الميلاتونين هو هرمون عصبي يُصنع ويُفرز من قِبل الغدة الصنوبرية التي تقع اسفل الدماغ ويتم افرازه كاستجابة للظلام. وظيفة الميلاتونين هي ضبط الايقاع اليوماوي للنوم اي ضبط دورة النوم والصحو حيث ان الظلام يؤدي الى زيادة افراز الميلاتونين ولذلك فإنه يُلقب بـ “هرمون الظلام”، وان التعرض للضوء خلال الليل يؤدي الى منع تكون واطلاق هذا الهرمون. بالإضافة الى هذه الوظيفة فإن للميلاتونين دوراً في عدة وظائف بالجسم لايزال بعضها غير مفهوم([1]).

الميلاتونين والنوم

الذين سمعوا بالميلاتونين سابقاً لابد وأنهم سمعوا ايضاً أن له صلة بالنوم. فما هي هذه الصلة بالتحديد؟  في دراسة اجريت في قسم الطب العسكري والطوارئ في جامعة العلوم الصحية بالولايات المتحدة؛ على عينات من افراد عسكريين ومدنيين، ومن لهم تاريخ في صعوبات النوم والارق اثبتت استخدام الميلاتونين من البالغين الاصحاء: منع انقلاب الطور بالنوم اثناء الرحلات الجوية، وتحسن لمن يعانون من الأرق، اما بخصوص الشروع بالنوم وكفاءته فلم تثبت البيانات فائدة تذكر.

وفي دراسة اخرى اجريت في جامعة موناش بفكتوريا – استراليا، لإثبات مدى فعالية الميلاتونين على المصابين باضطراب تأخر طوري النوم واليقظة والتي توصف كذلك بـ ارق محاولة النوم، حيث تختبر هذه الدراسة فعالية 0.5 ملغ من الميلاتونين لأولئك المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب والمثبت انهم يعانون اعتلالا في الساعة البيولوجية، حيث ثبت أن اخذ 0.5 ملغ من الميلاتونين قبل ساعة واحدة من وقت النوم المحدد  بأحد العينات، وضمن جدول منظم وبرتوكول علاجي عملي؛ أدى إلى تحسن في جودة النوم، وإلى التقليل من الاعتلالات الخاصة بالنوم، والتقليل من حدة الارق .وهذا ما أثبتته دراسة أخرى في جامعة يورك حول 13 طفلاً من ذوي الاعاقات العصبية إذ تحسنت لديهم جودة النوم وتغير وقت النوم بمعدل 22 دقيقة لدى المجموعة التي أعطيت الميلاتونين من الأطفال المشاركين.

تتضح لنا العلاقة بين الميلاتونين والنوم في بحث أجري بقسم البيولوجيا العصبية في كلية علوم الحياة بجامعة تل ابيب عام 2018، حيث يذكر أن الساعة البيولوجية لدى الثدييات تتواجد في خلايا مخصصة بمنطقة تحت المهاد بالدماغ، هي تضبط الايقاع الليلي- النهاري على مدى 24 ساعة، او دورة الضوء-العتمة، وذلك لضبط النظام الزمني الداخلي، حيث تقوم هذه الخلايا عند تفعيلها بتحفيز انتاج الميلاتونين والذي يُثبط بسبب وجود الضوء، أما عندما ينطلق الميلاتونين فإنه يحمل رسالة الى الدماغ لبداية الفعاليات الفسيولوجية خلال العُتمة (ضغط الدم، والايض). وتتجه الدراسة حول مفهوم المعالجة بالميلاتونين لبعض الحالات التي يقترح الباحثون فيها وجود صلة بين اختلال الساعة البيولوجية وبين النكوص العصبي مثل بعض حالات اعتلال النمو العصبي لدى الأطفال أو مرض الزهايمر. ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه الفكرة الحديثة نسبياً لكننا نشير لها لكونها ذات صلة بموضوعنا.

لكن لماذا تطرقنا إلى النوم والميلاتونين؟ في الحقيقة إن الدور الأساسي للميلاتونين كما يعرفه الكثيرون هو دوره المعروف حول النوم، كيف سيلتقي الأمر مع السمنة؟ لنتجه الآن نحو الأبحاث التي أجريت حول الصلة بين الميلاتونين والسمنة لنعرف المزيد.

