موجات الجاذبية والأسئلة الكونية الستة التي تعالجها. إن أكتشاف التموجات في الزمكان ستثبت صحة نظرية أينشتاين – لكنها قد تفعل أكثر من ذلك أيضا. بدءا من إثبات وجود الثقوب السوداء، سرعة موجات الجاذبية، الاسئلة حول النجوم النيوترونية وتوسع الكون، وانتهاءا بإنفجارات النجوم (السوبرنوفا).
أثرالأعلان عن الرصد المباشر الأول لموجات الجاذبية في الحادي عشر من فبراير/شباط، من قِبل ليكو (LIGO) والذي هو عبارة عن مرقاب يقوم برصد موجات الجاذبية بواسطة التداخل المطور لأشعة الليزر. بأستخدام مرصادَي ليكو العملاقين، واللذانِ أحدهما في ليفينكستون، لويزيانا، والأخر في هانفورد، واشنطن – قام الباحثون بقياس التموجات في الزمكان، والتي تحصل بسبب تصادم ثقبين أسودين.
أعلانٌ كهذا صار إثباتاً صحة تنبؤ أينشتاين بالموجات الجذبية، والتي تنبأ بها قبل 100 عامٍ تقريباً، كجزءٍ من النظرية العامة للنسبية، الخاصة بِه – لكن أهميتها ستتجاوز هذا.
كما هو الحال بالنسبة للأهتزازات في نسيج الزمكان، تُقارن موجات الجاذبية غالباً بالصوت، وقد تم تحويلها إلى مقطوعاتٍ صوتية. اما فيما يخص التأثير، تقوم تيليسكوبات الموجات الجذبية بالسماح للعلماء “بِسماع” هذه الظاهرة، في نفس الوقت الذي تقوم بِه التيليسكوبات التي تعمل على أساس الضوء “بِرؤيتها”. (قد قام أعضاء في ليكو وقرينتها الأصغر في فيرجو في مدينة بيزا الأيطالية بوضع نظام لتنبيه بقية الطواقم التي تعمل على الأنواع الأخرى من التيليسكوبات مسبقاً).
عندما كان برنامج ليكو يكافح للحصول على تمويل حكومة الولايات المتحدة، في اوائِل التسعينيات، كان أكبر الذين وقفوا ضد هذا البرنامج في جلسات الكونكرس هم من رواد الفضاء. “كانت النقطة الرئيسة في الموضوع أن هذا البرنامج ليست له علاقة بعلم الفضاء” كما قال كليفورد وِل، والذي هو من المختصين بالنظرية العامة في جامعة فلوريدا في كينزفيل، ومن أوائِل داعمي ليكو. لكن كل شيءٍ تغير الأن، كما يقول.
أهلا بكم في قسم موجات الجاذبية في علم الفضاء: نحن ننظر في الأسئلة والظواهر التي يستكشفها هذا القسم.
هل الثقوب السوداء موجودة حقاً؟
يعتبر تداخل الثقوب السوداء من الأحداث الأكثر بعثاً للطاقة، المعروفة: لقوة موجات الجاذبية التي تبُثّها هذه الأحداث القدرة على أن تتساوى مع طاقة كل النجوم الأخرى الموجودة في الكون الذي نراه، مجتمعةً. تعتبر الأشارات المنبعثة من الثقوب السوداء المتداخلة (المتحدة) من أنقى أشارات موجات الجاذبية التي يتم ترجمتها.
تنبعث هذه الأشارات عندما يقوم ثقبين أسودين بالأقتراب من بعضهما البعض بشكل حلزوني، باعثةً أشعاعاتٍ على شكل موجات جاذبة. يجب توفر صوت خاص يسمى بالـ “زقزقة”، لدى هذه الموجات، والذي يستعمل لقياس كُتل الجسمين (الثقبين الأسودين). بعد ذلك، يتّحِد الثقبان. “الأمر أشبه بتقريب فقاعتي صابون من بعضهما البعض، مما يدفعهما للأتحاد وتشكيل فقاعةٍ واحِدة. في البداية، ثم تتشوه الفقاعة الأكبر،” وذلك نص ما قاله ثيبالت دامور، مختص في الجاذبية، في معهد الدراسات العلمية المتقدمة بالقرب من باريس. سيثبت الثقب الأسود الواحد الناتج على شكلٍ كروي مثالي، لكن يُتَوَقع أن يقوم هذا الثقب بدايةً، بِبث موجاتٍ جاذبيّة، على نمط يسمى بالحلقاتِ المتناقصة (ringdown).
