشبه كوننا,لكنها تختلف عنه ايضا.
ويستمر في العمل على توحيد النظريات الاساسية في الفيزياء النظرية (وهي وثيقة الصلة بالرياضيات),خصوصا النسبية بشقيها العام والخاص من جهة ,وفيزياء الكمومية التي ارساها علماء مثل ماكس بلانك وارفينغ شرودنغر وورنر هايزنبرغ .
ويهتم بشدة بمسالة وجود حضارات كونية ,وبحث امكان التواصل معها .وذاع صيته جماهيريا بداية من العام 1993,بفضل تاليفه كتاب “موجز لتاريخ الزمن”الذي شرح فيه نظرته للكون والجاذبية والزمن والسرعة والمسافة والضوء والطاقة,ويشمل الكتاب عرضا سريعا للنظريات الاساسية في الفيزياء والرياضيات ,التي شكلت اساسا للثورة العلمية التي بدات مع جاليلو ونيوتن .
ويرى هواكينغ ان بعض مجالات الكون ,على الاقل ,يعمل بقوانين رياضية دقيقة .ولذا ,يحث على انفاق بلايين الدولارات لصنع ماكينات ضخمة تستطيع دراسة المكونات الاكثر اساسية للمادة والطاقة (بما فيها الجاذبية)مثل مصادم “هادرون”الكبير التابع ل”المركز الاوربي للفيزياء النووية”في جنيف بسويسرا.
قطارات الطفولة:
في طفولته,كانت القطارات الكهربائية حلمه الدائم ,اهدته عائلته قطارات تعمل بالزنبرك ,لكنها لم ترضه ابدا .في مراهقته ,انجذب الى صنع نماذج للسفن والطائرات .لم يكن ممن يتقنون العمل بايديهم (بل سيقعد كليا في مراحل مبكرة من عمره),لكنه تعاون مع صديق له في صنع هذه النماذج.
وفي مراحل دراسته المختلفة ,مال هواكينغ دوما الى البحوث والاختبارات اكثر من ميله الى انجاز المقررات الدراسية,ولذا ,لم يكن مستواه المدرسي متالقا ,بل انه لم يتجاوز المستوى المتوسط .
اطلق عليه زملاؤه لقب”اينشتاين”تهكما عليه,بل ان بعضهم راهن على ان هواكينغ لن يفلح في انجاز أي شيء في حياته.
وقبيل اختتام المرحلة الثانوية من الدراسة ,قرر هواكينغ التخصص في الرياضيات والفيزياء ,تاثرا بمدرسه في هاتين المادتين.في المقابل رغبت اسرته بشدة ان يكون طبيبا,لكنه لم يحب علم البيولوجيا ,الذي راى فيه مجالا للاشخاص متواضعي الذكاء_طبعا هذا رايه الشخصي عندما كان مراهقا_.
ثم نال منحة الدراسة في جامعة اكسفورد البريطانية,امضى هواكينغ 3 سنوات في هذه الجامعة العريقة ,وبعد فترة ليست طويلة لم يجد من الجامعة مايغذي طموحاته وشخصيته الحيوية ,فقد احس بان الجامعة مملة ,تماما كما سيفعل بيل غيتس (المؤسس الاسطوري لشركة مايكروسوفت)بعده بسنوات طويلة,والطريف ان كليهما راى في الجامعة مؤسسة غير ذكية ,يمكن التقدم فيها بمجرد الفوز في امتحان عند نهاية كل سنة دراسية!.
وعلى الرغم من اعترافه بانه لم يعمل لاكثر من ساعة يوميا في اكسفورد,الا انه نال درجة متقدمة ,اهلته للانتقال الى مركز للبحوث في كامبردج .اندفع الى دراسة الفيزياء النظرية تحت تاثير حبه للعالم اينشتاين.
اصيب جهازه العصبي بمرض”التصلب الوحشي الضموري”في السنة الاولى من دراسته الجامعية,وبالرغم من قسوة هذا المرض الذي يعني فقدان الانسان السيطرة على تحريك اعضائه تدريجيا ,لكن لم يفت هذا الامر في عضده,على الرغم من تاكيد الاطباء عدم وجود دواء له ,بل توقعوا ان يسوء حاله باطراد ,وصولا الى الموت شللا .
ويبدو انه عقد العزم على مقاومة المرض ,خصوصا بعد ان احب فتاة ,مالبث ان تزوجها وانجب منها,ثم……انفصلا.
وبالفعل تمكن هواكينغ من تحدي مظاهر اعاقته ,مستخدما التقنيات الحديثة التي ساعدته على الكتابة والانتاج العلمي ,واصدر عددا كبيرا من الابحاث العلمية التي احدثت صدى واسعا في ارجاء العالم,ثم صدر كتابه “موجز لتاريخ الزمن”الذي اصبح حديث الاوساط البحثية في زمن قياسي,وتتابعت طبعاته الى ما يزيد على اربعين طبعة انجليزية وترجم الى معظم اللغات الحية ,صدرت نسخته العربية عن عالم المعرفة الكويتية.
ويعتبر”موجز لتاريخ الزمن”من اكثر الكتب مبيعا في التاريخ.لقد استطاع مقعد,يعمل بواسطة كومبيوتر يلتقط حركات عينيه (وهي الشيء الوحيد الذي يستطيع تحريكه حاضرا)ان يصوغ احد اضخم نظريات العلم المعاصرة ,وان يؤلف كتبا ومقالات وبحوثا هي الاكثر تاثيرا في العلوم المعاصرة.
احمد مغربي(العربي العلمي)
مقال جميل وممتع صديقي رعد دمت مبدعا