الميلاتونين والسمنة

في عام 2003 وجد بحث مشترك اجراه المركز الوطني للبحوث العلمية بتولوز و جامعة بول ساباتيه في فرنسا، ان اعطاء فئران التجارب الميلاتونين بمقدار 30 ملغ/كغم بعد ساعتين من الاضاءة، او قبل ساعة من اطفاء الضوء لمدة ثلاثة اسابيع، ان الميلاتونين يسبب تقليل زيادة الوزن بمستوى النصف وذلك بعد أن تسمين الفئران باستخدام تغذية عالية الدهون. كما وجد أنه لا تأثير للميلاتونين على الانسولين في بلازما الدم، لكنه يُقلل من الجلوكوز في البلازما بمقدار (18%)، ومن اللبتين بمقدار (28%)، والدهون الثلاثية بمقدار (28%)، اي ان الميلاتونين ينظم وزن الجسم بخفض السمنة، ومنع بعض التأثيرات الجانبية لتوازن الجلوكوز والتي يسببها نقصان حساسية الانسولين([2]).

وفي دراسة اخرى نُشرت عام 2010 اجريت بجامعة غرناطة الاسبانية، على فئران التجارب للتحقق من تأثير الميلاتونين في السمنة المرتبطة بارتفاع ضغط الدم الانقباضي، وزيادة الدهون بالدم، وجدت الدراسة ان الفئران التي تم حقنها بجرع محددة من الميلاتونين قد انخفضت الزيادة بالوزن لديها مقارنة بالمجاميع الاخرى من الفئران التي لا يعطى لها الميلاتونين، رغم عدم وجود اختلاف بكمية الغذاء للمجاميع الخاضعة للدراسة، كما لوحظ انخفاض نسبة الدهون بالدم بالإضافة الى تحسن  ارتفاع ضغط الدم الانقباضي. من ناحية اخرى فإن الميلاتونين يرفع من مستوى الدهون البروتينية عالية الكثافة (الكولسترول)، ويؤدي إلى انخفاض هائل في الكوليسترول واطئ الكثافة، الا انه لا يؤثر في خفض المستوى الكلّي للكوليسترول. وتُعد هذه الدراسة اول دليل بحثي على التأثير الايجابي للميلاتونين في السُمنة.

ان التحكم بتأثير الميلاتونين ربما قد يحسن من السمنة وأيض الدهون لدى البشر، ولأن هذه التأثيرات تتم في فترة النشوء وسن الشباب قبل حدوث اي مضاعفات متقدمة بالأيض او الامراض الوعائية، فإن الميلاتونين قد يمنع من حدوث اي امراض قلبية وعائية مرتبطة بالسمنة([3]). هذا ما ثبت أيضاً حول البحث المنشور عام 2012 في اسبانيا حيث وجد ان الفئران التي تمت معاملتها بالميلاتونين انخفض وزنها عن الفئران القياسية بالتجربة، كما لوحظ تأثير الميلاتونين على النشاط الليلي لتلك الفئران([4]).