إن من أهم العواقب العلمية لرصدِ أشارة ناتجة من تداخل ثقبين أسودين هو تأكيد وجود الثقوب السوداء بشكلٍ حاسِم – عل أقلِه كالأجسام التامة الدائرية المتكونة من الزمكان النقي الفارغ المقوس، والذي هو تم التنبؤ به من قِبل النسبية العامة. بالأضافة لذلِك، فهذا يأكد أيضا على أن هذه الأشارات تكمل مسيرتها كالمتوقّع. لدى علماء الفلك الكثير من الأدلة الظرفية لهذهِ الظواهِر، لكِن لحد الأن، هذه الأدلة تأتي من عمليات مراقبة النجوم والغازات الفائقة الحرارة التي تدور حول الثقوب، وليس من الثقوب بحدِ ذاتِها.
“المجتمع العلمي، من ضمنهم أنا، قد أصبح غير مبالٍ على نحوٍ كبير، بما يتعلق بالثقوب السوداء. لقد أصبحت من المسلّمات بالنسبة لنا،” هذا ما قاله فرانس بريتوريوس، و هو مختصٌ في عمليات محاكاة نظرية النسبية العامة في جامعة برنستون في نيو جيرسي. “لكن لو فكرت بمدى كون هذا التنبؤِ تنبؤاً مثيراً للجدل، عليك أيضا أن تعي أننا بحاجة إلى أدلة مثيرةٍ للجدل.”
هل تنتقل موجات الجاذبية بسرعة الضوء؟
عندما يقوم العلماء بمقارنة نتائج المراقبة والرصد من برنامج ليكو مع النتائج المأخوذة من الأنواع الأخرى من التيليسكوبات، سيكون السؤال الأول الذي تجيب عنه هذه النتائج هو إذا كانت هذه الموجات تصل في نفس الوقت.
يفترض علماء الفيزياء على أن الجاذبية تنتقل بواسطة جزيئات تسمى بالـ كرافيتون، والذي هو الشبيه في الجاذبية للفوتونات في الموجات الضوئية. إذا كانت هذه الجزيئات، كالفوتونات، عديمة الكتلة، إذا ستنتقل موجات الجاذبية بسرعة الضوء، وبذلِك تطابِقُ التنبؤ حول سرعة الموجات الجذبية في النضرية النسبية العامة الكلاسيكية. (ستتأثر سرعة هذه الموجات بالتوسع المتسارع للكون، لكن على هذا أن يتطبق فقط في المسافات التي تكون أبعد من مسافة فعالية ليكو).
لكن لو كان من الممكن أن يكون للكرافيتونات كتلة صغيرة جداً، فذلك كان ليعني أنها تنتقل بسرعةٍ أقل من سرعة الضوء. لذا، إذا أفترضنا أنه كان على ليكو و فيرجو أن يرصدا موجات جاذبية من حدثٍ كونيّ، وإكتشاف أن الموجات تتأخر بالوصول للأرض أكثر من أنبعاثات أشعاع كاما، والتي ترصد بتلسكوبات أخرى أكثر تقليدية، لكان لذلك عواقب كبيرة للفيزياء الأساسية.
من الممكن حدوث أكتشاف أخر أكثر إثارةً للغرابة إذا ما تم رصد موجات جاذبية قادِمة من ‘خيوطٍ كونية‘. هذهِ الأخطاء (العيوب) الأفتراضية في تحدّب الزمكان، والتي قد تكون أو لاتكون متعلّقةً بنظرية الخيوط الكونية، ستكون رفيعة بشكلٍ متناهٍ، لكنها تمتد عبر مسافات شاسِعةٍ على المقياس الكوني. قام الباحثون بالتنبؤ بأن الخيوط الكونية، في حالة وجودِها، ستُشكّل أحياناً عُقداً؛ إذا أنقطع خيط ما، ستحرر كمياتٍ عالية من موجات الجاذبية، بشكلٍ مفاجئ، والتي تُقاس بسهولة بواسطة مرقاباتٍ كـ ليكو و فيرجو.
هل النجوم النيوترونية وعِرة؟
إن النجوم النيوترونية هي بقايا نجومٍ أكبر، والتي أنهارت بدورِها تحت قوة وزنِها، وبذلك أصبحت كثيفة للحد الذي جعلها تضغط بالألكترونات والبروتونات التي تكوِّنها إلى الأنصهار والأتحاد، لتحولها إلى نيوترونات. خواصها الفيزيائية المعقدة غير مفهومةٍ بشكلٍ كافٍ، لكن من الممكن أن توفر موجات الجاذبية معلومات فريدة من نوعِها. كمِثال، تميلُ الجاذبية العالية جداً على أسطح النجوم النيوترونية بجعلها كروية الشكل على نحوٍ مثالي. لكن بعض الباحثين قد قاموا بوضع نظرية تفيدُ بأنه من الممكن وجود ‘جبال’ – والتي يبلغ أرتفاعها، على أقصى تقدير، بعض المليمترات – والتي تكون السبب في جعل هذه الأجسام تبلغ العشرة كيلومترات في قُطرها، وذلِك غير متماثِلٍ قليلاً.
