العلاج باللمس: هو طريقة علاجية زائفة (علم زائف)، تدّعي بأنّ الأجسام البشرية تنتج مجالات مغناطيسية ضخمة، يتم من خلالها التلاعب بهذه المجالات (كما يدعي ممارسيها) لتعزز بذلك نسب الشفاء وتقلل من الألم والقلق. ولكن هل هذا صحيح؟

اليوم سنوجّه أعيننا الشكوكية الى طريقة للشفاء مستخدمة جالياً من قِبل البعض، وهي لا تحتاج تدخل طبي، ولا تحتاج الى أدوية ولا تعطي آثار جانبية مزعجة، هذه الطريقة يتم تدريسها في مدارس التمريض في كل مكان: هذه الطريقة تسمى العلاج باللمس.

أصل خرافة العلاج باللمس

تستند هذه الطريقة، كما يعتقدها ممارسيها على وجود مفترض لـ “مجال طاقة” ممتد في جميع أنحاء الجسم البشري، حيث يمكن رؤيته أو لمسه، كما يدعي الكثيرون. هذا المجال “مجال الطاقة” يتم التلاعب به من خلال تلويح (تحريك) يد الممارس على جسم المريض. أستناداً إلى عدد من التفسيرات المتفاوتة، يُقال بأنّ هذا الفعل يعمل على التئام الجروح بشكل سريع، ويقلل من الألم أو القلق، ويعزز زيادة الحالة الصحية للمريض.

ظهرت طريقة العلاج باللمس في عام 1972، بالتعاون بين عرّافة وبروفيسورة في علم التمريض، الاول، (دورا كونز) عضو في الجمعية الثيوصوفية في أمريكا (الثيوصوفية احدى المفاهيم الدينية الواردة في ديانات معينة)، ثم أصبحت رئيستها، والذي كان قد درس تحت يد المعالج النفسي المجري أوسكار إستابني. اما الشخصية الثانية المؤسسة فهي، دولوريس كريجر، التي كانت تدرس التمريض في جامعة نيويورك، حيث تشاركت مع نهج كونز الميتافيزيقي للشفاء، ودونت أسس العلاج باللمس بالنظام الذي هو عليه اليوم.

الفرضيات الزائفة لعمل العلاج باللمس

ما يميز العلاج باللمس بغض النظر عن معظم العلاجات البديلة الأخرى، هو مستوى قبولها ضمن المجتمع الطبي. على الرغم من أنّها لم تقدم نجاحات في كليات الطب أو مع الأطباء، ولكن مع هذا يتم تدريسها في عدد من مدارس التمريض. المركز الطبي لجامعة ميريلاند، وهو أحد المستشفيات التي تتوفر بها طريقة العلاج باللمس، وعلى موقعه على شبكة الإنترنت، يحاول أن يشرح كيف يعتقدون بأنها تعمل.

وضعوا تفسيران، واصفين إياها خطأً على أنها نظريات:

إحدى الفرضيتين تقول، إنّ الألم الفعلي المرتبط مع تجربة جسدية أو عاطفية مؤلمة (مثل العدوى أو الإصابة، أو علاقة عاطفية معقدة) يبقى في خلايا الجسم. الالم المخزون في الخلايا يكون هدّاماً، وقد يمنع بعض الخلايا من العمل بشكل صحيح مع الخلايا الأخرى في الجسم. وهذا يؤدي إلى المرض. يعتقد الممارسين بأن العلاج باللمس يعزز الصحة من خلال استعادة الاتصالات بين الخلايا.

هل حقاً يبقى الألم في الخلايا؟

قرأت هذا خمس مرات ومازال لا يمكنني الشعور به. كيف يبقى الألم في الخلايا؟

ينتقل الألم عن طريق الأعصاب، وهو غير موجود في الجسم خارج الأعصاب. يقولون هذا هو سبب المرض. كلا، ليس بالضبط. لدينا نظريات جيدة حول الأمراض المختلفة، وكلها تقريبا مفهومة ، ولا يوجد في المصادر الطبية هذه العبارة “الألم نتيجة العلاقات العاطفية المعقدة يبقى في خلايا الجسم”.