من المفترض بالميلاتونين ان يحفز على تعزيز وتحسين الفعالية الايضية لفقدان الوزن، ولإثبات هذه النظرية اجرى الباحثون دراسة لفحص كيفية تأثير الميلاتونين على التركيبة الجسدية، ومستوى الدهون، وايض الجلوكوز، لدى نساء ما بعد سن اليأس، فعند سن اليأس [حين ينقطع الطمث لدى النساء]  يصعب على النساء ان يفقدن دهون اجسامهن وأن يكونَّ كتلة عضلية. اجريت هذه الدراسة التي نُشرت في عام  2016 على 81 من النسوة اللاتي كُن في فترة ما بعد سن اليأس، حيث تم تقسيمهن الى ثلاثة مجاميع اعطيت المجموعة الاولى والثانية مكملات تحتوي على الميلاتونين بنسب 3 ملغ، 1 ملغ، ومجموعة ثالثة اعطيت مكملات بلاسيبو [خالي من الميلاتونين]، على مدار سنة كاملة، وكانت نتيجة الدراسة:  بعد قياس كتلة لأجسام المشاركات في الدراسة بواسطة مسح DXA  (مقياس امتصاص الاشعة السينية- ثنائي البواعث)  قبل وبعد اكتمال الدراسة، وكذلك تم اجراء فحوصات للدم لمعرفة الاساس والقيم النهائية لكيفية  تأثير الميلاتونين في عمل اللبتين والاديبونكتين، وكذلك التأثير في مستويات الانسولين. فوجد ان اللواتي اعطين مكملات الميلاتونين انخفضت الكتلة الدهنية لديهن بنسبة 7% مقارنة باللواتي اعطين بلاسيبو، وكذلك زادت مستويات الادينوبكتين بنسبة 21% للمجاميع التي تم اعطائهن الميلاتونين. وتقترح نتائج هذه الدراسة ان للميلاتونين تأثيرا مفيداً على الكتلة الجسمية واكسدة الدهون [حرقها]، فإعطاء الميلاتونين لمدة 12 شهر يؤدي الى خفض الوزن.([5])

وفي دراسة اخرى اجريت في جامعة تايبيه الطبية على مجاميع من ذكور الفئران بعد اطعامها بغذاء يحث على السمنة، قسمت العينة الى خمسة مجاميع، الاولى مجموعة السيطرة الجوالة (Vehicle Control)، والثانية مجموعة السيطرة الايجابية (Positive Control)، والثالثة مجموعة اعطيت 10 ملغ من الميلاتونين نسبة الى وزن الجسم، والرابعة مجموعة اعطيت 20 ملغ من الميلاتونين نسبة الى وزن الجسم، والخامسة اعطيت 50 ملغ من الميلاتونين نسبة الى وزن الجسم، حيث ان المجموعة الاولى اعطيت غذاء مُسيطر عليه، واما المجاميع الاخرى فقد اعطيت غذاء ذو سعرات حرارية عالية ولمدة 8 اسابيع قبل البدء بضخ نسب الميلاتونين، فوجد ان الميلاتونين يقلص الوزن دون التأثير على كمية الغذاء المُعطاة، ويقلص مستوى الكوليسترول المصلي الكلي serum total cholesterol  ، ويحسن افراز الكوليسترول بالخروج، كما يسيي زيادة في مستوى الايريسين[احدث هرمون مُكتشف ولازال يخضع للبحث في جامعة هارفارد، حيث يعتقد ان له دور في انقاص الوزن، والتجلط الدموي وان له تأثيرات علاجية في السمنة والحالات المرتبطة بها([6])]  الموجود بالدورة الدموية . الاستنتاج من هذه الدراسة: ان اعطاء الميلاتونين الدائم عن طريق الماء يؤدي الى تقليص كسب الوزن، وتقليص مستوى الكوليسترول الكلي المصلي، علاوة على ذلك فإنه يزيد من الايريسين الذي يدعم من تطويع النسيج الدهني مع الكوليسترول وبالتالي فإنه يخرج من الجسم مع الفضلات وبهذا اثبت تأثيره في السمنة([7]).

مكملات الميلاتونين

وقد يطرأ على القارئ سؤال آخر هنا، فطالما أن الميلاتونين مفيد بهذا الشكل لماذا إذا لا نستهلكه كمكمل غذائي سحري لنقصان الوزن؟ والاجابة في الحقيقة أن ما نراه في هذه الدراسات ليس من الضروري أن يظهر في ظروف حياتنا المعقدة. في هذه السلسلة نحاول أن ندرس تأثير هورمونات مختلفة على الوزن، ومن الطبيعي أن نجد ظروفاً مختبرية دقيقة وخاضعة للضبط لقياس تأثير تلك الهورمونات على كتلة الجسم وعلى الدهون، لكن ماذا لو اجتمع 20 عاملاً مختلفاً؟ طعام مليء بالدهون، لا حركة، لكن هناك نوم جيد. هل نتوقع أن يكون وزن الشخص الذي يعيش بنمط حياة كهذا مثالياً؟ كلا بالتأكيد، لكن ربما لو وضعنا الشخص ذاته في بيئة مختبرية مع 20 شخص مثله وقسمناهم الى مجموعات إحداهما تأخذ الميلاتونين وتنال ايجابياته حول اضطرابات النوم والأخرى لا تأخذه فلعل المجموعة الأولى تكون أفضل حالاً من ناحية الوزن.