في العادة، تدور النجوم النيوترونية بسرعة عاليةٍ جداً، لذلك يشوّه التوزيع اللامتماثل للكتلة الزمكان وينتج أشارة موجة جاذبية مستمرة على شكل موجة جيب الزاوية (sin)، والتي تبعث وتُشعَ الطاقة وتُبطئ من سرعة دوران النجم.
أزواج النجوم النيوترونية التي تكون في مسار حول بعضها البعض، تقوم أيضا بأنتاج أشارةٍ مستمرة. كما يحصل في الثقوب السوداء، تقوم هذه النجوم بالدوران بشكلٍ حلزونيٍ حول بعضها البعض إلى أن تتداخل في النهاية، محدِثةً في بعض الأحيان صوتاً قوياً مسموعاً. لكن لحظاتها الأخيرة تختلفُ بشكلٍ كبير عن مثيلاتها في الثقوب السوداء.
“لديك كَومةٌ من الأحتمالات، أستناداً إلى الكتل وكميات الضغط التي تبذلها المواد ذات الكثافة النيوترونية،” كما قال بريتوريوس. مثلاً، من الممكن أن يكون النجم المتّحد الناتج، نجماً نيوترونياً عملاقاً، أو قد ينهار فوراً ويتحول إلى ثقبٍ أسود.
مالذي يجعل النجوم تنفجر؟
تتكون الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية عندما تتوقف النجوم الضخمة عن التوهج وتنهار على نفسها. يعتقد علماء الفيزياء الفضائية أن هذه العملية هي التي تغذي النوع المشابه من الأنفجارات النجمية ( سوبرنوفا) بالطاقة، والتي تُعرف بـِ النوع 2. عمليات المحاكاة على الأنفجارات النجمية المشابهه لم تفسر حتى الأن سبب نشوئها. لكن سماع انبعاثات موجات الجاذبية التي من المتوقع أن تنتجها الأنفجارات النجمية، قد يساهِم في إيجاد إجابة.
بالأعتماد على الشكل الموجي للأنبعاثات، مدى القوة الصوتية للأنبعاثات، عدد التكرارات وكيفية تعلّقها بالأنفجارات النجمية والتي نراها من خلال التيليسكوبات الألكترومغناطيسية، قد تساعد البيانات على أثبات أو نفي النماذج المتعددة الموجودة مسبقاً.
ما السرعة التي يتوسّع بها الكون؟
توسع الكون يعني أن الأجسام البعيدة التي تبتعد عن مجرتنا تبدو أكثر حُمرةً من لونها الحقيقي، وذلك لأن الضوء الذي تبعثُه هذه الأجسام يتمدد بينما تسرع هذه الأجسام مبتعدةً عنّا. يقوم الفلكيون بتخمين معدل توسع الكون بمقارنة التحول اللوني للأحمر للمجرّات مع مدى بعد هذه المجرّات عنّا. لكن في الحقيقة هذه المسافات تقاس بواسطة السطوع من ‘نوع 1 أ’ للأنفجارات النجمية – والتي هي تقنية تخلِّف ورائها مقداراً كبيراً من الشك.
إذا قامت العديد من راصدات الموجات الجذبية، حول العالم برصد الأشارات القادمة من نفس الأتحاد لنفس النجمين النيوترونيين، ستستطيع هذه الراصدات معاً على أن تعطي رقماً تخمينياً حول القوة المطلقة لهذه الأشارة، والذي سيكشف مدى بُعد حدوث هذا الأتحاد. سوف تتمكن هذه الراصدات أيضا من تخمين الأتجاه الذي قدِمت منه هذه الأشارة؛ سيستطيع بعد ذلك المختصون في علم الفضاء بأستنتاج ومعرفة المجرّة التي حدث فيها هذا الحدث (أتحاد وأندماج النجمين البروتونيين). مقارنة التحول اللوني للأحمر لأي مجرّة مع المسافة بين الراصدات والأندماج النجمي المقاس بواسطة قوة موجات الجاذبية، قد يزودنا بتخمينات مستقلة حول مدى التوسع الكوني، وقد تكون هذه الطريقة أدقّ من الطرق المتوفرة حالياً.
هذه المقالة أعيد صياغتها بعد أخذ الأذن والموافقة، و نُشِر للمرة الأولى في التاسع من فبراير/شباط، 2016.
http://www.scientificamerican.com/article/gravitational-waves-6-cosmic-questions-they-can-tackle/