يُعتبَر السيروتونين بلا شك أحد أهم النواقل العصبية التي تلعب دوراً كبيراً في تنظيم العديد من السلوكيات للكائنات الحية، وخاصة الإنسان. حيث يلعب دوراً محورياً في تنظيم عملية النوم والتَّغذية، إلى جانب تحسين المزاج والقدرات الإدراكية. وقد ارتبط إنخفاضه مثلاً بالإصابة ببعض الحالات النَّفسية مثل الاكتئاب والقلق.  

تُعتبَر دودة الربداء الرَّشيقة أحد أهم النماذج المستخدمة لدراسة السيروتونين، حيث ثَبُت أنَّ مسارات الإشارات الجزيئية للسيروتونين ظلت محفوظة دون تغير عبر الأنواع، بما في ذلك البشر. فعلى سبيل المثال، أظهر العلماء أنَّ جزءاً كبيراً من السيروتونين في الربداء الرَّشيقة يُصنَع في الأمعاء، كما هو الحال في البشر.

اعتقد العلماء لسنوات عديدة أنَّه يتم صنع السيروتونين في الربداء الرشيقة عبر مسار جزيئي واحد، ثم يتحلل بسرعة بمجرد تَشكُّله. ولكنْ لم يكن الأمر كذلك. فطبقاً للدراسة التي قادها فرانك شرودر، الباحث بمعهد بويس طومسون بجامعة كورنل، والتي نُشرِت بدورية نيتشر كيميكال بيولوجي (Nature chemical biology)، وَجَدَ الفريق أنَّ هناك مساراً جزيئياً آخراً مسؤولٌ عن إنتاج نصف إجمالي السيروتونين المنتج تقريباً في الربداء الرشيقة. علاوة على ذلك، فلم يتحلل السيروتونين بسرعة بل تم استخدامه كحجر بناء لمركبات أخرى مسؤولة عن بعض نشاط السيروتونين. وهو ما يَتَّفِق مع ما وجده الباحثون منذ ثلاث سنوات، عندما اكتشفوا بالصُّدفة إنزيماً يقوم بتحويل السيروتونين إلى مركبات مشتقة.

ما أهمية هذه المركبات المشتقة من السيروتونين؟ يُعتقَد أنَّها تلعب دوراً في سلوك التَّغذية للدودة. فعندما تفتقِر الربداء الرشيقة إلى السيروتونين، تميل إلى تجاهل الطَّعام حيث تَتَحرَّك بسرعة عبر الطعام البكتيري المزروع على أطباق الآجار، ولا تعود إلَّا نادراً لاستكشاف الطعام. وقد وَجَدَ الباحثون أنَّ هذا السُّلوك يُمكِن تخفيفه عبر علاج الديدان بمشتقات السيروتونين، مما يُشير إلى أنَّ هذه المشتقات تلعب أدوراً كنا نعزوها في السَّابِق إلى السيروتونين.

يُخبرنا فرانك شرودر أنَّ هناك بعض التلميحات على أنَّ السيروتونين البشري يتحول إلى مشتقات مشابهة لتلك التي تم تحديدها في الربداء الرشيقة مما يفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من طرق البحث في البشر. فهل هذه المشتقات الأيضية المشابهة مهمة في البشر؟ وما دور كلاً من مساريْ التَّصنيع للسيروتونين؟ وأخيراً، ما مدى أهمية مساريْ التَّصنيع ومشتقات الأيض للسلوكيات البشرية، مثل التغذية، والصحة العقلية؟ 

إذا أثبتت الدراسات في السنوات القليلة القادمة وجود مشتقات مشابهة للسيروتونين في البشر كمـا في ديدان الربداء الرشيقة، فقد يقودنا ذلك في النهاية إلى تطوير علاجات جديدة من مشتقات السيروتونين لعلاج العديد من الأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب.   

المقال الأصلي:

AJ Bouchie, Boyce Thompson Institute, New insights into how serotonin regulates behavior, OCTOBER 13, 2022

رابط البحث:

Jingfang Yu et al, Parallel pathways for serotonin biosynthesis and metabolism in C. elegans, Nature Chemical Biology (2022). DOI: 10.1038/s41589-022-01148-7

راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 52 شهري نوفمبر-ديسمبر 2022