نحن نعيش في مجرة تُدعى درب التبانة، امبراطورية من مليارات النجوم. يبلغ عُمرها حوالي 12 مليار سنة. كما أن المجرة نفسها عبارة عن قُرص ضخم مع أذرع حلزونية عملاقة ونتوء في المُنتصف.

مجرة درب التبانة (الدرب اللبني)   (MILKY WAY)

مجرة درب التبانة

لكن ما هي المجرات؟، ومن أين جاءت المجرات؟، وكيف تعمل؟ وما هو مُستقبلها؟، وكيف ستموت؟. هذا ما سنُحاول الإجابة عنه في الجُزء الثاني من “كيف يعمل الكون؟”.

المجرة -لغوياً- هي كلمة مُشتقة من “مجر”، ويُقصَد بها الكثيرُ الدهِم. وهي تجمُعات هائلة الحجم من النجوم والكواكب والأقمار والكُويكبات والنيازك وبقية الأجرام السماوية المعروفة، كما تحتوي على الغُبار الكوني والمادة المظلمة، وتتخللها مجالات مغناطيسية مروّعة. أما عن أحجام المجرات وكميّة النجوم فهي تتراوح بين بضعة آلاف من النجوم – في المجرات القزمة – و حتى تريليونات النجوم في المجرات العملاقة، المجرات المتوسطة -مثلاً- قد تحتوي على مائة مليار نجم. كما أن جميع المجرات تتخذ مركز الثقل الخاص بها مداراً لها.

لم نكن نعلم شيئاً عن المجرات لمُدة طويلة، لكن في عام 1924 عندما نظر هابل عبر تلسكوبه إلى السماء لاحظ بُقعاً بيضاء، وأدرك أنها لم تكن نجوماً، بل كانت مُدناً من النجوم.

صُدِمَ العُلماء بحقيقة الأمر؛ إذ خلال عام واحد انتقلوا بتفكيرهم من كونٍ يتألف من مجرة درب التبانة فقط، إلى كون يتألف من ملايين المجرات. وتُقاس المسافة بين المجرات في الفضاء بالسنة الضوئية – المسافة التي يقطعها الضوء في سنة. فنظامُنا الشمسيُ -مثلاً- يَبعُد 25 ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة، كما أن حجم مجرتنا أكبر من مائة ألف سنة ضوئية عرضاً. ومع ذلك فنحن لا نُمثل سوى نقطة في مقياس المسافة الكوني.

ومن الجديرُ بالذكر أن أول المجرات المرصودة خارج درب التبانة كانت مجرة أندروميدا (Andromeda) وذلك في العام 964 ميلادية، من قِبَل عالم الفلك المُسلِم/ عبدالرحمن الصوفي.

قد تبدو مجرة درب التبانة كبيرة جداً، لكنها بالنسبة إلى جيرانها ليست كذلك. فمثلاً، عرض مجرة “أندروميدا”  أكبر من 200 ألف سنة ضوئية. ومجرة “إم 87” أكبر بكثير من مجرتنا، فهي أكبر مجرة في الفناء الكوني الخاص بنا. أما مجرة “أى سي 1011” فهي أكبر مجرة تم رصدها في الكون حتى الآن،  ويبلغ عرضها ستة ملايين سنة ضوئية.

من أين جاءت المجرات؟

يقول الفيزيائي/ مايكل ستراوس (Prof. Michael Strauss) : “ليس لدينا معرفة تامة بذلك، لكن هنالك إجابة واضحة وهي أن الكون بدأ بما يُسمى الإنفجار العظيم. حيث لم تكن المجرات موجودة حينها؛ لذا لابُد أنها قد تشكّلت وخرجت للوجود خلال ذلك الوقت المُبكر من الكون.”

يعتقد بعض العلماء أن المجرات بدأت بالتشكّل بعد الإنفجار العظيم بثلاثمئة وثمانين ألف سنة. في ذلك الوقت بالتحديد بدأت ذرات الهيدروجين والهيليوم بالتشكّل في حقبة زمنية يطلق عليها إعادة الاندماج. تقريباً كل الهيدروجين كان محايداً (غير مُؤَيَن). لذا، فقد كان جاهزاً لامتصاص الضوء، ولم تتشكل حينها أية نجوم بعد. لذا، يُطلَق على هذه الحقبة أيضاً اسم الحقبة المُظلمة؛ بسبب عدم وجود أية إضاءة فيها. وقد بدأت البُنَى الكبيرة بالتشكّل من خلال المادة البدائية الكثيفة متباينة الخواص (أوَّل مادة بدأت بالتشكّل بالكون عندما كان عُمره 380000 سنة فقط، قبل ذلك كان الكون حساءاً شفافاً من الإلكترونات)، وكنتيجة لهذا بدأت مواد الباريون بالتكثف في هالات من المادة المُظلمة الباردة. انتهى المطاف بهذه البُنى البدائية إلى تشكيل المجرات التي نشاهدها اليوم.

