بدأت هذه القصة لأشهر مسألة في الرياضيات بملحوظة كتبها محامي فرنسي من مدينة تولوز في القرن السابع عشر عام ١٦٣٧ يدعى بيير دو فيرما سميت هذه المبرهنة باسم مبرهنة فيرما الأخيرة.
مبرهنة فيرما تحدت كل علماء الرياضيات في العالم على مدار اكثر من ثلاثة قرون وتمتد جذور هذه المسألة الى ما قبل ذلك بكثير لان فيثاغورس نحو عام خمسمائة قبل الميلاد. وفيثاغورس هو الذي أشار اليها مستخدما كلمات النظرية الرياضية الوحيدة التي تداولتها الألسن بصيغة واحدة:
(في المثلث قائم الزاوية يكون مربع طول الوتر مساويا مجموع مربعي طولي الضلعين القائمين).
وتكتب نظرية فيثاغورس على الصورة الشهيرة:
عندما أعلن فيثاغورس عن نظريته بدء علماء الرياضيات بالتباحث فيها وتمثل احد الاكتشافات التي توصلوا اليها في ان هذه المعادلة تنطبق على عدد كبير من المثلثات القائمة التي أطوال أضلاعها إعداد صحيحة.
مثال على ذلك المثلث الذي طول كل من ضلعيه خمس وحدات واثنتي عشر وحدة سيكون طول الوتر فيه ثلاث عشرة وحدة ولا شك ان: 5اس2+12اس2=13اس2.
البعض الاخر بدا يبحث عن احتمالات اخرى مثلا هل يوجد مثلث أطوال أضلاعه أعداد صحيحة وتنطبق عليه نفس العلاقة ولكن في حال تكعيب الأضلاع؟
بعبارة اخرى هل هذه المعادلة صحيحة؟
ماذا عن الاعداد المرفوعة للأس أربعة؟ او الإعداد المرفوعة لأي أس أعلى من اثنين؟
قديما حيث لم يكن هناك الاَت حاسبة ميكانيكية ولا الاَت الكترونية. بل قضى الناس زمناً طويلاً في إستهلاك كميات كبيرة من الورق لإجراء الحسابات اللازمة للبحث عن اجابات لهذه الأسئلة. وهو ما حدث مع هذه المسألة، لكن لم يتوصل احد الى اي حل فهذه المعادلة البسيطة المسلية اثبتت صحتها مع الأسس التربيعية فحسب بل وليس مع اي آس اخر؛ بعدها توقف الجميع عن البحث لان فيرما أوقفهم عن البحث بسطر واحد كتبه وقال فيه: “ان هذه المعادلة البسيطة التي تنطبق على الأسس التربيعية لا تنطبق على اي أس اخر على نحو لا جدال فيه”.
لكن البرهان على صحة مبرهنة فيرما قد اكتشفه فيرما نفسه وكتب تعليق موجز على هامش احدى صفحات نسخته من كتاب رياضيات إغريقي قديم يسمى (علم الحساب) حيث يقول: “اكتشفت برهانا رائعا لهذه الفرضية لكن الهامش لا يتسع لكتابته”.
يعتبر علماء الرياضيات ان البرهان دواء فعال لهم فضلا عن أن ضرورة وجود برهان وهو الاثبات المنطقي لصحة عبارة ما في جميع الأحوال هو ما يميز الرياضيات عن غيرها من معظم العلوم.
مثلا الفيزيائيون يحصلون على هذا البرهان بسهولة مطلقة فإذا نثر عالم فيزياء مجموعة من البروتونات عالية السرعة على سطح من الالمنيوم عشر مرات او مائة مرة. وفي كل مرة حصل الفيزيائي على مزيج واحد من جزيئات اخرى متطايرة، يجوز له عندئذ افتراض انه اذا اجرى فيزيائي اخر نفس التجربة في مكان اخر فسوف يحصل دوما على نفس مجموعة الجزيئات. لكن عالم الرياضيات لا يتمتع بهذه السهولة في العمل فنظرياته ليست احصائية بل لابد ان تكون جازمة.
هكذا إذن بدء البحث الفعلي وسعى علماء الرياضيات الى البحث عن البرهان الذي ادعى فيرما التوصل اليه. بذل عدد كبير من كبار العلماء أمثال اويلر وجولدباخ وديريشليت وصوفي جيرما جهدهم للوصول الى هذا البرهان الغامض. وسار على نفس المنهج مئات من الأسماء الأقل شهرة ومن حين لآخر كان بعضهم ممن اصابه الإنهاك يعلن فجاة انه توصل للحل. حتى اكتشفت مئات من هذه البراهين ظهر منها الف برهان على مدار اربع سنوات فقط أوائل القرن العشرين.
لكن سرعان ما كان علماء هذه الرياضيات الآخرون يفندون هذه البراهين بعد اكتشافهم أن من كتبوها قد وقعوا في اخطاء جوهرية فيما يتعلق بالحقيقية او بالمنطق. وبدا لعالم الرياضيات ان فيرما الشهير قد اخطأ وانه لا يمكن الوصول أبدا الى البرهان الذي تحدث عنه.
لكنهم لم يكونوا محقين أبداً في استنتاجهم بعدم القدرة على الوصول الى البرهان الذي تحدث عنه فيرما. اخيراً اكتشف برهان صحيح وحاسم بخصوص مبرهنة فيرما قرب نهاية القرن العشرين. حدث ذلك في الفترة بين عامي ١٩٩٣و١٩٩٥ عندما نشر عالم رياضيات بريطاني يدعى اندرو وايلز Andrew Wiles من جامعة برينستون في الولايات المتحدة برهانا حاسما وكاملا خاليا من الأخطاء وقاطعا لفرضية فيرما التي يرجع تاريخها الى اكثر من ٣٥٠عاما.
غير ان برهان وايلز لم ينل رضا أحد في البداية واتسم برهان وايلز بالاسهاب المفرط فوصل الى مائة وخمسين صفحة مكدسة بالكتابة والاسوأ من ذلك انه احتوى على اجزاء لا يستطيع اي بشر قرائتها ليثبت انها خالية من الأخطاء. اذ لا يمكن التحقق من صحتها الا باستخدام احد برامج الكمبيوتر.
كما أن برهان وايلز لا يمكن ان يكون نفس البرهان الذي ادعى فيرما التوصل اليه لانه اعتمد على براهين وخطوات لم تكن معروفة لفيرما ولا لأي شخص اخر في تلك الفترة ورفض علماء الرياضيات قبول هذا البرهان.
تنص مبرهنة فيرما في مجملها على ما تنص عليه نظرية الإعداد وهو أن لا توجد اعداد صحيحة طبيعية x و y و z حيث
حيث n اكبر من z و n هي أي رقم.
المصادر
النظرية الاخيرة- أرثر كلارك و فريدريك بول
ويكبيديا النسخة الانجليزية