وأخيراً، دُحضت هذه المسألة مع التأكيد على أنّه “العلاج باللمس لا يعزز الصحة من خلال استعادة الاتصالات بين الخلايا”، لأنّ ادعاءات كهذه قد تنمو في المجتمع بشكل ما عن طريق بضع كلمات طبية تبدوغامضة للمتلقي.

فيزياء الكم والعلاج باللمس !

الفرضية الزائفة الأخرى، تدعي الاستناد الى مبادئ فيزياء الكم. فكما أنّ الدم، الذي يحتوي على الحديد، يدور في أجسامنا، فإنّ مجالاً كهرومغناطيسي قد ينتج نتيجة ذلك. وفقاً لهذه النظرية، يمكن للافراد أنْ يروا بكل يسر وسهولة هذا المجال (ويسمى بـ الهالة) ولكن، فقط أولئك الأفراد الذين يمارسون العلاج باللمس تتطور لديهم هذه القدرة.

حسناً، الاستغاثة بفيزياء الكم كانت طريقة ذكية وسليمة، ولكن ليست في هذه الحالة: حيث أنّ الحديد المحمول في الدم والذي خلق مجال مغناطيسي ليس مثالاً لفيزياء الكم. ومن الأمورالأخرى التي تجعل هذا الكلام غير صحيح، مثلاً، لدينا كمية صغيرة من الحديد في الهيموغلوبين، كل جزيء منها تشير الى أقطاب مختلفة وفي اتجاهات مختلفة، وبالتالي، لا يتولد مجال مغناطيسي من هذا الأمر. إضافة لذلك لا يوجد هناك نظرية تقول بأنّ جميع البشر قد يرون المجالات المغناطيسية، وأي شخص يخبرك بهذا، فهو حقاً أعمى من الأساس.

المجالات المغناطيسية والهيموغلوبين

قدّم  دولوريس كريجر، أحد مؤسسي العلاج باللمس، بعد ذلك تفسير آخر مختلف تماماً عن آلية عمل العلاج. في عام 1975، كتبت في المجلة الأمريكية للتمريض، أنّ التلاعب بالمجال المغناطيسي في الجسم يرفع مستويات الهيموغلوبين في الجسم. دَعمَ هذا البيان العديد من الأكاذيب غير قابلة للتصديق والتي تقول “نعم، قد رأيت ذلك في وقت مضى”.

وضع اليد في حقل مغناطيسي لا يغير هذا المجال المغناطيسي. المجال مغناطيسي قوي بما فيه الكفاية ليتمدد عدة بوصات خارج نطاق الجسم البشري وبذلك سيكون قوياً جداً، وبالتالي، نحن لن نكون قادرين على ارتداء المجوهرات المعدنية أو الخروج من سيارتنا، لأننا سنكون ملتصقين  بعضنا مع البعض الآخر كل يوم.

لا يوجد تفسير حول لماذا أو كيف لا يوجد أيّ تأثير مغناطيسي من شأنه أنْ يخلق هيموغلوبين، كذلك لا يوجد تقرير يؤكد حدوث شيء من هذا القبيل في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو غيرها من تطبيقات المجالات المغناطيسية الحقيقية على جسم الإنسان.

أخيراً، رفع مستويات الهيموجلوبين قد يكون علاج فعال لبعض الظروف، ولكن ليس للألم، وهو الاستخدام الرئيسي للعلاج باللمس. على المرء أنْ يتعجب كيف يمكن لكريجر، وهو بروفيسور من ذوي الخبرة، أنْ يعترف  بهراء مثل هذاويعزز ذلك بوصفها علم صحيح!

طفلة تدحض العلاج باللمس

في عام 1996، كانت احدى أشهر الأمثلة التي وضعت المبدأ الأساسي لعمل االعلاج باللمس تحت الاختبار، عندما قامت (إيملي روزا)، فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات في الصف الرابع لمعرض العلوم، بتجربة تعارض بها هذا المبدأ. والديها، اللذين كانا يتنتقدان العلاح باللمس، ساعدها وضع بروتوكول بسيط.

