في مقالة سابقة عرضنا كيف نواجه صعوبة في اقناع شخص بغير ما يؤمن به ونظرنا إلى الموضوع من جهة علم النفس واستخدمنا مصطلحات كالتنافر المعرفي وتأثير النتيجة العكسية، هذه المقالة تكملة للموضوع السابق، لكن هذه المرة سنركز على اعتقاد واحد بذاته وننظر إليه من وجهة نظر علم الأعصاب.
غالبا ما تكون السياسة هي ساحة النقاش الأشد والاشرس بين الأشخاص، حيث تغيب كل اسس المنطق والعقل السليم. ولا بد انكم لاحظتم كيف ان بعض الأشخاص يزداد تعصبهم السياسي كلما جوبهوا بأدلة وبراهين تنقض او تقلل من الاتجاه السياسي الذي يتبعونه. دراسة لجامعة جنوب كاليفورنيا أكدت هذه الملاحظة.
اجريت الدراسة في فترة الانتخابات الامريكية وتم نشرها في يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2016 من قبل معهد الدماغ والإبداع في جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث يقول الباحثون ان نتائج التصوير المغناطيسي الوظيفي للدماغ (fMRI) تبدو متوافقة وممكن ان تفسر الكيفية التي يتجاوب فيها الأشخاص مع الاخبار السياسية، المزيفة والحقيقية أثناء فترة الانتخابات.
ويقول المؤلف الرئيس للدراسة جوناس كابلن وهو استاذ مساعد في علم النفس في معهد الدماغ والابداع في جامعة جنوب كاليفورنيا “ان التوجهات السياسية تشابه التوجهات الدينية في ان كلاهما يمثلان جزءا من تعريفك لنفسك ولهما أهمية لتحديد الدائرة الاجتماعية التي تنتمي اليها، وان تأخذ بتوجه مغاير، يعني أنك ستضطر لأن تأخذ بعين الاعتبار نسخة مغايرة ممن تكون”.
كان هدف الدارسون تحديد الشبكات العصبية التي تستجيب في حالة التمسك بشدة باعتقاد ما، حيث قارنوا في ما كان الناس وإلى أي درجة سيغيرون من آرائهم في القضايا السياسية وغير السياسية عند توفير دليل مناقض.
حيث وجدوا ان الأشخاص كانوا أكثر ليونة عندما تم سؤالهم عن قوة اعتقادهم في تعبير غير سياسي، مثلا “كان البرت اينشتاين الفيزيائي الأعظم في القرن العشرين.”
لكنهم لم يتزحزحوا قيد شعرة في حالة طرح رأي سياسي مثل ” يجب على الولايات المتحدة ان تقلل من إنفاقها العسكري.”
ويقول كابلن “كنت متفاجئا في ان يشك الناس في كون اينشتاين فيزيائي عظيم، لكن هذه الدراسة أثبتت أننا نتعامل مع بعض الاعتقادات بليونة اكثر من اعتقادات أخرى.”
استجابة الدماغ لتحدي المعتقد
شارك في التجربة 40 شخصا ممن عرفوا أنفسهم بأنهم “ليبراليون” وقام علماء الاعصاب باستخدام التصوير المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لمراقبة استجابة الدماغ لمجموعة من الجمل تتحدى أفكارا يؤمنون بها، حيث أعطيت لهم ثمانية عبارات سياسية متعلقة بمواضيع قالوا مسبقا أنهم يعتقدون بها بنفس الشدة التي يؤمنون بها لثمان عبارات أخرى غير سياسية، ولكلا النوعين من الجمل أعطيت لهم خمسة ادعاءات ناقضة تتحدى مدى صحة هذه الجمل.
طلب من المشاركين تقييم قوة إيمانهم بالجمل الاصلية من 1- 7 قبل وبعد اعطائهم الادعاءات الناقضة بعدها قام العلماء بدراسة مسوحات الدماغ لمعرفة أي الأجزاء كانت الأكثر نشاطا أثناء هذه الفحوصات.
لم يغير المشاركون من آرائهم عند إعطائهم أدلة مناقضة لاعتقاداتهم السياسية كـ “يجب ان تكون القوانين التي تقنن من استخدام السلاح في الولايات المتحدة أكثر حزما”.
لكن لاحظ العلماء ان قوة ايمانهم ضعفت بنقطة او نقطتين عندما تم اعطاء ادلة مناقضة لاعتقادات غير سياسية مثل “اختراع توماس أديسون المصباح الكهربائي” حيث اعطي للمشاركين جمل كبرت في داخلهم حس بالشك مثلا “قبل حوالي 70 سنة من أديسون، كشف همفري ديفي عن المصباح الكهربائي للجمعية الملكية.”
وجد الباحثون نشاط أكبر في اللوزة الدماغية (Amygdala) والقشرة العازلة من الدماغ عند الأشخاص الذين كانوا الأكثر عنادا في تغيير آرائهم مقارنة بالذين كانوا أكثر استعدادا لتغيير أفكارهم.
ويقول كابلن، وهو مدير مساعد في مركز دورنزيس للتصوير الدماغي لبحوث الإدراك التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا “ان النشاط الذي ظهر في هذه المناطق المهمة في التعبير عن المشاعر واتخاذ القرارات ربما تفسر كيف نشعر عندما نواجه دليلا مناقضا لما نعتقد به”
ويكمل “فإن اللوزة الدماغية بالذات معروف عنها انها متعلقة بالإحساس بالخطر والتوتر، بينما تتعامل القشرة الجزيرية (insular cortex) مع المشاعر الجسدية ولها أهمية في إبراز الجانب العاطفي من المحفز. وهذا يتوافق مع الفكرة القائلة بان فرصة تغيير افكارنا ستقل عندما نشعر بأننا مهددون، متوترون او متحفزون عاطفيا.
ويشير ايضا الى ان هناك نظاما في الدماغ، الشبكة الاساسية (the Default Mode Network)، ازداد في الفعالية عندما تم تحدي الاعتقادات السياسية للمشاركين.
ويقول عنه ” ان هذه المناطق من الدماغ تم ربطها في ما سبق بان لها دور في تحديد من نكون، وفي تحديد طبيعة ونوع التفكير العميق والاجترار الفكري الذي نجد أنفسنا غارقين فيه في بعض الأحيان”.
ويقول غمبل، وهو باحث في مؤسسة الدماغ والإبداع “فهم متى ولماذا يكون الناس أكثر احتمالية لتغيير آرائهم موضوع ملح، فمعرفة أي العبارات ممكن ان تقنع الناس لتغيير اعتقاداتهم السياسية ممكن ان يكون مفتاحا لتقدم المجتمعات”.
ويمكن تطبيق نتائج هذا البحث على ظروف أخرى غير السياسة، وضمنها الكيفية التي يستجيب فيها الأشخاص لقصص الأخبار. المزيفة
يقول كابلن “يجب ان نقر بان للعواطف دور في وعينا والكيفية التي نقرر فيها ما هو صحيح وما هو لا، ويجب علينا ألا نتعامل مع الانسان ككومبيوتر مجرد من المشاعر. فنحن مخلوقات بيولوجية.”
المصدر
Gersema, E. (2016, December 23). Which brain networks respond when someone sticks to a belief? Retrieved March 04, 2017, from
ترجمة: احمد كريم بربن