هناك برنامج تلفزيوني كان يعرض في اسبانيا قبل أكثر من 10 سنوات وكان يعمل كرشاش ضخم للتضليل الإعلامي. كان البرنامج يُبث في قناة متخصصة طابعها العام هو كونها رائدة في البرامج الرديئة التي تعرف بقمامة التلفاز. البرنامج كان يقدم من قبل صحفي عُرف قبل انتقاله الى الشاشة الصغيرة بتقديم شئ مشابه لما يقدمه اندرو ويكفيلد[1] (Andrew Wakefield) وتشارلز بيرليتز[2] (Charles Berlitz) مخترعي العلاقة الخاطئة بين اللقاحات ومرض التوحد وخرافة مثلث برمودا، فضلاً عن المشعوذين والحمقى وصحفيين مستعدين لفعل أي شئ مقابل حفنة من النقود ممن كان يستضيفهم. لكن الشخص الذي نتحدث عنه وصل إلى استدعاءه لمجموعة من العلماء والمشككين لحضور برنامجه بحسب طلبه منهم، ليقوموا من وجهة نظرهم بالدفاع عن العلم والمنطق، ولكن من وجهة نظري أنهم يطعمون الوحش.

وحتى لا أظهر وكأنني أبالغ – أو أنني كذلك – فإن مخرج البرنامج قد دافع يوماً عن فكرة أن رواد الفضاء وجدوا آثاراً على القمر؛ وصرح يوماً بأن العلم يعتمد على مافيات؛ كما عرض في مرة أخرى أمثلة للناس من المجلة الساخرة اونيون (The Onion) وكأنها مجلة حقيقية؛ ومرة أخرى أرسل مساعديه لالتقاط أصوات روحية (psychophonies) من معسكر إعتقال نازي؛ كما عرف شاباً اصطدم بقطار على أنه مسافر عبر الزمن؛ وعرض مونتاج صوري لمؤامرة سوفيتية فضائية؛ وصور أحد المتسولين في إحدى الحلقات على أنه شبح؛ كما عظم من شأن طارد أرواح تاريخية في إحدى الحلقات. بإختصار تلك هي الجرعة الإعتيادية من الأشباح، نظرية المؤامرة، الظواهر الماورائية، ومونتاجات مخصصة للغرض ذاته، فضلاً عن المعجزات الكاثوليكية والفضائية، كل ذلك يُمكن أن يعطي فكرة عن طبيعة البرنامج. منذ سنوات، وصف ناقد تلفزيوني ذلك المحتوى بالتحقيق الأحمق.

أحياناً يقوم الشخص المعني بدعوة علماء أو مشككين لبرنامجه لما يزعم بالبحث عن الحقيقة أو من أجل النقاش مع أحد الدجالين. حضور النقاد يخدم مقدم البرنامج من أجل التباهي بأنه يُظهر جميع وجهات النظر حيث يقوم بإستدعاء خبراء من الخط الأول. وللأسف، فإن لديه الحق في النقطة الأخيرة. وهذه الستراتيجية ليست بالجديدة. ففي افتتاحية العديد من إصدارات مجلة المصير (Fate)[3] – المجلة الأولى المخصصة عن الاعتقاد بالماورائيات – قال ريموند بالمير (Raymond A. Palmer) – وهو مؤسس المجلة – في ربيع 1948 حيث صدرت المجلة بأنها “متخصصة بالدفاع عن المنطق”، “المنهج العلمي” وأيضاً “تحليل ما هو معروف وما هو غير معروف”. وتماماً كما يفعل البرنامج حيال هذه الخطوط، فإن العدد الاول من مجلة فيت شمل  مقالاً صارماً لصحفي متخصص بعلم الطيران، ولكنه رصع العدد بمقال آخر لكينيث ارنولد[4] يتكلم فيه عن صحنه الطائر الأول في 24 يناير 1947 وصحن طائر مجهول آخر وكلاهما بلا أدلة.

ستراتيجية قديمة

بين الأعوام 1961 و 1971، خصص لويس باولس (Louis Pauwels) وجاك بيرغير (Jacques Bergier) وهما مؤلفا كتاب عودة السحرة (El retorno de los brujos) الذي خصصاه للنشر في مجلة بلانيت (Planète)، حيث يكتب أشخاص مثل اومبيرتو ايكو (Umberto Eco) – فيلسوف وروائي إيطالي – وإسحاق عظيموف (isaac asimov) الكاتب والبروفيسور في الكيمياء الحيوية، وفريدريك براون (Fredric Brown) كاتب الخيال العلمي الأمريكي وغيرهم آخرون من كتاب الخيال العلمي والمفكرون ممكن كانوا يشتركون في فسحة الكتابة ذاتها مع كتابات علم زائف خيالي لهؤلاء أنفسهم أو لزملاءهم. المجلة كانت خلطة من الخيال العلمي، المنشورات، الفلسفة والماورائيات الغامضة. الإصدار الإسباني منها، يخرجه المروج الشهير لليوفو انطونيو ريبيرا (Antonio Ribera)، الذي أصدر ثلاثة مواسم من المجلة بين السنوات 1968 و 1971. في نفس العدد كان الكلام يدور عن خطر الطوائف الدينية من جهة وعن العلم الزائف الذي روج له تشارلز فورت (Charles Fort) (أحد اوائل من كتبوا حول الظواهر الشاذة من مروجي العلوم الزائفة) بصفته تقدماً علمياً وذلك في نفس الوقت الذي يكتب فيه عن الخلية. في السبعينات استمر هؤلاء بالنشر وفق ذلك النمط كالكلام عن مؤامرات العالم المجهول (Mundo Desconocido) (سلسلة في نظرية المؤامرة) والكارما. في التسعينات أيضاً، كان هناك العديد من الحلقات الراديوية في اسبانيا والدائرة حول الماورائيات وكانت عادة استضافة العلماء بين فقرات الحلقات ليست سوى دعاية للعرافين، وللمزاعم حول زيارات الفضائيين للأرض، والأمور المتعلقة بالشياطين والالغاز الخفية للماضي.