عودة الى المكملات، لماذا لا يكون هناك مكمل للميلاتونين ليساعدنا على النوم، فهمنا أنه لن يساعد على فقدان الوزن بالضرورة لكن لم لا ينفع في النوم؟ في الحقيقة هذه المكملات موجودة ويفترض أنها يمكن أن تساعد في حالات مثل ارهاق السفر من الرحلات الجوية الطويلة، اضطراب تأخر طور النوم- الصحو، اضطرابات النوم لدى الاطفال، والارهاق الناتج بعد العمليات الجراحية.

مع ذلك، لا توجد معلومات كافية عن الاعراض الجانبية لتناول جرع الميلاتونين اكثر من المستوى الطبيعي الذي ينتجه الجسم، الا ان الدراسات اثبتت ان التناول القصير الامد لمكملات الميلاتونين امن لدى معظم الاشخاص، الا ان التناول المطول لم تثبت اضراره بعد، ويجدر أن يؤخذ بالحسبان أمور عديدة منها التداخل الغذائي، احتماليات الحساسية، المخاطر على الحوامل وكبار السن والأهم من ذلك كله، كيف نعلم أن المكملات تحتوي على الميلاتونين حقاً؟

بعض مكملات الميلاتونين قد لا تحتوي على ما يوضع عليها في العنوان، ففي دراسة اجريت عام 2017 على 31 من منتجات تحمل اسم الميلاتونين، تم شرائها من محلات البقالة والصيدليات، وُجد ان مُعظم هذه المنتجات لا تحتوي على الكمية المذكورة على العلبة من الميلاتونين([8]). فضلاً عن ذلك، فإن فعالية المكملات بذاتها مشكوك بها.

الصورة الكبيرة

تكاد الحميات الغذائية جميعاً لا تخلو من ذكر النوم وأهميته لفقدان الوزن، وعند الاطلاع على الدراسات والأبحاث التي أجريت حول الميلاتونين فقد يرى البعض أن العلاقة بين النوم وانخفاض الوزن هي علاقة طبيعية بين عدم تناول الطعام في الليل وبين انخفاض الوزن. لكن المفاجأة كانت في كل ما رأيناه من تأثيرات استثنائية للميلاتونين على انخفاض الوزن وعلى معايير أخرى مثل الكولسترول في الجسم. إذاً فالكلام هنا لا يقلل من أهمية النصائح حول ضرورة النوم في القيام بالحميات الغذائية الناجحة، بل يزيد من أهميته ولكن لسبب آخر مباشر في تأثيره في انخفاض الوزن وهو الميلاتونين.

المصادر:

[1] NIH, “Melatonin: What You Need To Know»

[2] Prunet-Marcassus, Benedicte, et al. “Melatonin reduces body weight gain in Sprague Dawley rats with diet-induced obesity.” Endocrinology 144.12 (2003): 5347-5352.

[3] Agil, Ahmad, et al. “Beneficial effects of melatonin on obesity and lipid profile in young Zucker diabetic fatty rats.” Journal of pineal research 50.2 (2011): 207-212.

[4] Terrón, M. P., et al. “Melatonin reduces body weight gain and increases nocturnal activity in male Wistar rats.” Physiology & behavior 118 (2013): 8-13.

[5] Amstrup AK, Sikjaer T, Pedersen SB, Heickendorff L, Mosekilde L, Rejnmark L. Reduced fat mass and increased lean mass in response to 1 year of melatonin treatment in postmenopausal women: A randomized placebo-controlled trial. Clin Endocrinol (Oxf). 2016;84(3):342-347. doi:10.1111/cen.12942

[6] Ohtaki, Hirokazu. “Irisin.” Handbook of Hormones. Academic Press, 2016. 329-e37.