الصورة: زفاف ياباني ملكي لثقافة الياماتو السائدة في اليابان اليوم
بعد تلك الجولة في التاريخ غير المكتوب باللغة والمكتوب على الحمض النووي يمكن أن نلاحظ أمور عديدة لم تخبرنا عنها الآثار أو المعلومات المكتوبة. من الممكن أيضاً أن نجد تقاطعات واضحة بين التاريخ المكتوب والتاريخ الجيني في حالات أخرى.
هذا المقال هو جزء من سلسلة من المقالات حول التاريخ الجيني لشرق آسيا
أول الملاحظات التي يمكن أن نحصل عليها وأن نتعلمها من التاريخ الجيني حول شرق آسيا هي أن كثيراً من انتشار وحركة المجاميع البشرية في التاريخ ليست بالضرورة ذات أبعاد سياسية أو عسكرية. لم توثق المصادر التاريخية غزوًا استيطانيًا كبيرًا من شرق آسيا إلى وسط آسيا. رغم وجود علاقات بين الصين وبين الشعوب التركية لكن لم تكن هناك هيمنة أو غزو استيطاني. مع ذلك، نجد أن رجالاً يحملون المجموعة الفردانية O للكروموسوم واي يشكلون 5% من سكان أوزبكستان وكازاخستان.
قد يتعلق ذلك بحركة المغول نحو وسط آسيا لكن المجموعة O لا تشكل سوى 17% من الذكور في منغوليا وفق الفحوص التي أجراها موقع Family Tree DNA.[1] التاريخ المكتوب أيضاً لا يوثق شيئاً عن انتقال أفراد من شرق آسيا نحو أفغانستان أو ايران او العراق لكن هناك عدد قليل من الأفراد ونسب منخفضة ممن يظهر انتماءهم لهذه المجموعة في تلك البلدان (أقل من 1%).
من جهة أخرى تعزز نسب المجموعة O في بعض المناطق ما نعرفه من معلومات عن انتقال البشر عبر سبل عسكرية أو سياسية أو عبر الاستيطان لمناطق معينة. مثلاً تشير فحوص الحمض النووي إلى أن حوالي 40% من الذكور في مدغشقر يحملون المجموعة O ويتوافق ذلك مع الحقائق التي نعرفها حول هجرة مجاميع من الاندونيسيين واستيطانهم في الجزيرة قبل أكثر من 1000 سنة. يصف أحد المقالات من ديسكفري تلك الخطوط الجينية الأنثوية بعنوان المقال “مدغشقر التي وجدت بواسطة النساء”[2].
المثير للاهتمام أكثر هو ما يمكن أن نعرفه عن طبيعة القادمين من هؤلاء، الذين يعرفون اليوم بالمالاغاسي. لم يكن هؤلاء غزاة قادمين بشكل جيش مكون من الرجال بل كانوا يشكلون عائلات. نعرف ذلك من وجود نسبة من خطوط الحمض النووي للميتوكوندريا تعود لجنوب شرق آسيا مع كون النسبة المتبقية عائدة إلى سلالات أفريقية.[3]
اليابان تمثل حالة فريدة من نوعها ومثيرة للاهتمام في الترابط بين التاريخ الذي نعرفه والتاريخ الجيني. معظم ما نراه من ثقافة اليابان ولغتها اليوم يعود لقوم هاجروا إلى جزر اليابان من شبه الجزيرة الكورية. التقارب البسيط بين اللغة اليابانية والكورية يعزى لذلك. يسمى هؤلاء القوم باليايوي (Yayoi) وقد بدأوا هجرتهم إلى اليابان في فترة تتراوح بين 300 ق.م إلى 300 ميلادية. يعزز التاريخ الجيني ما نعرفه أن الذكور القادمين عبر تلك الهجرة كانوا يحملون المجموعة الفردانية O1b2 وهي فرع من المجموعة الفردانية O. تسمية اليايوي الحديثة تعرف بالياماتو (Yamato) وهم المنحدرون من اليايوي ويمثلون 98% من اليابانيين اليوم. الشعب الذي سكن اليابان قبل تلك الفترة يعرف بالجومون (Jomon) وهم يشكلون أقلية اليوم.
يحمل شعب الجومون في اليابان مجموعات فردانية أخرى للذكور وهي المجموعة D بشكل رئيسي. لكن الواقع الجيني يختلف عن الواقع الثقافي لليابان قليلاً، وبما أن الياماتو يشكلون الأغلبية الساحقة فإن نسبة المجموعة D في اليابان قد تصل إلى ما يزيد عن 30% من المجموعات الفردانية للذكور.
[1] O-M175 Frequency, Family Tree DNA
[2] Discovery, Madagascar founded by women, 20 March 2012
[3] Hurles, Matthew E., et al. “The dual origin of the Malagasy in Island Southeast Asia and East Africa: evidence from maternal and paternal lineages.” The American Journal of Human Genetics 76.5 (2005): 894-901.