إذا طالما أن الأمر ليس جديداً، فلماذا يعد ما يجري في ذلك البرنامج التلفزيوني مقلقاً؟ بين أشياء أخرى، لماذا العلماء، العرافون والمشككون يتعاونون في مشروع كهذا وهم واعون بما يفعلون، كما كان يحدث في الراديو الاسباني في التسعينات. أفترض أنه في أوقات بلانيت (Planète) وهوريزونتي (Horizonte) – الاصدار الاسباني من المجلة – قد أكسبت المجلة نصوصاً كثيرة عبر الوكالات وذلك لما يفعلونه من دمج لمقالات علمية من ادغا مورين (Edgar Morin) مع خيال علمي لآرثر كلارك (Arthur C. Clarke) حيث يتم ملأ الفراغات بالمقالات العلمية بين مقالات الصحون الطائرة والكائنات الغريبة  ومطاردي الاشباح دون ادراك كتابها لما يجري.

قبل أكثر من عقد، وخلف كواليس مقابلة تلفزيونية سألتُ فيزيائياً إسباني شهير حول مدى إدراكه بأنه حين يشارك في البرامج مع المشعوذين فإنه سوف يشرعن هذيانهم أمام الرأي العام. الجو الودي الذي كان يسود المقابلة التلفزيونية كان قد اختفى، ونظر الي الرجل بعدائية ورفض أن يجيب. عدت للمقابلة بعدها وانتهت مقابلتنا عندها وقتئذ.

أي شخص لديه الحرية في تلبيته لطلبات برامج الراديو التلفزيون لحضور اللقاءات التي يريدها، لكن مع التركيز على نقطة خطيرة في البيئات التي تعرض العلم الزائف والخرافة فإن الأمر عندها سيكون كالدفاع عن الالحاد في كنيسة أو في مسجد. وفضلاً عن ذلك، منح ما يُعرفون بصفحيي الغموض الامكانية، كما كانوا يفعلون في مرات كثيرة، في الحكم على النقاش الدائر في الاتجاه الذي يرغبون به. لأن لدى هؤلاء دعاية واضحة جداً. من القواعد الأساسية التي يتبعها مروجو الماورائيات في اسبانيا هي استضافة العلماء والمشككين حيث لا يتحكم هؤلاء بشئ. فإما أن تلعب على أرضك أو لا تلعب أبداً.

في كل مرة يشارك فيها أحد العلماء ببرنامج مخصص للألغاز الزائفة، فإن رسالته تصبح كالتفاحة التي تتعفن بعدما تلامس أخريات متعفنات، وهو بعمله هذا يرسل رسالة جلية للجمهور: الرأي المستند الى التجارب له نفس القيمة مع الرأي القائل بأن بوابات نجمية ستفتح في كوكبنا قريباً، أو أن اللقاحات تسبب التوحد، مثلاً يُمكن أن ينال المشكك والدجال نفس الميكروفون للكلام وربما يتبادلان أطراف الحديث. وستعطي أسماع وأنظار العامة الرصيد نفسه لمروج الصحون الفضائية ولعالم البيولوجيا الفضائية، أو لأصحاب العلاج المثلي مع الأطباء، أو لعالم آثار مع مروج للأساطير حول الأهرام. إن تغذية فكرة كهذه بأن جميع الآراء جديرة بالإحترام وأن ظهور شخص مناظر للعالم عندما يتكلم هو أمر هام للموازنة هو إبتداع مغالط. فهل هذا هو ما نريده؟

المصدر:

Luis Alfonso Gámez, Cuando los escépticos alimentamos al monstruo, Sceptical inquirer, September 2, 2016

الهوامش:

[1]  ويكفيلد هو طبيب بريطاني تم فصله من الخدمة لترويجه آراء معادية للقاحات والعلم الزائف الذي يربط بين اللقاح الثلاثي والتوحد.

[2]  عُرف بيرلتز اللغوي بكتابه الذي يتكلم عن الظواهر الماورائية.

[3]  مجلة المصير أو فيت (Fate) مجلة قصص متخصصة بالماورائيات شرعت بالإصدار عام 1948.

[4]  كينيث آرنولد هو رجل أعمال وطيار أمريكي كان أول من ادعى رؤيته لصحون طائرة في الولايات المتحدة ثم أتبع ذلك بمقابلات أجراها مع اشخاص قالوا أنهم شاهدوا صحوناً طائرة، وقد ألف كتاباً ونشر العديد من المقالات حول الصحون الطائرة.

تدقيق: رمزي الحكمي