زارت إيملي 15 ممارس كانوا قد أدّعوا أنهم قادرين على الكشف عن وجود “حقل الطاقة البشرية”، وضعت الممارسين أمامها مع وجود حاجب بينهما وطلبت منهم مد أيديهم من خلال فتحتين كانت قد ُصممت في الجدار الفاصل بينهما، ثم مدّت إحدى يديها، وطلبت منهم الكشف عن يدها الممدودة (هل هي اليسرى أم اليمنى). فشل الممارسين في التخمين حول هل هي يمنى أو يسرى مرات عديدة، مشيرةً إلى أنّ الممارسين لا يمكنهم في الواقع فعل ما يزعمون به. بعد عام من هذا، وفي البرنامج التلفزيوني (Scientific American Frontiers) صُوّرت لها تكرار الأختبار، مع نفس النتائج. بعد سنة، ساعد الدكتور ستيفن باريت الطفلة إيملي على كتابة ورقة بحثية حول تجربتها هذه، لتُنشر لاحقاً في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية. وأصبحت إميلي تملك الرقم القياسي العالمي لأصغر شخص تنُشر له ورقة علمية في مجلة علمية رصينة يُراجعها علماء مختصيين قبل نشرها.

ردود مروجي العلاج باللمس

يمكنك أنْ تتخيل، مدى الاستجابة القاسية للمجتمع المؤيد لفكرة العلاج باللمس. المنظمة الدولية للعلاج باللمس، الذي كانت في ذلك الوقت المعهد المؤيدة لهؤلاء اللممارسين، نشرت رداً رسمياً على ما جاء بالمجلة مع عدة انتقادات رئيسية اهمها:

الدراسة التي نُشرت لم تختبر أي من المتغيرات الحرِجة المتعلقة بالعلاج باللمس. القدرة على الإحساس بمجال طاقة الآخرين، هي ببساطة ليست شرطاً من شروط ممارسي العلاج باللمس.

هذا البيان “القدرة على الإحساس بمجال طاقة الآخرين هو ببساطة ليس شرطا” أصبح نقداً لهم الآن، كيف؟

يرتكز ممارسوا العلاج باللمس بالكامل على التلاعب بمجال الطاقة (كما وضّحنا أعلاه في نظرياتهم)، وهذا المجال يوصف من قبل الممارسين باسم “وخز، سحب، خفقان…الخ”. إِذن، كيف يفترض الممارسين أنّ بإمكانهم التعامل مع شيء لا يمكنهم الكشف عنه؟ (مغالطة منطقية).

الانتقاد الأخر لدراسة روزا:

هذه الدراسة المصمّمة، لا تُمثل العلاج باللمس، لقد تم إعدادها على أنها لعبة صالون لا أكثر؛ لأن آلية عمل العلاج باللمس، تستخدم أشخاص يعانون من مشاكل صحية على الأرجح وتظهر عليهم آثار الإيجابية، وليس أشخاص طبيعيين كما هو في الدراسة.

حسناً، هذا الانتقاد قد يكون صحيح لأن دراسة روزا لم تختبر فعالية العلاج باللمس على مرضى. بل بينت أنّ المفهوم الأساسي للعلاج باللمس غير موجود. ومع ذلك، استنتجوا:

لا يوجد هناك بيانات كافية، سواء من حيث الجودة والكمية، للأعتراف بكون طريقة العلاج باللمس، كطريقة شفاء فريدة وفعّالة، إضافة لذلك، فإنّ البحوث السريرية أو الكمية الداعمة لطريقة العلاج باللمس قليلة، فضلاً عن أنّ المؤيدين للطريقة تحوّلوا إلى عملية البحث النوعي، لذا قاموا بتصنيفها على أنّها إحدى الطرائف الطبية.