مرصاد هابل الفضائي يسمح لنا بالنظر عميقاً بالكون، إلى بداية الكون تقريباً. عند النظر نجد لطخات صغير مُضيئة، لا تبدو مثل المجرات التي نعرفها اليوم، لكنها تشكّلت بعدما يُقارب مليار سنة من نشأة الكون. تلك اللطخات تحتوي ملايين أو مليارات النجوم بداخلها. لكن تليسكوب “أكت” (ACT) -مرصاد علم الكونيات- يسمح لنا بالنظر أعمق من مرصاد هابل إلى حيث كان عُمر الكون أقل من مائة ألف سنة، فهو بطبيعة الحال لا يرصد الضوء المرئي بل يرصد الموجات الكونية من زمن الكون (الموجات الكونية هي اشعاع ضعيف مُنتشر في أرجاء الكون، وهي خير دليل على أن الكون انبثق أصلاً من إنفجار ذي درجة حرارة عالية للغاية، وتسبح هذه الموجات في الكون منذ 380000 عام عقب الانفجار العظيم، وتم رصدها أول مرة عام 1964 في مختبر بيل لابس بنيوجرسي). وقد ساعد هذا المرصاد الفلكيين كثيراً في دراسة تطور ونمو المجرات منذ بداية الزمن تقريباً.

تم اكتشاف الدليل على أول المجرات المُتشكلة في عام 2006، حينما تم اكتشاف أن المجرة (IOK-1) لديها انزياح أحمر عالي غير طبيعي يبلغ 6.96، وهذا يُعادل حوالي 750 مليون سنة ضوئية بعد الانفجار العظيم، وبالتالي فهي أقدم مجرة بدائية تم اكتشافها حتى عام 2012، وفي تلك الفترة كان بعض العلماء يتوقعون وجود مجرات أقدم من هذه. هذا ما حصل بالفعل حيث تم في العام 2012 اكتشاف مجرة (UDFj-39546284). حيث أصبحت أقدم الأجرام المرصودة على الإطلاق بانزياح أحمر يبلغ 11.9، وتم تقدير أن عمرها قرابة 380 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. إن وجود هذه المجرة البدائية يدفع إلى الاعتقاد بأنها تكونت خلال الحقبة المُظلمة.

إذاً كيف تكوّنت المجرات؟

يرى العُلماء أن المجرات تتكون بنفس الطريقة التي تتكون بها النجوم بالضبط، لكن على نطاق أكبر حيث تتطور المجرات من خلال سديم هائل جداً يبلغ اتساعه عدة ملايين من السنين الضوئية، ثم يبدأ بالانسحاق على بعضه مُشكِّلاً كل هذه النجوم (النجوم تنشأ عن السُدم التي تحتوي الغبار الكوني والغازات وتبدأ الحرارة بالإرتفاع تدريجياً وعندئذ تلعب الجاذبية  المُتبادَلة بين هذه المكونات دورها الأعظم وتتشكل كرة من الغبار والغاز في السحابات الدوارة، وتكون هذه الكرة النجم الرضيع -عملية ولادة النجوم-، سيتم تفسير كيفية تكوّن النجوم تفصيلاً في الجُزء الرابع). لكن تفاصيل تكوّن أوائل المجرات تُعتبَر أحد الأسئلة المفتوحة في علم فيزياء الفلك، ونظرياته يُمكن تقسيمها إلى نوعين: من العلو للسُفل، من السُفل للعلو. ويُقصَد بالاُولى أن المجرات تكوّنت أساساً من بُنى كونية شديدة العِظّم، ثم تفككت وتقطعت إلى الحالة التي نراها اليوم خلال فترة زمنية تُقَدَر بمئة مليون سنة. أما في السُفل للعلو فالعكس تماماً، حيث يُعتقَد أن المجرات تكونت من بُنى صغيرة للغاية، ثم أخذت بالتضخم شيئاً فشيئاً، حيث كوّنت العناقيد المُغلقة، ثم كونت هذه بدورها المجرات الكبيرة.

ما إن تبدأ المجرات البدائية بالتشكّل حتى تبدأ النجوم من هذا النوع بالظهور فيها. ويُقصَد بالنجوم من هذا النوع هو تلك الغنية جداً بالهيدروجين والهيليوم، لكنها فقيرة للغاية بالعناصر الثقيلة. وقد تكون أحجامها كبيرة أيضاً. لذا، فإن كان الأمر كذلك، فإنها ستستنفذ وقودها -الهيدروجين- بسرعة كبيرة، ثم تتحول إلى مُستعِّر أعظم مُطلقةً العناصر الثقيلة -التي سوف تتشكل بسبب الانفجار- إلى الوسط بين النجمي. عندما تنفجر النجوم من هذا النوع فإنها تُعيد تأيين الهيدروجين الموجود حولها مُنشئةً فقاقيع مُتوسعة من الفضاء يُمكن للضوء التخلخُل فيها. لذا، نستطيع رؤيتها.

المصادر:

  1. (n.d.). How the Universe Works: Alien Galaxies. Retrieved April 30, 2017.

http://www.sdss3.org/

“Galaxy Interactions”. University of Maryland Department of Astronomy. Archived from the original on May 9, 2006. Retrieved December 19, 2006.

Galaxy Clusters and Large-Scale Structure”. University of Cambridge. Retrieved January 15, 2007.

“Spitzer Reveals What Edwin Hubble Missed”. Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics. May 31, 2004. Retrieved December 6, 2006.