في بداية القرن العشرين ، وتحديدا العشر سنوات الاولى ، جاء اينشتاين بنظريته النسبية التي اعطت مفاهيم جديدة للزمن والضوء ، وفي نفس فترته او قبله بقليل جاء ماكس بلانك بفكرته عن تكميم الطاقة التي ولدت مفهوم جديد ثوري منذ ذلك الحين ، وهي الاساس لنظرية الكم . ونظرية الكم هو الاسم العام للفيزياء الجديدة ، الغريبة في عملها . لن اتطرق الى التفاصيل الفيزيائية الخاصة بالنظرية الاساسية ، وانما الى القسم الحديث جدا والذي لا يزال في بداياته وما ان يتم ، فانه سيحدث ثورة علمية عالمية تغير مجرى الحياة .
في بدايات الحاسوب وفي اربعينيات القرن الماضي ، تم انشاء اول اشكال الحواسيب ، وكما هو معروف كان الحاسوب الواحد يشغل عدة طوابق ومكون من مئات الالاف من الانادبيب المفرغة Vacuum Tubes. وبعدها تطور الامر الى استخدام الترانزسسترات التي صغرت من حجم تلك الحواسيب وجعلت منها حواسيبا اسرع ، ولها تطبيقات اكثر . الى ان جاء مور ونشر قانونه الذي بين من خلاله ان تطور الترانزسسترات بسرعة كبيرة وبتناسب طردي مع حجم تلك الترانزسسترات . فكلما تطورت كلما اصبحت اصغر الى ان ظهرت الحواسيب الشخصية وبعدها ظهرت الجوالات والاجهزة اللوحية .. الخ . لكن حدث وان جاء علماء فيزياء وحاسوب وطرحوا مشكلة للنقاش في نهاية السبعينات ، من بينهم Charles H. Bennett و Thomas J. Watson و Paul A. Benioff و David Deutsch ، وهي ان استمرار التكنلوجيا في التطور وصغر حجم الترانزسستور في المعالجات الميكروية تبعا لقانون مور كل 18 شهرا اي انه بعد عشرين سنة من الان ستصبح هذه الترانزسسترات تعمل بالمقياس الذري ، بمعنى اخر ، سيؤدي الى ان يكون حجم السيلكون المستخدم في تطويره صغيرا جدا، بل ودقيقا ، الى ان يصبح عبارة عن قطعة صغيرة غير قابلة للتقسيم ، او انها مجموعة من الذرات .
هنا تبدأ المشكلة ، لانه في حالة وصول التكنلوجيا الى هذه المرحلة من الصغر والتعقيد لن تصبح قوانين الفيزياء المعمول بها ذات فائدة . لان طبيعة التواصل هنا ستكون بين ذرات وليست كما في السابق قطع اكبر . المطلوب هنا الفيزياء الكمية بكل بساطة . ولذلك طـُرح التساؤل التالي : اي نوع من الحواسيب سيكون قادرا على العمل وفق الفيزياء الكمية؟ وليس وفق المبدأ الحالي ؟ . بعدها بسنوات قليلة وتحديدا 1982 ، جاء ريتشارد فيونمان Richard P. Feynman (1) ، ليجيب على هذا التساؤل من خلال بحث علمي قدمه ، طرح فيه موديل جديد ، بين كيف يمكن محاكاة فيزياء الكم في هذه الالة . وهذه كانت اول مرة يتم استخدام مفهوم الحاسبة الكمية Quantum Computerبصورة صريحة. حيث بين انه من الممكن تطوير هذه الالة التي تعمل وفق فيزياء الكم مع اي حجم من الترانزسستورات بل وانها ستكون افضل منها بمراحل عديدة . بعد ثلاث سنوات في 1985 جاء Deutsch صاحب السلسلة الفيديوية المعرفة عن الحوسبة الكمية Quantum Computing، ليوضح نظرية جديدة في بحث علمي ان اي عملية فيزيائية من الممكن تمثيلها بالشكل الكمي الخاص بالحاسوب المقترح من قبل فيونمان . ومن ذلك الحين بدأت الابحاث بتطوير الاليات والخوارزميات الخاصة بهذه الالة . من الجدير بالذكر ان ديتش هو اول من نادى بمسمى الحوسبة الكمية عن طريق استخدام مفهوم تيورنك كمي جديد بدلا من استخدام نفس المفوم بالصيغة الثنائية المعروفة ( الجزء الثاني ) .
ولكن في تلك البحوث كان اصحابها يواجهون مشاكل رياضية، من الممكن بسبب عدم تواجد خوارزمية فعلية مصممه لتلك الالة . اي انه مجرد كلام نظري. الى ان جاء شور Shor لينشر بحثه الشهير في عام 1994 ، والذي طرح من خلاله خوارزمية رياضية كمية جديدة ، يتم من خلالها تجزئة الاعداد الكبيرة جدا الى عواملها الاولية بسرعه عالية جدا لا تتجاوز اجزءا الثانية ، والتي قد تأخذ من الحاسوب الحالي في ايامنا هذه سنوات عديدة من العمل . طريقة شورالجديدة اعطت الامل للباحثين لان يكتبوا خوارزميات كمية جديدة ، والبعض الاخر قد بدأ بتحويل خوارزميات معروفة من الصيغة الكلاسيكية الى الصيغة الكمية . الان لدينا علم جديد هو علم التشفير الكمي Quantum Cryptography والمشتق من علم التشفير وامنية المعلومات Security ، وكذلك اصبحت لدينا الخوارزميات الجينية الكمية Quantum Genetic Algorithms ، وخوارزمية النمل بالصيغة الكمية Quantum Ant Colony ، وخوارزمية التلدن بالصيغة الكمية Quantum Simulated Annealing . وغيرها من الخوارزيمات . لكن كلها تنتظر تلك الحاسبة لكي يتم تنفيذها . للحاسوب الكمي فوائد لا يمكن عدها وحسابها ، كم من الامور في ايامنا هذه تعتمد على الحاسوب ؟ يمكننا القول بان حياتنا كلها معتمدة على الحاسوب . ولكن لا تزال هنالك مشاكل لايمكن للحاسوب الحالي ان يعالجها . مثلا مشكلة الاعداد الاولية في الرياضيات او نفسها المشكلة التي قام شور بحلها وهي تجزئة الاعداد الكبيرة الى عواملها الاولية Factoring، هي عملية اساسية في اشهر خوارزميات التشفير . حيث لا زال الباحثون يحاولون ايجاد افضل طريقة لاكتشاف العوامل الاولية للاعداد الكبيرة بزمن خطي , حيث انها تعمل في زمن مضاعف Exponential Time بينما مع الحاسوب الكمي ستكون خوارزمية ذات زمن خطي Linear Time . من الامور الطريفة التي ستحدث عندما يتم تطوير هذا الحاسوب، ان من بين اقوى خوارزميات تشفير المعلومات في هذا الوقت وهي RSA التي تحتاج الى عشرات الحواسيب ذات القدرات العالية جدا ولمدة شهور لكي يتم كسرها ، ستصبح عديمة الفائدة وغير امينه مع وجود حاسوب كمي. اذن ، عندما يتم ايجاد مثل هذا الحاسوب ، سنضطر لاعادة النظر بكل ما نملك من تطبيقات ومراسلات ومعاملات بنكية تحتاج الى امن عالي .
سأتوقف الى هذا الحد ، في المقال القادم ساوضح كيف تعمل الحواسيب الكمية وماهو المستوى الذي وصلت اليه في الوقت الحالي .