منذ نشر دراسة روزا، ومازالت مراكز العلاج باللمس تنشر الى الآن بحوث حول طريقة العلاج وتصور كيفية رؤية التحسّنات الصحية المذكورة من قبل المرضى، بغض النظر عن الطريقة المستخدمة. معظم مواقع العلاج باللمس على شبكة الإنترنت، تستشهد بعدد قليل من الدراسات التي تبين وجود تأثير صغير لها، ولكن تتجاهل عدد أكبر بكثير من الدراسات العلمية الحقيقية التي لا تظهر أي تأثير لطريقة العلاج باللمس. وهذا يشير إلى الخداع المتعمد من جانبهم، في إجراء بحوث غير نزيهة ولا علاقة لها بالعلم الحقيقي.

النقطة التالية في ردهم:

كانت الطفلة التي أجرت الدراسة غير محايدة بشأن العلاج باللمس، وبالتالي يمكن أن تؤثر هذه على نتائج الدراسة. وأظهرت دراسات دان أوليري في جامعة ولاية نيويورك، بأنّ (كون الممتحن متحيّز) هذا نتيجة كونه قد يؤثر، على معتقدات الممتحن وبالتالي أثبات كون العلاج باللمس صحيح علمياً، لكن مراكز البحوث التي تراقب هكذا دراسات لا تقر بهذا. إميلي روزا، لم توظف الضوابط الجيدة، والتي هي نفسها لا يمكن أن تقال، بأنّ غالبية الدراسات التي تجد العلاج باللمس مفيد وله تأثير مفيد هي خاطئة. لا بأس أنْ نُشير إلى أنها كانت طفلة، وأنها على ما يرام، ولا يوجد تحّيز من قِبَلِها.

ولكن إذا كنت تريد الرد على دراسة روزا، عليك أن تجد بنفسك الأخطاء الواردة في الدراسة، لا مجرد التلميح بأنّ الآخرين قد وجدوا ثغرات في دراسات أخرى حول هذا الموضوع، وبالتالي نتائج هذه الطفلة متشتبه بها. قال رئيس تحرير المجلة  “العمر لا يهم، كل ما يهمنّي هو كونه بحث علمي جيد، وهو بالتأكيد جيد”.

خلاصة

يمكننا الاستمرار بهذا كل يوم، لكنه غيرمجدي. الشيء الوحيد الذي يهمُّنا، عندما نقيّم علاج جديد هوهل يعمل ام لا. لذا ترى المؤيدين لطريقة العلاج باللمس يقتبسون من دراسات تبين أنّه يعمل بغض النظر عن صحة هذه الدراسة. عام 1990، قام ويرث بدراسة تبين “أثر العلاجات التي تعمل باللمس على معدل شفاء الجروح الجلدية بصورة كاملة”. فقام مؤيدوا العلاج باللمس بنشر هذه الدراسة على أنّها داعمة لما يقولونه، ولكنهم لم يلاحظوا أو ربما تغاضوا عن نشر أستنتاج ويرث نفسه والذي يقول:

“النتائج الإجمالية للسلسلة غير حاسمة في تحديد فعالية العلاج”.!!

هكذا دلس المؤيدون، حيث قاموا بنشر ما يفيدهم وتغاضوا عن استنتاجات الدراسة التي تؤكد على عدم صحة هكذا علاج بقوله “غير حاسمة”.

وأخيرا، فأنّ علاجات كهذه لا وجود لها علمياً، وهي مجرد علوم زائفة.!

المصدر:

Brian Dunning, “Therapeutic Touch.” Skeptoid Podcast. Skeptoid Media, 27 Apr 2010. Web. 7 Apr 2017.

Translated by Zainalabidin Hadi (زين العابدين هادي حسن) written by: Brian Dunning 

Translation is done following obtaining permission from Skeptoid.com. All rights reserved, any use of the material requires permission from the Skeptoid.com.

الترجمة تمت بموافقة موقع (Skeptoid.com) وجميع الحقوق محفوظة لا يحق إستخدام المادة دون موافقة (Skeptoid.com).